31/10/2010 - 11:02

مشكلات أمريكا أكبر من أوباما../ جميل مطر

مشكلات أمريكا أكبر من أوباما../ جميل مطر

كتب فرانك ريتش في صحيفة “نيويورك تايمز” يحذر الرئيس أوباما من شهر أغسطس/ آب، فأغسطس حسب رأيه شهر كوارث، أو شهر التخطيط لها. وأخشى أن يثبت أغسطس هذا العام أن الكاتب الأمريكي على حق، خاصة أن الشهر بدأ بالفعل ملتهباً ومثيراً للتوتر وتبدو فيه واشنطن في حال غير طيبة. استطلاعاتها تشير إلى انحسار في شعبية الرئيس، وقوى الضغط فيها تتحالف لإحباط خططه وتشويه سمعته، وشخصيات رئيسة في المسرح السياسي الأمريكي قررت البقاء في واشنطن في هذا الشهر على غير العادة لتوجيه الحملة المناصفة لأوباما.

لم تكد تمر المائتا يوم على وصول أوباما إلى السلطة إلا وكانت فصائل اليمين الأمريكي قد استكملت استعداداتها لشن “ثورة مضادة” لكل ما يمثله الرجل الأسود، ولكل ما وعد بتغييره أو بإصلاحه. رأينا خلال الأيام الأخيرة بعضاً من أسوأ ما في ترسانة السياسة الأمريكية من أسلحة رخيصة، رأينا التآمر لتخريب ما أنجز على قلته والكذب لتشويه السمعة والتزييف للانتقاص من الشرعية، والإفساد بالمال وبغيره لتشكيل تحالفات داخل الكونجرس وخارجه، بهدف تعطيل المشاريع والبرامج، ورأينا ما هو أسوأ وأخطر، رأينا محاولات إثارة فتنة عنصرية على أوسع نطاق من دون الأخذ في الاعتبار عواقبها على الأمن القومي الأمريكي وعلى مستقبل رموز الوطن والأمة.

وبحلول الشهر التعيس، شهر أغسطس، كانت ساحات المعارك جاهزة للانقضاض وتوجيه ضربات قاصمة حتى على شخص باراك أوباما وتاريخه، عندئذ لم يعد يوجد شك في نوايا التيارات المعادية ودرجة استعداداتها، وصارت واضحة ومحددة القضايا التي اختارها خصوم أوباما ليجري حسمها قبل أن تتسارع وتتعمق وتيرة الإصلاحات والتغيير، أو يستأنف الاقتصاد نهوضه ويعود العاطلون إلى العمل، ويتباطأ انحسار شعبية أوباما، ويبدأ الرجل في استعادة ما فقده من شعبية.

أتصور أنه رغم ضراوة الحملة المعادية لأوباما لم يصل الأمر بعد إلى حد يسمح بوصف حالة أوباما بحالة الرئيس الواقع تحت الحصار. يحاول المعارضون دفعه بجهود مستميتة للعدول عن سياسات وبرامج كانت جوهر حملته الانتخابية، ولكن هناك ما هو أخطر، هناك محاولات لإثبات أن إدارة يرأسها رجل أسود لن تكون منصفة لمصالح الشركات الكبرى والطبقات الثرية.

نعرف أن ديك تشيني كان الرجل الذي أطلق الحملة ضد أوباما مركزاً على اتهام أوباما بأنه ينوي التخلي عن دور أمريكا في قيادة العالم ضد الإرهاب. لم يكن تشيني يسعى لكسب تعاطف الشعب الأمريكي على أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو المؤسسة العسكرية عندما اعترض على نية أوباما إغلاق معتقل جوانتانامو، والتحقيق مع عملاء المخابرات المتهمين بارتكاب جرائم تعذيب ضد المشتبه في انتمائهم لمنظمات إرهابية، وعندما شعر بأن أوباما لن يمنع المحققين من التحقيق مع مسؤولين في البيت الأبيض في عهد جورج بوش، أصدروا أوامر اغتيال شخصيات أجنبية وشكلوا خلايا لتخطيط عمليات القتل والتخريب، كان هدفه إيقاظ الخوف في نفوس الأمريكيين على حياتهم لأنه يعرف أنه بإثارة الخوف لدى المواطن الأمريكي استطاع الرئيس بوش تجديد ولايته لفترة ثانية.

ففي ظل القوانين الاستثنائية التي طبقها الرئيس بوش وسيطرة الاهتمام بالأمن استطاعت المصالح المالية الكبرى في الولايات المتحدة جني أرباح طائلة من المضاربات وصناعة السلاح وشن حروب في أفغانستان والعراق. ولا يقف تشيني وحيداً في الساحة، إذ نشطت في إثره قوى وجماعات ضغط متعددة لتركب موجة العداء لأوباما.

هكذا امتلأت واشنطن بتحركات قوى ومصالح مرتبطة بالبنوك وقطاع الطب وصناعة الدواء لتضع نصب أعينها إسقاط مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية، باعتبار أن هذا المشروع يمثل جوهرة التاج بالنسبة لإدارة أوباما، وباعتبار أنه المشروع الذي يحترم مصالح الطبقة الوسطى الأقل تميزاً والطبقات الفقيرة، وأغلب أفرادها من السود من أصول إفريقية والسمر من أصول لاتينية. بمعنى آخر تجتمع تحت مظلة هذا المشروع مصالح مالية ورموز اجتماعية، وتتصادم المصالح الأقوى حالياً مثل شركات التأمين والإقراض مع الرموز الأكثر شعبية مثل تدهور معدلات الفقر والتعليم وارتفاع تكاليف العلاج.

يعرف تشيني وحلفاؤه، أن سقوط المشروع بتأجيله أو تغييره أو تمييعه كافٍ لإسقاط عدد كبير من أحلام أوباما وبرامجه الإصلاحية الأخرى، ولعله يكون كافياً للتأثير في خططه لإدخال تعديلات في بعض مسارات السياسة الخارجية الأمريكية.

ما زال سائداً التصور بأن أوباما يريد أن تكون الأولوية في آليات تنفيذ أهداف أمريكا الخارجية وحماية مصالحها للأساليب الناعمة على حساب آلة الحرب وأعمال التخريب الاستخباراتية، ومازال سائداً وبالقدر نفسه التصور بأن أوباما لم يفلح بعد في تحقيق هذه النقلة، وبقيت رغباته كلمات على ورق، أو بدقة أكثر، كلمات في خطب يجيد اختيار من يصوغها ويجيد هو نفسه إلقاءها. وربما يكون صحيحا ما نقرأه أحيانا من أن الدبلوماسية الأمريكية ما زالت تستخدم أدوات قوتها الصلبة بل وتصعدها كما هو حادث في أفغانستان التي وكما يشاع عن المظلة الصاروخية للدفاع عن الشرق الأوسط.

المؤكد على كل حال أن الولايات المتحدة لم تلجأ بعد إلى استخدام أساليب جديدة للقوة الناعمة التي لم تستخدمها من قبل، وإن استمرت تلوح بإشارات ونوايا. بكلمات أخرى مازال العالم يعيش على الحال التي استقبل بها وصول أوباما إلى رئاسة الدولة الأعظم، يعيش أمل أن تتغير أمريكا وما زال مستعداً، وإن بثقة وحماسة أقل، لأن يمنح أوباما فترة سماح ثانية لإجراء هذا التغيير.

وفي كل مكان ذهبت إليه أو استمعت إلى ما يصدر عنه من مواقف وآراء، يسأل الناس عما تغير ولم يتغير في أحوالهم خلال مائتي يوم، يعرفون ونعرف أن الأزمة المالية التي أصابت تداعياتها معظم الأمم، وبخاصة الشعوب الفقيرة، مازالت قائمة وتهدد بكوارث على كافة الصعد، وأن الولايات المتحدة مسؤولة عنها، مسؤولة عن نشوبها ويجب أن تكون مسؤولة عن تقديم العلاج المناسب لها.

هنا في مصر مثلاً يعرف المشاركون في تحمل مسؤولية الحكم ومسؤوليات التوعية والإعلام والسياسة بشكل عام أنهم مسؤولون عما آلت إليه أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية. فبالرغم مما يقال من أن بلدنا غير محتلة عسكرياً وإرادتها حرة في اختيار بدائلها الاقتصادية، فكلهم يدركون أن الضغوط الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية سواء التي مارستها حكومة واشنطن وحكومات الاتحاد الأوروبي أم مارستها المؤسسات الاقتصادية الدولية دفعتنا بقسوة وأحيانا بوحشية لتشييد هياكل اقتصادية تزيد الفقراء عدداً والفقر بشاعة، وتخدم مصالح المضاربين والاحتكاريين، وتشجع على الفساد، وتشوه صورة رجال الأعمال والقطاع الخاص وتجعل منهم طبقة كادت تصبح منبوذة من المجتمع، أو هي تسرع الآن بالتخندق في قلاع أسمنتية بعيداً عن متناول هوامش المجتمع.

أعود إلى مقال فرانك ريتش لأضيف إليه بعضاً مما يخصنا ولم ينتبه إليه أو انتبه وتجاهل. يريد أوباما أن يتوصل العرب و”الإسرائيليون” في عهده إلى سلام شامل، وأعتقد أن القوى المعادية لأوباما في واشنطن لا تمانع وبخاصة بعد أن نجحوا في فصل السلام العربي “الإسرائيلي” الذي يدعو إليه أوباما، وهو السلام نفسه الذي يدعون إليه، وبين السلام الفلسطيني “الإسرائيلي”. السلام الأول يبدأ وينتهي بالتطبيع. أما السلام الثاني فمستحيل. ولذلك توجب فصله عن السلام الأول لكي يتحرك بسرعة. وللتسهيل يتعين على “إسرائيل” الالتزام بوقف بناء “المزيد” من المستوطنات لفترة تفعل بعدها ما تريد بأرض فلسطين المتبقية. السلام الثاني مستحيل رغم استعداد عدد من أغنى مناضلي حركة فتح وأكثرهم استعداداً للتضحية بوطنهم في سبيل صفقة هنا أو منصب وامتيازات هناك.

يبدو أوباما حتى الآن عاجزاً عن تحقيق اختراق له قيمة في السياسة الأمريكية عامة وفي الشرق الأوسط خاصة. وأظن أن الشعوب العربية لن تقبل بسهولة حجة وتسريبات الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأن جماعات الضغط اليهودية مسؤولة باعتبارها مشاركة في ما يسميه ريتش بالقوة الخفية المهيمنة في أمريكا. ومع ذلك دعونا ننتظر انتهاء شهر أغسطس/ آب لنقول كلمتنا في أوباما بعد أن قلنا كلمتنا في أمريكا.

هل سنقول إن مشكلات أمريكا أكبر من أوباما بعد أن أصبحنا واثقين من أن مشكلات العالم أكبر من أمريكا؟
"الخليج"

التعليقات