31/10/2010 - 11:02

مؤشرات إعادة إنتاج "أوسلو" في لقاء أنابولس../ عوني فرسخ

مؤشرات إعادة إنتاج
اللقاء الذي دعا إليه الرئيس بوش، وسوقته أجهزة الإعلام على انه “مؤتمر دولي للسلام”، تقرر عقده في انابولس في الولايات المتحدة. والمرجح أن يلبي الدعوة غالبية ممثلي الدول الاثنتين والثلاثين المدعوة، إن لم يكونوا جميعهم، برغم ما أبداه بعضهم من تردد وتحفظ. واللقاء “المؤتمر” وإن لم تحدد له مرجعية، أو برنامج عمل، موضوع اهتمام كل من هو معني بالصراع العربي الصهيوني.

والجدير بالتذكير به أن اللقاء “المؤتمر” سيجري في ظرف دولي وإقليمي متميز كيفياً عما كانت عليه الحال عندما عقد لقاء اوسلو في عتمة عام 1993. فالإدارة الأمريكية مأزومة في العراق وأفغانستان، وتواجه تحدياً متصاعداً في أمريكا اللاتينية، فيما شعبية الرئيس بوش تدنت في الشارع الأمريكي على نحو غير مسبوق في تاريخ الرئاسات الأمريكية. و”إسرائيل”، حكومة وجيشاً، لما تتعاف بعد من فشلها المريع في العدوان على لبنان في صيف 2006. وبالمقابل فشل حصار الجوع في استلاب إرادة الشعب العربي الفلسطيني.

وهو ظرف بالتأكيد غير ملائم للإدارة الامريكية وحليفتها الاستراتيجية. وما كان الرئيس بوش ليدعو للقاء “المؤتمر” ما لم تكن مصادر معلوماته تؤكد له عجز صناع القرار العربي عامة، والفلسطينيين منهم خاصة، عن تفعيل الإمكانات والقدرات المتوافرة لديهم والتفاعل بايجابية مع متغيرات المرحلة. ولولا انه واثق، استنادا لذلك، من قدرته وأجهزته على توظيف اللقاء “المؤتمر” بما يخفف من حدة المأزق الذي تعانيه إدارته والأزمة المتحكمة بصناع القرار الصهيوني لما دعا له.

وبدلاً من تصرف الرئيس محمود عباس وأركان سلطته في ضوء الإنجاز الذي حققته المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، والمأزق الأمريكي والنكسة الصهيونية، تصرفوا وكأنهم ما زالوا أسرى نهج أوسلو الاستسلامي، كما يستدل على ذلك من مواقف وتصريحات عباس خلال الأسابيع القليلة الماضية. فقد ذكرت “معاريف” في الخامس من الشهر الجاري، استنادا لمصدر “إسرائيلي”، نقاط الخلاف في لقاءات رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ورئيس السلطة الفلسطينية وممثلي الطرفين. إذ مقابل مطالبة الفلسطينيين التوصل لاتفاق خلال ستة شهور أبدى “الإسرائيليون” عدم استعدادهم للالتزام بجدول زمني. وأنهم غير مستعدين للحديث فيما أسموه “مسائل اللباب” في قضايا: القدس، واعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية بسيادة فلسطينية كاملة، واللاجئين، وحل مشكلتهم على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194 وحق العودة. والحدود، بترسيم حدود الدولة الفلسطينية وإخلاء المستوطنات وإقامة “ممر آمن” بين غزة والضفة. كما أكدت الصحيفة “الإسرائيلية” أن محمود عباس وافق على ما اعتبرته “المطالب “الإسرائيلية” المركزية” من دون أن تبين ماهية هذه المطالب.

وتحت عنوان “مؤشرات على تقارب غير مسبوق في الموقف بين عباس وأولمرت” ذكرت نشرة “المركز الفلسطيني للإعلام” في مدينة الناصرة، أن الإذاعة العبرية نقلت يوم الجمعة، الثاني عشر من الشهر الجاري يوم العيد في فلسطين المحتلة عن مصدر مشارك في الفريق الفلسطيني المفاوض مع حكومة الاحتلال، أن الجانب الفلسطيني بات يوافق على الطروحات التي كان الكيان الصهيوني قد عرضها على الفلسطينيين خلال مؤتمر طابا قبل ست سنوات، والتي رفضها في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات . وأن الجانب الفلسطيني يرى وجوب أن تسمح حكومة الاحتلال بعودة اللاجئين إلى أرض الدولة الفلسطينية حال قيامها، بالإضافة إلى تمكين عدد رمزي منهم من دخول الأراضي المحتلة سنة 1948. وحين يؤخذ في الحسبان أن مؤتمر طابا عقد في أوج مرحلة القطبية الأمريكية والعربدة الصهيونية، وأيام كان الرئيس الراحل ياسر عرفات شبه محاصر، ولم يكن للمقاومة العربية ذكر، وقبل أن يكثر المتحدثون الأمريكيون عن نهاية الطموحات الإمبراطورية للمحافظين الجدد، وتحول “إسرائيل” من رصيد استراتيجي إلى عبء يثقل كاهل دافع الضرائب الأمريكي، يدرك مقدار التردي في الموقف السياسي للفريق المتفرد بصناعة القرار الوطني الفلسطيني، وبالتالي حجم التنازلات المتوقع أن يقدم عليها المسؤولون تاريخياً وأخلاقياً عن اتفاق أوسلو سيئ السمعة، وبالتبعية فالاحتمال الأرجح أن تأتي إعادة إنتاج اوسلو في لقاء انابولس على ما أبقاه لقاء اوسلو من بعض الحقوق الفلسطينية.

وما كان التردي في الأداء السياسي لأركان سلطة حكم الذات يصل هذا المستوى لو أنهم أوفوا بما تعهدوا به في مارس/ آذار 2005 حول تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتها. أو لو أنهم استجابوا لمساعي رأب الصدع والدخول في حوارات جادة وبناءة مع مختلف القوى والشخصيات الوطنية لإقامة الجبهة الوطنية والقيادة الجماعية، الملتزمين بالثوابت التي تأسست عليها منظمة التحرير، وتضمنها الميثاق الذي أقره المجلس الوطني الأول بالقدس في ربيع ،1964 وتبنتها مختلف الفصائل والقوى والشخصيات، باعتبارها أسس الشرعية الوطنية الفلسطينية والتي من دون الالتزام بها لا تعتبر المنظمة الممثل الشرعي للشعب العربي الفلسطيني. فضلاً عن أن في تواصل مسلسل التنازلات ما يوسع الفجوة مع قوى المجتمع العربي الفلسطيني الملتزمة بالمقاومة خياراً استراتيجياً، ويفاقم بالتبعية من حدة أزمة العمل الوطني الراهنة، ويعرض وحدة “فتح” لخطر مؤكد.

والسؤال الأخير: ما الذي يقوله رجالات “فتح” الذين ما زالوا أوفياء لدماء شهدائها في إعادة إنتاج أوسلو على نحو أكثر بؤساً في لقاء أنابولس؟
"الخليج"

التعليقات