31/10/2010 - 11:02

ما يتوجب على أبي مازن أن يفعله حيال حصار غزة../ خالد الحروب*

ما يتوجب على أبي مازن أن يفعله حيال حصار غزة../ خالد الحروب*
على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتوجه اليوم قبل الغد إلى مقره الرئاسي في «المنتدى» في مدينة غزة ويقيم فيه أسبوعا مع مرافقيه ومستشاريه ويدير الشأن الفلسطيني برمته، «الضفاوي» و«الغزاوي» من هناك. وعليه أن يفعل ذلك أسبوعا بعد أسبوع كي يؤكد رمزياً على وحدة الجغرافيا والديموغرافيا والنظام السياسي الفلسطيني، إن أراد أن يثبت أنه رئيس لكل الفلسطينين وليس فقط للضفة الغربية.

وأولى الأولويات على أجندته الآن يجب أن تكون فك الحصار عن قطاع غزة، وثانيها التحاور مع «حماس» لإنهاء الانقسام الفلسطيني المدمر على كل الصعد. على الرئيس الفلسطيني التصرف باعتباره «أم الولد» وأن قطاع غزة جزء عضوي لا يتجزأ من سلطته هو كرئيس، وعليه أن يتفادى التصرف كزعيم حزب وتنظيم فقط. وله أن يستمر في مقاطعته «حماس» في بداية الأمر وعدم التحدث معها، لكن ليس من المعقول أو المفهوم أن يقاطع قطاع غزة كله. ولنتصور أن الرئيس عباس قرر اليوم زيارة غزة، ثم فعل ذلك أسبوعا بعد أسبوع، فلنا أن نتصور الحمولة الرمزية المهمة التي تحملها هذه الزيارات، ولنا أن نفترض وعلى وجه شبه أكيد أن «حماس» ستكون حريصة على أن توفر له أقصى أنواع الحماية الأمنية أولاً حتى لو لم يتحدث مع قادتها. مع الأسف لم يحدث هذا في الأشهر الماضية، لكنه ما زال برسم الاقتراح خاصة في ضوء الحصار والخنق المتواصل لقطاع غزة وسكانه بشكل بالغ التوحش والانحطاط من جانب إسرائيل.

لقد صار مطلوباً من الحكومة الفلسطينية في رام الله أن تكسر الحصار المفروض على القطاع، وأن تتحاور مع «حماس»، وأن لا تقبل بأن تخطو أي خطوة سياسية من دون فك هذا الاختناق اللاانساني على مئات الآلاف من الناس الأبرياء. أولوية فك الحصار عن غزة تتجاور الآن مع اولوية إعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني. من دون تحرير هاتين الأولويتين فإن كل جهد سياسي تقوم به السلطة في رام الله وفي أي اتجاه يكون فاقداً للصدقية، خاصة في ظل عدم جدية واستخفاف الطرف الإسرائيلي بعملية التسوية، بما فيها آخر حلقاتها في أنابوليس.

إنسانيا وعلى صعيد الحصار البشع لقطاع غزة، فإن تقارير المنظمات غير الحكومية والتابعة للأمم المتحدة تنذر بحدوث كارثة حقيقية. فالمواد الأساسية تضاعفت أسعارها أربع إلى خمس مرات على ندرتها، المحروقات خُفضت من قبل إسرائيل إلى مستويات دنيا، بحيث لم يعد بمقدور أحد التنقل من بيته إلى مكان عمله بسبب غلاء وقود السيارات وعدم توفره. مئات المصانع أغلقت وسرح عشرات الألوف من العمال المهرة، ليلتحقوا بجيش العاطلين عن العمل. ومحطات تنقية المياة العادمة في سبيلها إلى التوقف التام، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية حدوث كوارث بيئية حقيقية. كل ذلك يُضاف إلى الإحباط السياسي العام الذي يجتاح المواطنين بسبب انسداد الأفق الوطني والقطيعة بين غزة ورام الله.

لقد تجاوزت المسألة الغزاوية الصراع المخجل بين «حماس» و «فتح» على السلطة والسيطرة على الأرض، والموضوع الملح الآن هو هذا التجويع والإذلال المعيشي الذي يواجهه مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع. سياسة إسرائيل واضحة فهي تريد خنق القطاع وسكانه إلى درجة ما قبل الموت بقليل، مع الإبقاء على الشروط الضرورية لاستمرار الأمر القائم من الناحية السياسية، أي الانقسام «الضفاوي - الغزاوي» وسيطرة «حماس» على غزة.

وهي طبعا تهدد السلطة في رام الله أنه في حال فتحت قنوات الحوار مع «حماس» فإن قنوات «التفاوض» مع إسرائيل سوف تغلق وقد تغلق معها بوابات «الإمداد» للضفة الغربية، أي إعادة الحصار الذي فرض خلال فترة حكومة «حماس». لكن ما تقوله وتريد إملاءه إسرائيل لا يجب أن يكون هو النص الذي تسير عليه رام الله. فهذه الأخيرة يجب أن يكون لها موقفها النابع من مسؤولياتها الوطنية وحتى الحكومية وعليها أن تتجاوز سياسة «التصريحات اللفظية الرافضة لتجويع أهلنا في القطاع» إلى اجتراح خطوات عملية. الرفض اللفظي للتجويع في القطاع يتفق عليه مناصرو وخصوم الفلسطينيين في العالم وهو فارغ عملياً من أي مضمون إن لم يتحول إلى ضغط عملي على الأرض.

لكن يبدو أن ثمة تفكيراً وسياسة خطيرين في عقلية البعض في رام الله تقومان على تقدير أن الضغط والتجويع القائمين سيؤديان إلى انهيار شعبية وسيطرة «حماس» لأن الضغط الشعبي سوف يتزايد ويصل إلى نقطة اللاعودة، وعندها، أي عند نقطة الانهيار، تتم «إعادة السيطرة». يترافق هذا التفكير مع الرفض المتكرر لاستعداد حركة «حماس» لحوار غير مشروط، وهكذا يلتقي الضغط الخارجي مع الضغط الداخلي ويؤديان المهمة التي فشلت «فتح» في تحقيقها عبر الانتخابات أو عبر القوة.

هذا التفكير ساذج وغير عملي، فضلا عن كونه غير وطني ولا يضع الاعتبارات الوطنية العليا في المقدمة. «حماس» أقدمت على خطيئة كبرى عبر الحسم العسكري، وهي اقترفت خطأ كبيراً لمعالجة أخطاء أصغر منه، فتورطت في مأزق لم تحسب حسابه بشكل دقيق. وفضلاً عن جريمة إراقة الدم الفلسطيني فهي لم تتعلم من مأزق السيطرة على الحكومة الذي وجدت نفسها فيه إثر فوزها رغما عنها في الانتخابات التشريعية.

الدرس البسيط كان يقول إن التورط في وضع ما حيث «حماس» غير مستعدة له، والمناخ العام غير مستعد لقبوله، ينتهي بكوارث ليس على «حماس» فحسب بل على الشعب الفلسطيني أيضا. «حماس» لا تعمل في الفراغ، وهناك ألف طرف آخر منخرط في الصراع. لكن كل ذلك اللوم المتبادل والتراشق بتحميل هذا الطرف أو ذاك المسؤولية يجب أن يوضع على الرف الآن أمام أولويتي إعادة التوحيد السياسي للضفة وغزة وفك حصار التجويع عن الناس في القطاع. ومسؤولية رام الله في هذا الصدد هي المسؤولية الأكبر، وفي مقدورها المبادرة بالعمل على الأولويتين معاً.

وعلى نمط التفكير السائد حالياً في رام الله الذي يعاني من شلل إعاقة حقيقية إزاء مسألة غزة أن يتغير جذريا وسريعا. ففكرة الإطاحة بـ «حماس» عبر تحالف الضغط من فوق والضغط من تحت تطيح أيضا بالمنخرطين في الضغط ذاته. أي أنه من السذاجة بمكان الافتراض أن انخفاض شعبية «حماس» وملل الناس من سياساتها وتصرفاتها يقودان إلى ازدياد في شعبية «فتح». فـ «فتح» لم تنجح، ومنذ أن فشلت في الانتخابات، في صوغ موقف وطني من حكومة «حماس» من على مربع المعارضة. كان من حقها أن تعارض، فذلك ما هو متوقع منها، وهو ما كانت تقوم به «حماس» ضد حكومات «فتح»، لكن ما لم تستطع «فتح» القيام به هو تمييز موقفها المعارض عن مواقف كل الأطراف الأخرى الرافضة لـ «حماس» والداعية إلى إسقاط حكومتها، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة. والآن يتكرر ذات الموقف إزاء سيطرة «حماس» على غزة. لم تستطع «فتح» ولا السلطة في رام الله أن تخلقا موقفا إبداعيا يمسك العصا من النصف، يعارض حسم «حماس» العسكري، لكنه لا يتناغم مع موقف إسرائيل والولايات المتحدة، ويخلق صدقية كبيرة في الشارع الفلسطيني إزاء الموقف الرسمي في رام الله. إذ كيف يمكن لهذا الشارع أن يفهم ويستوعب ويهضم فتح باب الرئاسة الفلسطيني لأولمرت ومصافحته يمينا وشمالاً والحوار معه رغم كل صلفه وصلف وزيرة خارجيته، ولكن في الوقت نفسه رفض أي مبادرة للحوار مع «حماس» وحل إشكالية الانقسام الداخلي، وعدم اعتبار فك الحصار عن غزة أولوية الأولويات؟
"الحياة"

التعليقات