31/10/2010 - 11:02

ماذا ينتظر أطراف "التيار الديمقراطي البديل "؟! اعتراف الريماوي

ماذا ينتظر أطراف
تتزاحم الأحداث والوقائع في الحياة الفلسطينية باستمرار، فتستجد قضايا، وتتواصل أخرى وتتشابك بين الآني والقادم، صانعة نسيج معقد ومركب، يتطلب التفاعل، تأثيراً وتأثراً من خلاله، بحيث يصير الواقع نقطة في دالة تمتد بأكثر من اتجاه، وتتجلى كذلك في نتائج متابينة ومختلفة، بين اللحظي والمستقبلي، تبعا لطبيعة التفاعل وعناصره ومكان فعله. فالهم الوطني العام يخيم بظلاله على كافة جوانب الحياة الفلسطينية، كهم يبحث التحرير والتحرر مرتبطاً مع باقي جوانب الحياة الأخرى، ويأتي بهذه الأيام "إعادة الانتشار في غزة "، ليشكل لحظة تستوقف وتتواصل في الهم ذاته تبعا لنتائجها وطرائق إدارتها وتوظيفها سواء من قبل الإحتلال أو الشعب الفلسطيني. طبعا هناك الهموم الأخرى الاقتصادية، الاجتماعية والديمقراطية وغيرها التي تفرض ثقلها وإستحقاقاتها على مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني.

ضمن هذا الحديث، لا بد من طرق باب يرتبط بموضوع النقاش والجدل الدائر حول ضرورات تشكيل ما بات يعرف مؤخراً "التيار الديمقراطي، أو البديل الديمقراطي، أو الخيار الثالث"، على الساحة الفلسطينية، فمع اقتراب الانتخابات التشريعية الفلسطينية، المقررة في كانون الثاني من العام القادم، يحتدم النقاش، وتبرز الإختلافات والتوافقات، فيما بين الفصائل والقوى المعنية ( اليسارية، العلمانية والديمقراطية) في هذا التشكيل، علما أن الحديث حول هذا التشكيل تم تناوله بعيد إتفاق أوسلو بقليل، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن يشهد الحوار مداً وجزراً على مدار السنوات تلك، وقد سمعنا مرات كثيرة عن بعض التشكيلات الآنية وغيرها تحت عنوان "البديل الديمقراطي"، إلا أن الجهود حقيقة بقيت مشتتة ومجزوءة من حيث لم شمل كل المعنيين من القوى والفعاليات، ولم تثمر في تحقيقه كجسم وبرنامج قادر على شق طريقه في الحياة الفلسطينية. برأيي هنالك نقاط محددة لا بد من حسمها لدى كل من الأطراف المتحاورة حول هذا التشكيل، لتخرج جميعها متفقة على مسار بسمات عامة مميزة للتيار نفسه، بما يؤهله لأخذ دوره الحقيقي.

فلا بد من كل طرف محاور في البحث عن هذا التشكيل، أن يحسم موقفه أولاً، فيما يتعلق بالخط السياسي الذي يعبر عنه وينسجم مع روح وتميز "التيار الثالث"، بما يخدم المصلحة الوطنية راهنا وعلى المدى المنظور، فالوضع الراهن فلسطينياً، يتطلب تجاوز التراث المأساوي لإتفاق أوسلو وغيره نصاً وروحاً، والتي أدخلت القضية الوطنية في أنفاق الحلول الجزئية، وبمداخل أمنية لا أكثر، التي لا توفر حلا حقيقيا للقضية، بل تعطي الاحتلال فرصته في ترويج ذاته للعالم وفرض وقائعه على الأرض. فأشكال التسوية المطروحة "بما فيها خارطة الطريق"، والرعاية الأمريكية لهذه التسوية، لا بد من أن يقف "التيار الديمقراطي" منها موقفاً رافضاً غير مساوم في ذلك، لتجاوزها كإطار وكمضمون، من خلال طرح ضرورة نقل ملف القضية الفلسطينية برمته إلى الأمم المتحدة ووفق مقرراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، التي تكفل تحقيق الثوابت الفلسطينية دون نقص أو مساومة.

كما أن موضوع المقاومة بأشكالها المختلفة ضد الإحتلال الصهيوني بكافة تجلياته، لا بد أن تكون واضحة في قاموس " التيار الديمقراطي"، فأي طرف من المحاورين في هذا التشكيل، لا يجوز له أن ينسى متطلبات معركة التحرر الوطني، فمقاومة الاحتلال بمختلف الأشكال هي حق طبيعي أيضا، وهنا يحدث التكامل ما بين تقديم الطرح السياسي أعلاه، وممارسة المقاومة على الأرض. لكن لتحقيق هذا الفهم، وليصبح ممارسة ممكنة تتفق عليها هذه الأطراف، يقع على عاتق كل منها، الإقرار بضرورة المقاومة بمختلف الأشكال كإستراتيجية عامة وناظمة، يكون بموجبه صياغة التكتيكات وإختيار الأشكال النضالية الأنسب وفق الظروف ومتطلباتها.
حتى يعبر هذا التيار عن بديل حقيقي، لا بد أن يتحلى بالقدرة الخلاقة، في طرح الوضع الإقتصادي وتقديم الحلول الأنسب في توفير فرص العمل وحسن توزيع الثروة، واحتضان الفئات الشعبية والفقيرة من العمال والفلاحين، وهذا بدوره يتطلب وضع رؤية تنموية شاملة، تصنع حالة قطع مع الوضع السائد، من حيث المنهج والتخطيط والتنفيذ والإستهداف التنموي الاقتصادي، بما تفرضه الاحتياجات الحقيقية للمواطن والمجتمع، وليس بما تراه الجهات الممولة، التي بمعظمها تتعامل مع الحالة التنموية الفلسطينية، موضوعا يشبه الحالة الطارئة أو الاستهلاكية، بعيدة كل البعد عن نمط تنموي إنتاجي شامل.

وبذات الوقت، مطلوب من "التيار الديمقراطي"، تقديم صورة أوضح للتعايش الفلسطيني الداخلي، بضرورة صيانة حق الإختلاف والتعدد والتعبير السياسي والفكري كعلاقة ناظمة بين مكونات المجتمع، بما يضمن حق ممارسة الحريات وحق الإختيار وتكافؤ الفرص في مختلف المجالات وبين الجنسين. بحيث يُعزز هذا الطرح من خلال الوقوف الفعلي إلى جانب هذه القيم وحملها بجدية، والنضال من أجلها جماهيريا، قانونيا ومؤسساتيا، بغية ترسيمها وترسيخها في المجتمع، فالفترة الأخيرة من الأشهر السابقة، حملت في ثناياها خطرا من أشكال التعصب الذاتي ونفي الآخر المختلف، على أكثر من صعيد سواء السياسي أو المجتمعي الفكري، فترسيخ الحياة الداخلية الديمقراطية، يتطلب هذا البديل فعلا كي يحملها برنامجا وممارسة، جنبا إلى جنب في النضال المجتمعي من اجل سيادة القانون، ومحاربة الفساد والمحسوبية، وتطبيق مبادئ المحاسبة والشفافية في المؤسسات كافة. ..إلخ.
ربما هذه هي القضايا العامة التي تتطلب حسما ما بين أطراف "التيار الديمقراطي" وبين كل طرف وذاته، باعتبار هذه النقاط (على الأقل) أساساً يمكن الانطلاق منه، وبدون حسمها قد لا يصير اتفاقاً، وتبقى الأطراف مفردة، وكسورا غير مؤثرة في ظل الإستقطاب الحاد ما بين تيار السلطة الحالي وتيار الإسلام السياسي، ولا فرصة لهذه الأطراف مفردة إلا ترديد ما يطرحه أحد القطبين، وعيش حالة رد الفعل لا الفعل نفسه متناقصا فعلها وأثرها باطراد.

ولكن كون الفترة الحالية تفصلنا بما لا يزيد عن خمسة أشهر من موعد الإنتخابات التشريعية "إذا ثبت هذا الموعد" وهذا قد يعني لي تخوفا، أن جزءاً من الحوار يرتبط مباشرة في الحديث عن القوائم الانتخابية، وبالتالي يتم تناول مواضيع الحصص الحزبية والأرقام، برأيي أنه لا بد من تجاوز هذا الامر بحساسيته الحزبية والفئوية، لأن طغيان هذا الباب على الحوار، سيجعل من الحديث عن "البديل" ليس بأكثر من شكل فاقد للمضمون الذي يجب أن يكون محركه الأساسي، والمتمثل بالبرنامج والجسم وآليات الفعل والتعبير. تخوفي أن هذا قد يحصل، ليس لمجرد إحساس، بل بحكم التخبط الذي نراه ونسمعه، وحالة التلكؤ والتردد البادية على أطرافه، والتأخر كثيرا في تشكيله ( وقد لا يتم ) مع إقتراب موعد الإنتخابات الذي يتطلب العمل لا الحوار فقط. وإذا كان هناك غير ذلك، فلماذا لا / لم يتم تشكيل هذا التيار حتى الآن؟! وخاصة أنه لم يعلن صراحة حتى اللحظة على لسان أي من الأطراف المتحاورين، أن العائق اختلاف سياسي مثلا "رغم توقعه".

التعليقات