31/10/2010 - 11:02

ما بين الرفحين.. وأمر أمة هرولت ما بينهما والعريش!../ عبد اللطيف مهنا

ما بين الرفحين.. وأمر أمة هرولت ما بينهما والعريش!../ عبد اللطيف مهنا
مالذي حدث في رفح؟
أو مالذي حدث في هاتين الرفحين التوأمين... ما بين المدينتين العربيتين اللتين كانت تفصلهما بوابة كم كانت تبدو عصيّة، وتعزلهما أسوار حديدية حدث أن جرفتهما غضبة ذات صباح من يوم شتوي يعود لسنين أمة عجاف..؟!
مالذي فعلته غزة، على جانبي معبر رفح... وماذا حدث في سيناء، وما كان من أمر سيل الغزيين الطافح جنوباً مجتازاً الشيخ زويّد إلى العريش؟!

لم تفعل غزة أكثر من عرضٍ لآخر ابتكار من مفاجآت أساليبها المتجددة لإظهار قوة إرادة الحياة التي يختزنها صمودها الأسطوري المذهل... كل ما فعلته، ولم يفعله سواها في تاريخ أمم الكون، هو بعض من تمرّد لأكثر من مليون ونصف مليون عربي على واقع أكبر سجن عرفه تاريخ هذا التاريخ اسمه قطاع غزة المحاصر... كان منها ما كان لم يزد على جزءٍ من مقاومة... مقاومة أدمنتها وعنت ما كان دائماً إعلان حياة منها... وتأكيد على استمرار وجود وفشل مكائد ومخططات إبادة... إشهار متجدد لعنادٍ فلسطيني جداً، يرفض خضوعاً، ويزري بخنوع الخانعين، ويتحدى أرجاف المرجفين، ويقول نحن هنا...

... نحن جزء لا يتجزأ ولا يُبتر ولا يُفطم من أمة لا تعرف عقماً غيّبوها قسراً فكادت أن تنسانا...
وعليه، نذكّرها... نذكّر أمتنا، بأن رفح لا تعترف بما يفصلها عن رفح الأخرى... لا تعترف بسايكس بيكو... لن تُفصل رفح عن أمتها... لن تفصلها عن ما زعموا زوراً أنها قد نسيتها بوابات موصدة وأسوار حديدية لا ترحم...
قالت غزة لا للحصار الدولي المضروب الباغي... لا لهذا المسكوت عنه لعجز عربي استحكم فتحكم...
...ومالذي فعلته سيناء، غير أنها احتضنت غزة... ضمت بعضها لبعضها مواسية... بدى لوهلة أن الرفحين عادتا رفحاً واحدة، انمحت سايكس بيكو، دفنت تحت كثبان رمال الشيخ زويّد، شاء من شاء وأبى من أبى... قالت الأمة لا الأنظمة نحن هنا..!
* * *
كما استهانت غزة بإرجاف المرجفين من رافعي شعار استكينوا تسلموا، واهدأوا ترفعوا الأذى عنكم... وازدرت بمن هللوا لخدعة شاحنات السولار التي لم تبدأ قوافلها حتى انقطعت... ساءها إشفاق المشفقين، الذين ظنوا أو زعموا أو أدعوا أن غضبتها إنما هي تعبر عن سورة مسغبة وهبّة جوعى... وبحثاً عن رغيف...

نعم غزة جوعى وفي مسغبةٍ لكنها ترفض، ورفضت من قبل، أن تستبدل حريتها وكرامتها وعنفوانها بالرغيف... تريد غزة تضامناً ومساندة ودعماً وأيضاًَ رغيفاً لتصمد... ولم يكن همها أن تأكل، وإلا لما قاومت... ولكانوا أشبعوها منذ سنين..!
...غزة لم تشأ مشهداً مهيناً لأمتها وإن كان... مشهد كانت إحدى وجوه معانيه العميقة المؤنبة تلوح مع سواها ما بين الرفحين مجتازة الشيخ زويّد حتى العريش، وإنما أحزنها أن يستكثروا عليها رد فعلها الطبيعي والمشروع والمنتظر منها، وهو عنادها الموصوف في مقاومة الاحتلال، وأوجعها أن يعيبوا عليها رفض صواريخها الاستكانة للاحتلال، ويستهجنوا رد إرادتها بالمستطاع... ردها، مهما تضاءل هذا المستطاع، وعزّت الحيلة، وضاق ما توفر لليدين العاريتين في مواجهة طغيان تضخم البغي وفائض موفور الوحشية، يجيئها سائقاً معه إليها الموت ومخلفاً وراءه، في كره وفره، برك الدم وركام الدمار... مخلفاً كل ما يليق بعدوها وعدو أمتها ومن يرعاه من أثر يدل عليه...

... وغزة، عندما التحمت بالعريش، لم تلق بالاً لما نما إليها من أخبار مجلس الأمن الدولي... ما أتاها عن حديث إفك "البيان الرئاسي" الهزيل الذي تلهى به البعض... لأنها تعلم سلفاً أنه، صدر أم لم يصدر، لم يكن ليلامس جراحاتها، أو يواسي وجعها أو ينصف، كما لم ينصفيوماً كل ما كان من أمر تلك الأمم المتحدة، ظلاماتها... كانت تعلم أنه هناك دائماً، أو في أغلب الأحيان، كانت تجري عمليات تمييع مستوجب إدانة عدوان عدوها، وأقله، التخفيف من شناعة ما يرتكب وبشاعة ما يقترف... وكثيراً ما كانت تنتصر هناك محاولات مساواة الضحية بجلادها... لم تنس غزة أنه هناك اُقترفت ذات يوم مكيدة فرض وشرْعنة وقوننة جريمة اغتصاب فلسطينها...

...وغزة، لم تنشغل عما هي فيه بحكاية قرار حخول غير ملزمٍ صدر عن ما يدعى "مجلس حقوق الإنسان" في الأمم المتحدة إياها، اضطر في سطوره إلى القول الابعد عن العمل، بأن ما لاقته من عدوها ينطوي على "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والحقوق الإنسانية" للمدنيين..!

كانت غزة تعلم دوماً أن هؤلاء الذين يهبون لنجدة حوتٍ جانح على شواطئ الاسكا، ويصمون أذان الكون زعيقاً حول ما يزعم أنه يجري في دارفور، ولا يحركون ساكناً للمذابح في الأفغانستان والعراق، لا يرتجي من نفاق "مجتمعهم الدولي" المشارك فيما يجري لها خيراً... غزة لا تعوّل إلا على صمودها... ونخوة أمتها، وإن هذه تأخرت...
* * *
تعلم غزة، أن هذا الموصوف بـ"المجتمع الدولي"، الذي يختصر موضوعياً أو واقعاً العالم كله تحت عبائته، يريد فلسطينها "وطناً يهودياً" خالصاً، وبلا أهلها، وإن جميعه يسهم في محاولة قهرها... قهر الشعب الذي حطمت غضبته الحدود التي تحول بينه وبين أمته التي طفقت معه، من محيطها إلى خليجها، تهرول ما بين غزة والعريش... هذا الشعب الذي أحرج النفاق الأوروبي وفضح العجز الرسمي العربي، والذي قال:

الوطن قبل الدولة، والأرض قبل السلطة... تلك "الدولة" أو الجزرة المرة، المراد استبدال أوهامها بالتنازل عن ذلك الوطن، والسلطة التي بلا سلطة وتحت احتلال، الأشبه ببلدية مفلسة، والأقرب إلى مخفر يراد منه قمع المقاومين وحماية المحتلين... السلطة التي تتوهم أنهم سيتكرمون عليها بدولة، والدولة الموهومة التي يراد من شبحها اللامرئي أن يبصم سلفاً نيابةً عن الشعب والأمة على تصفية قضية...

...الشعب، الذي تقول غزة اليوم نيابة عنه، أيها الفلسطينيون، تعالوا إلى كلمة سواء...ولأمتها، نريد سيوفكم قبل خبزكم، ودعمكم لا إشفاقكم... وللعالم، يا كل من طمح للحرية فيك تعلّم منّا درساً...
...بين الرفحين... بين غزة والعريش، كان إشهار فلسطيني جداً لإرادة حياة!

التعليقات