31/10/2010 - 11:02

ماذا بعد فشل الرهان على واشنطن؟../ أحمد الحيلة*

ماذا بعد فشل الرهان على واشنطن؟../ أحمد الحيلة*
"نريد من الأمريكيين أن يقفوا مع الشرعية الدولية، وأن يتمتعوا بحد أدنى من الحيادية..، إننا نتفاوض مع الإسرائيليين، ولكننا لا نريد أن نبيع أوهاماً ونقول أنه قد تم حل الأمور، أو أنها ستنتهي قريباً..، فكافة الملفات لا تزال مفتوحة، ولا نريد أن نؤجل أياً منها، وإلى الآن لم يغلق أي ملف واحد بعد".
بهذه الكلمات لخص الرئيس عباس (شرم الشيخ 18/5) فشل مسار المفاوضات مع الاحتلال. متهماً واشنطن بالانحياز لإسرائيل من خلال مطالبتها بالحياد ولو بالحد الأدنى، لا سيما بعد خطاب بوش في الكنيست الصهيوني في القدس، في الذكرى الستين لقيام الكيان الإسرائيلي، والذي جاء عاطفاً على إسرائيل، ومتجاهلاً للفلسطينيين ومأساتهم.

هذه النتيجة التي تحاشى البعض قولها ـ ممن راهنوا على واشنطن وعلى "إنسانية" الاحتلال وكرمه اتجاه الفلسطينيين ـ ، جاءت اليوم منطوقة وبوضوح على لسان الرئيس الفلسطيني، بعدما خاب أمله في وعد، ورؤية الرئيس بوش في إقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام 2008

هذا الواقع الجديد والقديم أيضاً، يدفعنا للسؤال: ماذا بعد فشل الرهان على واشنطن، وما هي الخطوة القادمة، وما هو البديل المطلوب للحفاظ على زخم القضية وحضورها الإقليمي والدولي؟
لعل الرئيس عباس استبق السؤال، بتهديده بالاستقالة ـ في حديثه إلى النائب الإسرائيلي يوسي بيلين، في شرم الشيخ ـ إذا لم تسفر المفاوضات إلى نتيجة قبل نهاية العام، وذلك للضغط على الصهاينة وعلى الإدارة الأمريكية التي ترى في السيد عباس وجهاً مقبولاً "للاعتدال" الفلسطيني المطلوب في هذه المرحلة.

وفي ظننا أن هذا الخيار أي التهديد بالاستقالة، مع التمسك بمسار المفاوضات الحالي، لن يجدي نفعاً، ولن يدفع الصهاينة أو الأمريكان إلى تغيير موقفهم الراهن، لأسباب أضحت معروفة ومفادها: أن أولمرت وبوش هما شخصين ضعيفين، ولديهما من المحاذير الداخلية ـ والتي لا يتسع المقام لذكرها ـ ما يمنعهما من "التنازل" أو تغيير الموقف. هذا ناهيك عن أنهما مرتاحين لمسيرة المفاوضات التي يوظفانها في أجندتهما الداخلية؛ فالرئيس بوش يوظف الحراك السياسي في دعم الحزب الجمهوري وفي تبييض صفحته السوداء في السياسة الخارجية المتعثرة في العراق، وفي الشرق الأوسط عموماً. أما أولمرت فهو يوظف المفاوضات في الحفاظ على ائتلافه الحكومي مع حزب العمل الداعم للمفاوضات، كما أنه يوظفها في كسب الوقت لفرض المزيد من الوقائع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس.

ومن جانب آخر، يعلم الرئيس عباس، أن البديل "المعتدل" أو "الأكثر اعتدالاً" منه، موجود، ويُمهّد له الطريق محلياً، ودولياً، ممثلاً في ظاهرة السيد "سلام فياض" رئيس الوزراء الفلسطيني الذي يضطلع بمهام سياسية تتجاوز حدود تمثيله السياسي، لدرجة أن الرئيس عباس، وفي أكثر من محطة تمسك به في منصبه إرضاءً لواشنطن وللدول المانحة، رغم الاختلاف الكبير الناشئ بين فياض وقيادات حركة فتح، التي ترى فيه تهديداً مباشراً لها، ولحضور حركة فتح السياسي في الضفة الغربية، من خلال استبعاده للعديد من الشخصيات الفتحاوية من مناصب رفيعة، وتقديم بدائل مقربة وموالية له شخصياً، إضافة إلى علو شأن الرجل داخلياً ودولياً بما يحظى من رضاً ودعم أمريكي مادي وأمني مباشر، وعلى عين الاحتلال الإسرائيلي المسيطر فعلياً على الضفة الغربية.

ما نريد قوله، أن المراهنة من جديد على واشنطن، أصبح كالرهان على سحابة صيف؛ فالإدارة الأمريكية الحالية تلفظ أنفاسها. كما أن التمسك بخيار التسوية والمفاوضات ولا شيء غير المفاوضات، لم يعد يجد بعد الفشل، وأن حسن النية في احتلال غاشم متغطرس، سياسة لم يعد لها ثمن. وأي اتفاق متوقع ـ هذا إن بقي أمل ـ لم ولن يعدو مجرد ورقة للاستهلاك السياسي الداخلي هنا أو هناك بعيداً عن الحقوق الفلسطينية. وعليه فالمرحلة تدعو المفاوض الفلسطيني إلى إعادة تقييم المسار، وتحديد الخلل، ومن ثم النهوض بعيداً عن الانكفاء، أو الاستقالة من العمل الوطني..

واجتهاداً في تصويب المسار، واستعادة الاتجاه الصحيح لبوصلة العمل الوطني الفلسطيني، فإننا نورد بعض الملاحظات المساعدة في هذا الاتجاه، كما يلي:

• ما آلت إليه مسيرة التسوية السياسية من فشل، يدعو الرئيس عباس إلى إعلان موقف ومصارحة، تكشف حقيقة الموقف الإسرائيلي من قضايا الحل النهائي، وبالتالي تحميله مسؤولية الفشل الراهن بخطوة استباقية، حتى لا يبقى العالم وأصدقاء القضية الفلسطينية مخدوعين، وواقعين في وهم جدوى المفاوضات الحالية مع الطرف الإسرائيلي، الذي يروج لإيجابية المفاوضات، بهدف كسب الوقت لمزيد من الاستيطان، وبهدف تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل في حال رفضوا أي صيغة إسرائيلية للحل، وذلك كما حدث مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، عندما أشاع الصهاينة انطباعاً دولياً بأن ياسر عرفات هو سبب الفشل لرفضه مقترحات باراك "السخية".

• العودة بحسن نية، وصدق مع النفس، إلى وحدة الصف الداخلي، لا سيما المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، كمقدمة ضرورية لاستعادة زخم القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً، وكخطوة هامة لإعادة بناء البيت الفلسطيني، وتفعيل م.ت.ف، فاستمرار الانقسام لم يخدم أحداً، لأنه علامة ضعف للضفة وغزة، وعامل ازدراء من المجتمع الإقليمي والدولي لواقع القضية الفلسطينية.


• اعتماد سياسة الخيارات المفتوحة، لأن سياسة الخيار الأوحد المتمثل في المفاوضات والمزيد من المفاوضات تحت ضربات الاحتلال، مسألة عدمية، وعبثية، كما أثبت الواقع. فالمطلوب استعادة سياسة البدائل، ومنها خيار الكفاح المسلح أو المقاومة كورقة ضاغطة من أجل دبلوماسية واقعية ومجدية.

• الواقية لا تعني الاستسلام، فالسياسة الدولية والإقليمية واقع متغير بالضرورة، ناهيك عن أنها سياسة مصالح متحركة، وبالتالي فإن ظاهرة الرئيس بوش ليست ظاهرة دائمة أبدية، وليست ظاهرة تعلو التاريخ والجغرافيا. أي أن سياسة المراهنة على واشنطن المنحازة للاحتلال مسألة تتطلب إعادة نظر، باتجاه الانحياز إلى خيارات الشعب الفلسطيني. ويكفي "المعتدلين" العرب ما أصابهم من خيبة أمل، وانكشاف مزري وفاضح أمام شعوبهم الكارهة لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط.

في الذكرى الستين للنكبة، ومع استمرار الوجع الفلسطيني، على الجميع أن يقف أمام مرآة المحاسبة، للإجابة عن سبب استمرار هذه المعاناة، وعن سبب تراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات السياسة الإقليمية والدولية.

التعليقات