31/10/2010 - 11:02

ما بعد الحوار أو أهمية مراجعة التجربة الفلسطينية../ ماجد كيالي

ما بعد الحوار أو أهمية مراجعة التجربة الفلسطينية../ ماجد كيالي
حسنا فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن إطلاق مسار الحوار والمصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو بين السلطة وحركة حماس. لكن المسألة هنا لا تتعلق فقط بمجرد إطلاق الحوار، وعقد الاجتماعات، وصوغ الاتفاقات، فقد حدث ذلك مرارا وتكرارا.

أي أن المطلوب أكثر من ذلك بكثير، وصولا لإبداء الطرفين الاستعداد المناسب للانتقال إلى مرحلة جديدة، قوامها إعادة اللحمة للنظام السياسي الفلسطيني، وإعادة الربط بين الضفة وقطاع غزة، ونبذ الاحتراب بالسلاح (كما فعلت حركة حماس)، والانتهاء من عهد احتكار القرارات (على طريقة قيادة فتح)، واعتماد الوسائل الديمقراطية والقانونية والمؤسسية، لحل الخلافات والتباينات في وجهات النظر، وفي تحديد الخيارات والأولويات الوطنية.

لكن على أهمية رأب الصدع الحاصل في الحركة الوطنية الفلسطينية، فإن مشكلة هذه الحركة لا تتوقف على مجرد التصالح بين فتح وحماس، بقدر ما تتعلق باستعادة لحيويتها وفاعليتها، وبالتالي شعبيتها.

والواقع فإن مجمل الفصائل الفاعلة في العمل الوطني الفلسطيني باتت بحاجة ماسة لتجديد ذاتها، بتطوير بناها وخطاباتها، وتكريس الديمقراطية والمؤسسية والمصلحة الوطنية في علاقاتها.

فهذه حركة فتح تبدو وكأنها مجرد تعيش على ماضيها النضالي، من دون أن تلتفت إلى العطب الذي بات يلفها، على كافة الأصعدة، فقد استهلكت وترهلت بناها، وتسيبت علاقاتها الداخلية، وحدود العضوية والتراتبية فيها تبدو جد هلامية. أما على صعيد الفكر السياسي فهذه الحركة التي كانت تعج بالحوارات والتيارات، وتتغنى بالتنوع، وتغتني بالتعددية، غدت حركة اللون الواحد، وهي لا تكاد تضيف شيئا على صعيد النقاش السياسي. الأنكى من ذلك أن هذه الحركة تأنف النقد، وهي لم تقم ولا مرة بمراجعة أوضاعها الداخلية، وخياراتها السياسية، على الرغم من الإخفاقات والتحديات والخسائر التي تعرضت لها، وضمنها، خسارة الانتخابات التشريعية (2006) وخسارة قطاع غزة (2007)، وتراجع مكانتها الشعبية، وانحسار دورها النضالي.

أما حركة حماس فهي تبدو وكأنها تعاند ذاتها، فهذه الحركة لازالت ترفض الاعتراف بخطأ خياراتها، فهي أسهمت، عن قصد أو من دونه، في تدهور حال الفلسطينيين، وجعلهم فريسة للاستفراد الإسرائيلي، أولا من خلال انتهاجها العمليات التفجيرية، وثانيا من خلال ذهابها للحرب الصاروخية، وثالثا، من خلال استفرادها بتشكيل حكومة، على رغم أنها تعارض اتفاق اوسلو جملة وتفصيلا، ورابعا، عبر قيامها بحسم ازدواجية السلطة بوسائل العنف والإكراه، وبالهيمنة الأحادية والاقصائية على قطاع غزة.

وفي كل ذلك فإن حماس أخطأت بتقدير الوضع فهي استدرجت لمربع المواجهات المسلحة، ما استنزف قدراتها، وأرهق الشعب الفلسطيني، وهي خلقت نوعا من التشويش على عدالة القضية الفلسطينية. ثم كان بإمكان حماس، بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية، حماية فوزها بعدم ترؤس الحكومة، مثلا، أو بالاكتفاء بمراقبة الحكومة من المجلس التشريعي. مثلما كان بامكانها بعد ذلك حسم الخلاف عبر الضغط لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في آن واحد.

ومعنى عدم التقدير هنا أن حركة حماس بالغت بمفاهيم أطلقتها من نوع "توازن الرعب"، والتحالف مع إيران، والارتكاز على الجماهير العربية والإسلامية، فهذه المراهنات ربما تفيد في إرباك وضع إسرائيل، وتصعيب الأمر عليها، ولكنها (بحدودها ومستوياتها الراهنة) لا تفيد في تغيير موازين القوى، ولا في حسم القضايا لصالح الفلسطينيين، كما أثبتت التجربة.

طبعا ثمة فصائل وطنية فاعلة في الساحة الفلسطينية ولكنها تبدو ضعيفة إزاء الإمكانيات المادية الكبيرة، والمعطيات السياسية المهمة، المتوفرتين لحركتي فتح وحماس، كما أنها مصدومة بالاستقطاب الشعبي الحاد، الذي تبدى بالانتخابات التشريعية، لصالح هاتين الحركتين. لكن مشكلة هذه الفصائل أيضا، أنها مازالت تتكئ على تاريخها النضالي، أكثر مما تعتمد على دورها الحالي، كما أنها تبدو حائرة في تقديم ذاتها، وتمييز دورها، هذا فضلا عن التنابذ والتنافس بين أطرافها، وضعف قدرتها على التواصل مع الطيف السياسي المتعاطف معها في الوسط السياسي الفلسطيني.

هكذا فإن المطلوب في الساحة الفلسطينية ليس مجرد مصالحة بين فتح وحماس، على أهمية ذلك، لأن بقاء الوضع على ماهو عليه، يمكن أن يعيد إنتاج حالات الاقتتال والانقسام. لذا فالمطلوب أيضا مراجعة وطنية شاملة لمختلف جوانب التجربة الفلسطينية الماضية، بإيجابياتها وسلبياتها، باعتبار ذلك ضرورة لاستنهاض العمل الوطني الفلسطيني، وتجديد إطاراته وخطاباته وعلاقاته وأشكال عمله وطرق نضاله.

ولاشك أن هذه المراجعة تطال فتح وحماس وبقية الفصائل، فمثلا مطلوب من فتح لملمة أوضاعها، وتنظيم ذاتها وعقد مؤتمرها، واستعادة الحيوية والتنوع لصفوفها وخطاباتها. ومطلوب من حماس النظر إلى تجربتها بعين نقدية مسؤولة، والاحتكام للمصلحة الوطنية، في المواقف وانتهاج الخيارات. ومطلوب من بقية الفصائل تقديم ذاتها وتعيين تمايزها، عن فتح وحماس، بصورة واضحة وجريئة.

واضح ان مرحلة كاملة من التجربة الفلسطينية انتهت، بما لها وما عليها، وثمة مرحلة جديدة تشق طريقها، وإن بصعوبة وتعقيد بالغين، وعلى ما تفعله او ما لا تفعله القوى الوطنية الفلسطينية يتوقف استمرارها من عدمه.

التعليقات