31/10/2010 - 11:02

متطلبات نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي../ أحمد الحيلة*

متطلبات نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي../ أحمد الحيلة*
دعا الرئيس عباس في خطابه بمناسبة انطلاق حركة فتح، حركة حماس إلى "فتح صفحة جديدة في العلاقات الداخلية" وإلى "دراسة خيار الانتخابات المبكرة.."

وفي العقبة (2/1) جدد عباس دعوته لحركة حماس عندما نقل الديوان الملكي الأردني في بيان عن عباس قوله عقب لقائه عبد الله الثاني: "نحن وجهنا دعوة صادقة من القلب إلى حماس مفادها أن هذا الوضع (الانقسام) يجب أن ينتهي، وقلت لهم إن العمل الذي قمتم به يجب أن تتراجعوا عنه، وبالتالي كل الأمور ستكون ممهدة لعودة المياه إلى مجاريها" وأضاف: "لم نقدم أي اشتراطات لاستئناف الحوار، ولكن قلنا بضرورة أن تنتهي العملية الانقلابية كي يعود كل شيء إلى ما كان عليه ونبدأ الحوار بيننا وبينهم.."

يلاحظ في دعوة الرئيس عباس رغبته في الحوار والمصالحة الداخلية، بعدما خلا خطابه من الشروط التي دأب على التمسك بها كمدخل لازم لأي حوار مزمع مع حركة حماس، كاشتراطه سابقاً تقديم حركة حماس اعتذاراً عما حدث، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والتزام حماس بالاتفاقيات السياسية الموقعة بين م.ت.ف وإسرائيل..

وبالنظر في دوافع هذا التقدم في موقف الرئيس عباس نحو الحوار الفلسطيني الداخلي، يمكن القول:

• أولاً: أن مأزق عملية التسوية السياسية، وانسداد أفق المفاوضات هو السبب الرئيس وراء هذا الموقف الرئاسي، وذلك بعدما فشلت المراهنة على مؤتمر أنابوليس الذي كان يؤمل أن يشكل نقطة انطلاق حقيقية للمفاوضات التي شهدت تعثراً وما زالت، بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي على الاستمرار في بناء الاستيطان في القدس..، وبسبب استمرار المعاناة اليومية للفلسطينيين وخاصة في الضفة الغربية التي تسيطر عليها الرئاسة وحركة فتح؛ فالمعتقلون من أبناء الضفة الغربية، الذين يشكلون أغلبية في سجون الاحتلال، ما زالوا قيد الأسر، كما أن الحواجز التي تتجاوز الـ 600 حاجز لم تخفف، ولم يرفع منها شيء، إضافة إلى تزايد حجم التوغلات الإسرائيلية العسكرية في نابلس وغيرها من المدن بالرغم من حرص حكومة فياض على تقديم نموذج مفرط في ملاحقة واعتقال عناصر المقاومة الفلسطينية، ومصادرة أسلحتهم، وإغلاق عشرات الجمعيات الخيرية التي تشكل الذراع الاجتماعي لحركة حماس في معونة المعوزين والفقراء والمنكوبين جراء الانتهاكات الإسرائيلية، هذا ناهيك عن إصدار "مرسوم" غسيل الأموال الذي يقصد به ملاحقة التحويلات المالية لحركات المقاومة التي تعد ميليشيا خارجة عن القانون في نظر حكومة السيد فياض..، الأمر الذي أوقع الرئاسة الفلسطينية في مأزق أمام الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية التي كان يؤمل أن تشهد انفراجاً اجتماعياً وسياسياً مقارنة بغزة الواقعة تحت الحصار، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، حيث بقيت السياسات والإجراءات الإسرائيلية على حالها دون أي تقدير لوجود الشريك السياسي المعتدل في رام الله.

• ثانياً: إن استمرار الاحتلال في قصف غزة واستهداف المقاومين والمدنيين هناك، في ظل أقسى حصار شهدته الأراضي الفلسطينية، أصبح يشكل حرجاً إضافياً للرئيس عباس، عندما شاع الانطباع بأن عباس وحكومته في رام الله لا يكترثون بما يجري من انتهاكات مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، طالما عجلة المفاوضات تدور ولو في الهواء..، في وقت استطاعت فيه حركة حماس إدارة القطاع والحيلولة دون وصوله إلى حافة الانهيار تحت الحصار، الأمر الذي أظهر مظلومية الحركة، وأدى إلى مزيد من التأييد لها في الوسط الفلسطيني والعربي..، وهذا ما عكسه حجم الجماهير المشاركة في احتفالات الذكرى العشرين لانطلاقة حركة حماس في غزة ودمشق..

• ثالثاً: وضع المفاوضات المتعثر، وصبر الشعب الفلسطيني، وتمسك حركة حماس بموقفها السياسي الرافض لشروط الرباعية لما يزيد على الستة أشهر من الحصار المفروض على غزة، دفع العديد من الدول العربية إلى إعادة تقييم المشهد والوصول إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن للقضية الفلسطينية أو حتى للمفاوضات أن تتقدم إلا بوحدة الشعب الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية تراجعت كثيراً على وقع الانقسام الوطني الداخلي الذي سعت إسرائيل إلى ديمومته إلى الحد الذي انعكس مؤخراً في توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل على خلفية الحصار وأمن الحدود متجسداً في أزمة الحجاج "وتهريب" الأسلحة إلى غزة، الأمر الذي دفع وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة (6/1) إلى حث الأطراف الفلسطينية إلى الحوار استناداً لما تم الاتفاق عليه في مكة..، عاكسين بذلك حرص الجامعة العربية على الوقوف بأبعاد متساوية نسبياً من طرفي المعادلة الفلسطينية (فتح وحماس)، وحرصها على إعادتهما إلى النقطة أو المربع الأخير من الاتفاق السياسي الذي جرى برعاية سعودية..

ما ذكرناه آنفاً يشكل قراءة إيجابية ومتفائلة نحو إمكانية الشروع في حوار فلسطيني ـ فلسطيني لمحاولة إنهاء الأزمة الوطنية الداخلية، لأن هناك تفسيرات أخرى لا تخلو من النظرة السلبية لدعوة عباس لحركة حماس في فتح صفحة جديدة من العلاقة..؛ بكونها مجرد مناورة سياسية يراد منها توظيف فرضية التقارب مع حماس للضغط على إسرائيل من أجل دفعها لوقف الاستيطان وفقاً لخارطة الطريق، في وقت تترقب فيه المنطقة زيارة الرئيس بوش الراعي للمفاوضات الثنائية بين رام الله وتل أبيب.

ولكننا بحسن ظننا في الأشقاء، وفي حرص الجميع على القضية والمصلحة العامة نأمل أن يغلب التفاؤل، ويلتم الشمل الوطني برعاية عربية.

وفي هذا الصدد فإننا نرى واستكمالاً لجانب التفاؤل أن نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي يتطلب توافر مجموعة من الشروط أو الإجراءات التي لا بد منها عند الحديث عن الحوار بين حركتي فتح وحماس، من أجل تهيئة الأجواء الصحية لجسر العلاقة، وصولاً إلى الوحدة الوطنية، ومن هذه المتطلبات أو الشروط ما يلي:

1. وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الحركتين بالكامل، واستبدالها بخطاب وطني وحدوي جامع.
2. وقف جميع الإجراءات السياسية أو القانونية التي تطال أفراد أو مؤسسات أي من الحركتين أو الحركات الفلسطينية الأخرى، تمهيداً لعودة الأطراف للاحتكام إلى القانون الأساسي قبل أحداث غزة في حزيران 2007
3. وقف عمليات الاعتقال السياسي في كل من الضفة وغزة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
4. إقبال حركتي فتح وحماس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة، لأنه ثبت خلال الأشهر الماضية أن تلك الشروط لم ولن تفضي إلى حوار أصلاً، ناهيك عن أن كل حركة ترى الحق إلى جانبها.
5. إخضاع جميع المسائل الخلافية للنقاش بين الحركتين، تمهيداً لحوار وطني شامل يحضره جميع الفصائل الفلسطينية.
6. اعتماد الوثائق والاتفاقيات السياسية المبرمة بين حركتي فتح وحماس والفصائل الأخرى ـ اتفاق القاهرة، وثيقة الوفاق الوطني، واتفاق مكة ـ كإطار أو مرجعية أو قاعدة لانطلاق الحوار، فمن أسباب النجاح البدء من حيث اتفقنا..
7. أن يجري الحوار برعاية عربية أو إسلامية ضامنة لالتزام الأطراف بما يتم الاتفاق عليه.
8. أن يجري الحوار بعيداً عن التدخلات الأجنبية الخارجية، لأنها كفيلة بأن تقلب الطاولة، فالاحتلال يترعرع على الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، ومن المتوقع أن يمارس الرئيس بوش القادم إلى المنطقة ضغوطاً على الرئيس عباس لدفعه إلى اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية ضد المقاومة بذريعة الالتزام بخارطة الطريق، وبهدف ديمومة الانقسام والابتزاز السياسي عبر وهم الوعود الاقتصادية، ومساعدة أولمرت ـ الشريك في المفاوضات ـ أمام منافسيه، كحاجة ماسة لاستمرار عملية التسوية.

وفي تقديرنا أنه يجب التوقف عن تجريب المجرب، والتوقف عن المراهنة على ما قد فشل مرة ومرة، والعودة من جديد إلى وحدة الشعب ووحدة القضية الحصن الأخير للفلسطينيين والتي بدونها سننقسم إلى جماعات وأحزاب متناحرة.

التعليقات