31/10/2010 - 11:02

ليست مناورات إنها الحرب../ فيصل جلول

ليست مناورات إنها الحرب../ فيصل جلول
شهدت الدولة العبرية مناورات عسكرية هي الأضخم منذ تأسيسها قبل ستين عاما شملت كافة القطاعات المدنية والعسكرية وأجهزة الدولة (مجلس الوزراء والبرلمان والرئاسة.. الخ) لمواجهة سيناريوهات عسكرية محتملة ومن بينها هجوم بأسلحة الدمار الشامل. تطرح هذه المناورات سؤالا من شقين عن سبب اجرائها وعن توقيتها؟

تفيد الإجابة “الإسرائيلية” المتداولة عن السؤال، أن السبب يتصل بتطبيق الدروس المستخلصة من حرب تموز يوليو عام 2006 حيث تبين أن الجبهة الداخلية لم تكن مهيأة للحرب، وانها تحتاج إلى إعادة تأهيل بما يتناسب مع المخاطر التي يمكن ان تنجم عن حرب جديدة ترى اوساط “إسرائيلية” نافذة ان اندلاعها بات حتمياً إذا ما أرادت تل أبيب استعادة سلطة الردع في محيطها.

واللافت في هذا الصدد أن “إسرائيل” ما انفكت تبعث رسائل “تهدئة” منافقة إلى سوريا ولبنان مفادها أن المناورات لا تستهدفها وانها شأن “إسرائيلي” داخلي خالص، وكأنها تستغبي الطرفين اللبناني والسوري ناهيك عن الإيراني بالقول: نستعد للحرب ضدكم ونطمئنكم بأن الاستعدادات داخلية بحتة.

وإذا كانت دمشق لم تتظاهر بموقف رسمي واضح من المناورات ما خلا التعليقات الصحافية الشاجبة والمحذرة من “الغدر “الإسرائيلي”” فضلاً عن أخبار متواترة عن استعدادات سورية عسكرية فإن الانباء الواردة من لبنان تفصح عن أن المقاومة اللبنانية ردت على المناورات العبرية بالاستنفار الشامل الذي طال أيضا القوات الدولية والجيش اللبناني ما يعني أن بيروت ودمشق لاتنامان على حرير رسائل التطمين اليهودية، وأنهما ليستا ساذجتين إلى حد الاعتقاد بأن الاستعدادات “الإسرائيلية” للحرب هي شأن تقني وقائي او دفاعي. هذا عن السبب الظاهرللمناورات فماذا عن دوافعها الحقيقية وعن توقيتها ؟

يمكن حصر الدوافع “الإسرائيلية” في الخطوط العريضة التالية:

أولا: أصرت الدولة العبرية على انهاء الحرب في لبنان بصيغة وقف الاعمال العدائية وليس عبر وقف إطلاق النار. والاصرار يعكس نية باستئناف القتال في اللحظة التي تصبح فيها القوات “الإسرائيلية” مستعدة لخوض جولة حربية جديدة والمناورات هي جزء من هذه الاستعدادات التي لم تتوقف منذ نهاية الحرب.

ثانيا: يلاحظ من خلال اغتيال عماد مغنية وضرب المنشأة العسكرية السورية في دير الزور وتمركز البوارج الحربية الأمريكية امام الشواطئ اللبنانية أن تل ابيب تسعى لتدارك الانهيار “الإسرائيلي” المعنوي بعد حرب تموز واستعادة ثقة الجبهة الداخلية بالجيش من جهة والحاق الأذى بمعنويات الطرفين السوري واللبناني من جهة أخرى فهذا النوع من العمليات وان كان لايستدرج اعلان حرب لاختلال ميزان القوى فإنه يستنزف الطاقة المعنوية في الجبهة المقابلة.

ثالثا: لقد اعتمدت الدولة العبرية ومعها الولايات المتحدة استراتيجية تقضي بتطويق المقاومة اللبنانية داخليا بعد تطويقها عبر قوات اطلسية تحت راية الامم المتحدة في الجنوب وعبر البوارج الأمريكية من أجل شل قدرتها على الحركة تمهيداً لخوض معركة حاسمة معها والمناورات العسكرية جزء من هذه المعركة.

رابعا: تخوض تل ابيب منذ الحرب مناورات إعلامية موازية للاستعدادات العسكرية عبر تحديد اهداف متحركة لعمل عسكري محتمل تارة في إيران وطورا في سوريا، وثالثة في لبنان، ورابعة في غزة، بحيث تتمتع بأفضلية المفاجأة وتحقيق الانتصار بالضربة القاضية جريا على سيناريو تحطيم الطيران العربي في حرب حزيران يونيو عام 1967.

خامسا: تسعى تل ابيب للإفادة من الوقت المتبقي من عمر الإدارة الأمريكية الحالية التي يمكن ان تغطي حربها دون شروط.

سادسا: تدرك الدولة العبرية أن عامل الوقت يلعب ضدها على كافة الجبهات. ففي لبنان يتيح الوقت استكمال استعدادات المقاومة واعادة تسليحها، وفي فلسطين يتيح تصليب عود المقاومة واكتسابها المزيد من الخبرات، وفي سوريا يخدم استراتيجية القتال السورية الجديدة المبنية على دروس حرب لبنان، وفي إيران يتيح تصليب البرنامج النووي الإيراني وامتلاك طهران المزيد من الخبرات التكنولوجية الحربية، ولعل تصليب عود هذه الجبهات مجتمعة يمكن ان يجعل الحرب ضدها امرا مستحيلا خلال سنوات وبالتالي لا بد من قطع الطريق عليها بحرب خاطفة قاصمة.

سابعا: تعرف تل ابيب أن الحرب المقبلة يجب ان تتم من خلال وجود القوات الأمريكية في العراق، وقبل ان تغرق أكثر في المستنقع العراقي وتضطر للانسحاب، ولذا ربما عليها ان تخوض الحرب قبل فوات الاوان العراقي.

ثامنا: لقد بينت محادثات السلام في انابولس ان تل ابيب وربما واشنطن ليست مصممة على تحقيق السلام وان الامر لا يعدو كونه كسبا للوقت لحماية المعتدلين العرب من جهة وبانتظار استكمال الاستعدادات العسكرية للحرب المقبلة من جهة اخرى ذلك انه من الصعب على “إسرائيل” ان تعيد الجولان المحتل كنتيجة لهزيمتها في جنوب لبنان.

تاسعا: لا تشك “إسرائيل” في ان مصيرها مرتبط بتفوقها العسكري وان بقاءها على قيد الحياة رهن بانتصارها الدائم على العرب فالهزيمة هي المعادل الطبيعي لموت الدولة العبرية. انها اشبه بلص يحتفظ بمسروقات ويدرك ان حماية المنهوب رهن بالسلاح وليس بالقانون.

موجز القول إن المناورات العسكرية “الإسرائيلية” بشمولها وحجمها تعكس هما وجوديا وارادة صريحة في استئناف الحرب بنية الانتصار فيها بالضربة القاضية. هذه إذن ليست مناورات انها الحرب التي يمكن اذا ما اندلعت ان تغير حقا وجه المنطقة كما يردد السيد حسن نصرالله في كل مناسبة.
"الخليج"

التعليقات