31/10/2010 - 11:02

مرة أخرى عن السنتين../ زكريا محمد

مرة أخرى عن السنتين../ زكريا محمد
يبدو أن صراعنا يتحول إلى لعبة وقت. فهم يريدون كسب الوقت، ونحن في الواقع نجعلهم يكسبون هذه اللعبة. أي أننا نطيل لهم حبل الوقت، نفلته من أيدينا، نضيعه، وهم يكسبونه.

الوقت هو جوهر لعبة السنتين التي نعيشها الآن. أمريكا وإسرائيل والرباعية بحاجة إلى سنتي هدوء، ونحن في ما يبدو نعطيهما بلا ثمن، وبلا ضمانات.

يقولون لنا: ستكون هناك سنتان من المفاوضات، يتم خلالها التوصل إلى حل. لكن السؤال هو: طيب، وإن لم يتم التوصل إلى الحل خلال سنتين، ماذا أنتم فاعلون؟
وليس عندهم إجابة.

هم يحددون لنا الوقت الذي سنحرقه، سنضيعه، لكنهم لا يقولون لنا ما سيفعلون بعد نهايته. يحددون خط النهاية، لكن من دون أن يحددوا لنا ما الذي سيفعلونه حين نصل إلى خط النهاية لاهثين من دون أن تتنازل إسرائيل عن سياسة التوسع والضم.

لكننا نعرف، في الحقيقة، ما الذي سيحدث عند نهاية خط السنتين؛ سيطلبون منا سنة أخرى، أو سنتين أخريين. وإن كانوا في وضع جيد، فسيأمروننا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات من دون تحديد الوقت.

لو أنهم قالوا لنا إنهم في نهاية السنتين سيلزمون إسرائيل بالانسحاب إلى حدود حزيران وإزالة المستوطنات لقلنا: تمام، هذا شيء معقول. لكنهم لا يقولون ذلك، لأنهم يوافقون من حيث المبدأ على الموقف الإسرائيلي القاضي بأن الضفة الغربية أرض متنازع عليها. لذا يحددون خط النهاية، ولا يحددون نتيجة المفاوضات.

هناك بالطبع من سيقف ويقول لنا: ألا ترون أن بيان الرباعية تحدث عن وقف الاستيطان، وأن هذا شيء جيد؟ طبعا، لقد لحظنا ذلك، وهو أمر جيد جدا. لكن علينا أن نلفت نظركم إلى أمور ثلاثة:

الأول: أننا حصلنا على هذا التصريح لأننا أوقفنا المفاوضات، لا لأننا ظللنا عل الطاولة، أي لأننا أزّمنا الوضع ولم نتركه هادئا.

الثاني: أن هذا التصريح مجرّد كلمات بعد. ولا يمكن لنا أن نعيش على الكلمات. فحتى حمار توفيق الحكيم احتج على صاحبه بالقول: أنت تغذيني بالكلمات وتسقيني بالكلمات.

الثالث: أن هناك ما يشير أن إدارة أوباما وافقت على صفقة لا يتم بموجبها وقف الاستيطان في القدس. فهذه الصفقة تقضي بأن يعود إلى السياسة الإسرائيلية التي كانت سائدة قبل سنة، والتي يقال بأنها تقوم على عدم البناء في الأحياء العربية من القدس الشرقية. وهذا يعني أننا نوافق على أن أجزاء من القدس الشرقية يسمح فيها بالبناء الاستيطاني.

عليه، وحتى يكون للكلمات معنى، فيجب أن يتم تشكيل هيئة من الأمم المتحدة لمراقبة وقف الاستيطان في كل الأراضي المحتلة عام 67. ويجب أن يشمل عملها وقف هدم البيوت، ووقف الحفريات الأثرية الإسرائيلية. هذه اللجنة هي الضمان الوحيد لنا للثقة بالكلمات. أي أن علينا ألا نذهب إلى المفاوضات قبل تشكيلها.

غير أنهم يعلمون أن ما يقدمونه لنا هو مجرد كلمات لتهدئة غضبنا. من أجل هذا حددوا لنا بأن علينا الدخول في المفاوضات خلال ثلاثة أسابيع. لقد قصروا وقت الضغط على إسرائيل، وأطالوا فترة السماح. ثلاثة أسابيع مقابل سنتين. وهاتان السنتان متواصلتان. أي لا يقطعهما اجتماع للرباعية كل ستة أشهر مثلا كي يقيّم الوضع التفاوضي، لأنهم يريدون سنتي راحة لا غير.
وقد أعلن لنا الرئيس في تصريح غريب أننا قد اخترنا طريق السلام باعتباره خيارًا استراتيجيًا، وأننا لن نتراجع عنه. ووجه الغرابة أنه لا يوجد في الدنيا شيء اسمه طريق السلام. فالسلام هدف وليس طريقا. وهو هدف مرتبط بالحقوق. ويمكن الوصول إلى هذا الهدف بطرق عدة، وبحسب الظروف. إذ يمكن الوصول إليه بالحرب، أو التهديد بها، بالمفاوضات أو بوقفها وتأزيمها. أي يمكن الوصول إليه بالصراع وأساليبه المختلفة.

السلام ليس طريقاً، وهو ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو هدف مربوط بتحقيق المطالب الوطنية. ولو كان السلام مطلباً وحده لكان علينا ان نوافق على ما يطرحه الإسرائيليون. فهم يعرضون علينا كل يوم صفقة سلام لا نطالب فيها بالحقوق. ومثل هذا السلام هو سلام الموتى، سلام القبور.

لكن ربما قصد الرئيس أننا قد اخترنا طريق المفاوضات، أي طريق اللاعنف والحرب. ويمكن بالطبع للمرء أن يختار طريق المفاوضات، لكن شرط أن يدرك أن المفاوضات ليست سلاماً، وأن يدرك أن المفاوضات، في قضية كقضيتنا، هي حرب من طراز آخر. إنها حرب باردة، حرب لا تستخدم فيها النار، رغم أنها يمكن أن تعمد في لحظات محددة إلى الألعاب النارية.

ومن حيث المبدأ لا يمكن للمرء أن يجعل طريقا من الطرق خيارًا استراتيجيا. يعني لا يمكن جعل المواجهة المسلحة خيارًا استراتيجيا، كما لا يمكن جعل المفاوضات خيارًا استراتيجيا، فكلاهما طريق أو أداة. وحين يقول الرئيس إن السلام، أي المفاوضات، خيارنا الاستراتيجي فهو يسقط الخيارات الأخرى، المسلّحة وغير المسلّحة، كالانتفاضات والهبات. وحين يسقط أحد خياراته فلا يمكن له أن يفاوض.

المفاوضات خيارات. ومن ليس عنده خيارات ليس عنده مفاوضات. هذا هو الأمر. لذا يكرّر الأمريكيون والإسرائيليون كل يوم مثلاً أنهم يريدون حلاًّ تفاوضياً مع إيران، لكنهم يعلنون في كل مرة أن الخيارات جميعا، بما فيها الخيار العسكري، ما تزال على الطاولة. عليه، فحين يرمى الرئيس بالخيارات الأخرى عن الطاولة، يكون في الواقع قد خسر المفاوضات قبل أن تبدأ.

جذر فشل المفاوضات، جذر خساراتها، يكمن في إسقاط الخيارات الأخرى.
"المفاوضات حياة" يقولون عندنا. أما كل عاقل، كل رجل سياسة وكل رجل حرب، فيقول "المفاوضات خيارات".

ويمكن لنا اختصار السياسة الفلسطينية الآن بنقطتين:

الأولى: تضييع الوقت، وتقديم فترات سماح لإسرائيل وأمريكا.
الثانية: تضييع الخيارات، والاكتفاء بخيار وحيد. والخيار الوحيد هو خيار الشحّاذين. يقول المثل الإنجليزي: "الشحاذون بلا خيارات". فهم فقط يجلسون على الرصيف ويفتحون أيديهم، علّ أحدا ما يرمي فيها بسَنْتٍ أو سنْتَين.

التعليقات