31/10/2010 - 11:02

محطات على مفارق الـ 2007../ سعيد نفاع

محطات على مفارق الـ 2007../ سعيد نفاع
الانطلاقة:
انطلقت بنا ال-2007 أو انطلقنا بها نجتاز المسافة تلو المسافة لنقف عند المحطات في المفارق أو لتوقف حافلاتنا دون إرادة منّا، وكون كل محطاتنا مفارق فنجد أنفسنا حيارى أي التفرعات نسلك وكلها وعرة بحكم المتربص بنا في حناياها. ولكنا عبرناها دائما وإن طال المتربص منا جرحا أو مقتلا أحيانا، وما زلنا نعبرها. صحيح في بعض الأحايين بعد توقف وتلبك كبيرين، ولم تكن سبل ال-2007 قليلة المفارق وسهلتها، بل لم تكن كل سنيّ عبورنا كذلك.

المحطة الأولى:
لم تكد تفيق سنة 2007 من سبات الشتاء حتى حطّت بنا حافلتنا على مفرق لم نتوقعه، اتخذ اسما دون سابق تخطيط أو إنذار رُفع على لافتة فوق محطته كتب عليها وبالأحرف البارزة "محطة الدكتور عزمي بشارة"، وتحت العنوان كتب كاتب مجهول شرحا مطولا للمسمى.

لا شك عندنا أن ساسة الأقلية العربية في البلاد لا يعانون من عقدة طلاب اليوم في فهم المقروء، لذلك فالكل قرأ بداية: أن المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" أحاكت حبلا محكم الالتفاف لتلفه على عنق المشروع الذي حمله الدكتور عزمي بشارة عبر عنقه. ولأن البعض راح يحور المقروء عن سبق ترصد وظنا باستفادة.

ذكّرناهم بأن "الشاباك" ضالعا في الحياكة ولكم من تاريخه، حياكة الملفات ضد الضابط الشركسي عزت نابسو إبان حرب لبنان الأولى في لغة القاموس الإسرائيلي، ليقضي ثمان سنوات في السجن بالتمام والكمال قبل أن يتبين و"بعناية إلهية" أن القضية أحاكها "الشاباك" ضده. وهكذا كان مصير الجنرال يتحساك مردخاي فيما عرف في القاموس الإسرائيلي قضية اختطاف الباص 300 (قتل الفدائيين الفلسطينيين الأسيرين بتهشيم رأسيهما بالحجارة) وألصق "الشاباك" التهمة بالجنرال ليبعدها عن أحد ضباطه الذي صار بقدرة قادر عضو كنيست لاحقا، لم يخلص الجنرال منها إلا بالكاد. وعزمي بشارة لا نقيب في الجيش الإسرائيلي ولا جنرال.

وظل "الشاباك " الإسرائيلي ينعق، وينعق وراءه أولاء، حتى بعد أن عقدت الصفقة مع "الصراف" المقدسي لينال وبقدرة قادر جزاء 6 إلى 8 أشهر في أعمال لصالح الجمهور! على جريمة حكمها في القانون الإسرائيلي 10 سنوات !!! وما زالت الغربان تحوم وتنعق سالة مخالبها ظانة أن جملا برك تنتظر نصيبها منه.


المحطة الثانية:
ترنح جملنا ترنحا ليس بالسهل البتة، لكنه ما فتئ أن انتفض واقفا أقوى من جِمال خالد بن الوليد التي عبرت الصحراء بين القادسية واليرموك، وراح يعبر المفرق تلو المفرق دون حتى التوقف في محطاتها، فذهلت الغربان وظلت تحوم بعيدا عند المفرق الأول، لكنها ما زالت تعتقد أن الجمل نهض مكابرا وقضية سقوطه آتية لا محال. فيا أصحاب الجمل ما من شك أن جراح الجمل ليست هينة، وفي يدنا شفاؤها وفي يدنا تقيّحها، وما علينا إلا أن نبقي الغربان تحوم بعيدا غير مبالين بنعيقها أولا وأن نداوي جراح جملنا حتى لو كان وليد الصحراء العربية واعتقدنا أن جراحه محصنة ضد التقيّح.

المحطة الثالثة:
لأننا لا نستطيع أن نحب إبن غزة أكثر من إبن رام الله، ولأن ابن رام الله ليس بريئا كحمام مكة ولا ابن غزة كذلك فيما حدث من شرخ في المشروع الوطني الفلسطيني، ولأنه لا ابن غزة إيرانيا ولا ابن رام الله أميركيا ومن الصعب التصديق أن يكونا أبناء لمشروع أميركي أو مشروع إيراني كذلك، لأن كليهما أبناء للمشروع الوطني الفلسطيني حتى لو كان العقوق واردا عند البعض لكن هذا البعض يظل قلة بين البررة، لكل ذلك لا نستطيع وبحكم موقعنا في المشروع الوطني الفلسطيني أن نتحيز بين ابن رام الله وابن غزة .

هكذا، ولا شك من هذه المنطلقات وما تحويه من موضوعية رغم "رومانسيتها"، خرجنا من مؤتمرنا الأخير بموقف بعدم التحيّز، هذا الموقف ما زال صحيحا بل يزداد صحة مع الأيام وعلى ضوء التطورات في الساحة الغزيّة والساحة الرامالليّة، فتيار قومي ديمووقراطي لا يستطيع أن يتصرف على غير هذا المنوال.

وإذا تصرفنا بغير ذلك فنحن نلتقي من حيث ندري أو لا ندري، إمّا مع "اليمين الوطني" اصطلاح من أيام عبد الناصر أثبتت التجربة خطأه، ومتمثل اليوم في قوى على ساحتنا الداخلية تتخذ التحيّز طريقا بتصنيفها طرفي الجرح الفلسطيني بالعقلاني والظلامي، وإما مع الأصولي السلفي المتخذ التحيز طريقا مصنفا طرفي الجرح الفلسطيني بالكافر أو المتعامل مع الكفار والمؤمن المخلص لله وللقضية حتى لو استبدل اللباس "العربي والإسلامي" بالأفغاني الطالباني.

في طرفي الجرح الفلسطيني وطنيون ديموقراطيون، علمانيون ومتدينون، مع هؤلاء نحن، وقبلهم نحن مع لقمة أبناء شعبنا المغموسة عزة وكرامة ومن "عكّوب" دلاثة و"زعتر" أم الزينات.

المحطة الرابعة:
اليهود شعب الله المختار لا يقبلون أن يتطاول الناس على مشروع هم المخصّصون به، فالتواصل بين أشلائهم وبناء "أمتهم" هو حق إلهي لا يستأهله شعب أو أمة أخرى، لذلك فالتواصل بين أبناء الأمة القائمة العربية ليست المعمول على تشكيلها اليهودية هو امتياز لهم من عند الله، وأي تواصل بين أبناء الأمم الأخرى هو تعد على حق خصّهم به الله !

جاء المكتب البرلماني للنائب عزمي بشارة حينها ليطلق هذا المشروع ليشمل كافة شرائح الأقلية الفلسطينية في الداخل، فجن جنون ماسكي دفة قارب "المخصّصين" وزاد جنونهم بعد أن استمر هذا المشروع حتى بعد أن أغلق باب المكتب البرلماني. بل أكثر من ذلك أخذ زخما توّجه وكجزء منه وفد المشايخ العرب الدروز أوائل أيلول ال-2007 إلى سورية، وعند عودته حطّ في المحطة الخامسة، فكشّر "الشاباك" عن أنيابه وبدأ يعضّ خابطا خبط عشواء محاولا ممارسة هوايته في الحياكة ضد أعضاء الوفد ومرافقيهم وحتى أناس لا علاقة لهم بالوفد.

كل ذلك فقط لأن هنالك من تجرأ أن يمارس إنسانيته مدعوما برافعي لواء الحقوق الإنسانية، وفقط لأن ومن منطلق أن الإنسانية تكون كذلك فقط إذا كانت تواصلا بين شتاتهم هم كحق اختارهم الله له!

وحتى لا نبدو عنصريين في قولنا هذا لأننا لا نستطيع أن نكون بحكم قوميتنا الديموقراطية وإنسانيتنا، فنقول هذا حقهم ولكن هذا الحق خصّ الله وشرائعه به كل عبيده ولم يخص هذا دون ذاك، وخصّت به الشرائع الإنسانيّة الكل دون تمييز بين هذا وذاك.

المحطة الخامسة:
يحكى أن: الراب اليهودي بار يوحاي والذي عاش زمن الرومان وكان أحد أعضاء مجلس الحكماء حينها اعترض في جلسة للمجلس، على مديح كاله رئيس المجلس للرومان بأنهم جيّدون فأقاموا الجسور وشقوا الطرقات وبنوا الحمامات، اعترض قائلا: أمّا الطرقات والجسور لتسهيل إخضاعنا وسرقة أرزاقنا وأمّا الحمامات فلزانياتهم.

حكم عليه بالاعدام ففرّ محتميا بأهل البقيعة العرب الكنعانيين، قضى بينهم 13 سنة محمي الجناح، وعندما اشتاق لأهله وانتقل إليهم سلموه خلال 10 أيام فأعدم وابنه.

دارت الأيام وجاء أهل البقيعة أحفاد العرب الكنعانيين، أحفاد تبين لاحقا وسريعا أنهم من أحفاد رئيس مجلس الحكماء فعاثوا في البلدة فسادا، وعند أول فرصة لاحت لهم عندما هبّ أهل البقيعة يحمون حياض بلدهم، استلوا سكاكينهم المسمومة لتضرب ظهور أهل البقيعة عندما كانت صدورهم تصد رجال الوحدات الخاصة من الشرطة التي جاءت لتؤدبهم بعد أن "تطاولوا" على السيّد.

قيل الكثير في أحداث البقيعة ولم يبق لنقول عند الوقوف في هذه المحطة من مفارقنا إلا، أن أهل البقيعة وبالذات الوطنيين منهم، وأهل جوار البقيعة وبالذات الوطنيين منهم، وأهل هذه البلاد الجريحة وبالذات الوطنيين منهم عليهم أن يدركوا أن البقيعة ما زالت على في المحطة على المفرق تفتش عن المسلك وبأيدي كل أولاء توجيهها المسلك الصحيح من مسالك المفرق وإلا شدها وأهلها آخرون إلى المسلك الخطأ وعندها، لات ساعة ندم!

التعليقات