31/10/2010 - 11:02

مصر وبذور التغيير: مخلص منتظر أم مشروع سياسي؟../ خالد خليل

مصر  وبذور  التغيير: مخلص منتظر أم مشروع سياسي؟../ خالد خليل
ينبغي أن لا نقلل من أهمية دور الفرد في المجتمع، فهذه مسألة قد حسمها التاريخ والتجارب التاريخية.

ولا شك أن الهالة التي تلف محمد البرادعي في الفترة الأخيرة عظيمة الأثر وتبشر بآمال كبيرة حول تخليص مصر من ربقة الحكم المستبد، الا أنَّ التعامل مع البرادعي بصفته المخلّص المنتظر قد يكون من شأنه إبقاء مصر والشعب المصري عمومًا في دائرة العجز والضعف المعهودة التي تَسِمُ عادة شعوب العالم الثالث والشعوب العربية على وجه الخصوص.

لقد شهد الشارع المصري في العقد الأخير حراكًا سياسيًا هامًا تمثل في ازدياد حجم المعارضة السياسية للنظام، وتجسد ذلك في نجاح حركة الإخوان المسلمين بالفوز بثلث مقاعد مجلس النواب على الرغم من عدم نزاهة الانتخابات والتزوير المفضوح من „مافيا” النظام، وتجسّد كذلك بنشوء حركة „كفاية” واتساع دائرة الاحتجاج من قبل الشباب المصري (حركة 6 ابريل)، وغيرها، والأهم من ذلك المجاهرة في الشارع المصري من قبل المواطن البسيط بنقد عملية التوريث والاستبداد وحسني مبارك، الأمر الذي لم يكن رائجًا في سنوات التسعينيات على سبيل المثال إلا من قلة قليلة داخل الغرف المغلقة.

المناخ السياسي في مصر يعبر عن حالة الاحتقان الكبير التي وصل اليها الشعب والتي لم تنجح أحزاب المعارضة وتحديدًا حركة الاخوان المسلمين باستثمارها كما يجب وتخلفت وراءها بشكل فاضح في أكثر من موقع ومناسبة، ولم تتجرأ على المضي وفقًا لنبض الشارع وخلق حالة شعبية معارضة للحكم عندما توفرت الفرصة لذلك خلال الفورة الشبابية التمردية واعلان الاضراب الذي استنكفت الحركة عن المشاركة فيه او حتى الركوب على موجته.

فهذه الحركة (الاخوان) أضحت تتمتع بصفة „التريّث” كصفة ملازمة لاتخاذ اي قرار وغالبًا ما يؤدي تريثها الى فقدان اللحظة التاريخية للحدث، وها هي هذه الأيام „تتريّث” باتخاذ موقف من محمد البرادعي ومن جو التغيير الذي أضفاه حضوره على الساحة السياسية المصرية.

يعتقد الكثيرون في مصر أن قيادة الإخوان المسلمين أصبح لديها كثير من „الامتيازات” (الاقتصادية تحديدا من خلال الانخراط عميقا في النظام الاقتصادي القائم ) التي تخشى على ضياعها فيما لو خطت خطوات أكثر جرأة باتجاه التغيير والتحريض على النظام (بالطبع إلى جانب أسباب أخرى متعلقة بالقمع وغياب الديمقراطية).

كان بالإمكان تفهم هذا التريث من قبل حركة الاخوان لو أنها مُقدمة على طرح برنامج سياسي لمواجهة الحالة السياسية الراهنة واخراج البلاد والشعب من أزماتهما الخانقة على مستوى الفقر والبؤس والدمقراطية وإعادة مصر إلى قيادة العالم العربي. فمواجهة النظام المصري المتغوّل بالاستبداد وإفقار الناس بحاجة الى برنامج سياسي واضح والى تحالفات سياسية بين جميع أقطاب المعارضة المعنيين بالتغيير على أساس دمقراطي يحترم التعدد وينبذ الإقصاء السياسي.

المطلوب ليس اتخاذ موقف من البرادعي كشخص وإنما اتخاذ موقف من الخطاب التغييري الذي يطرحه البرادعي والذي يجب أن تتوحد حوله قوى التغيير.

وبغض النظر عن كيفية تعاطي النظام المصري مع المطالب المطروحة بشأن تغيير الدستور وضمان نزاهة الانتخابات (سلبًا أم ايجابًا)، فهذه المطالب يجب أن ترفع وتصبح شعارات سياسية لجميع قوى المعارضة، ومسألة خوض البرادعي للانتخابات القادمة أو عدمه يجب ألا تكون شرطًا لإطلاق مسيرة التغيير الحقيقي. فالنظام المصري لن يصبح بين ليلة وضحاها دمقراطيًا ويقبل هذه المطالب ويقدمها على طبق من فضة للمعارضة، لا بل من المرجح أن يزداد استبدادًا وقمعًا وتزويرًا.

الضمان الوحيد للتعاطي مع هذه المطالب بشكل عقلاني هو بمدى نجاح حركة المعارضة بتحويلها الى حالة شعبية عارمة تنخرط فيها جميع القطاعات والنخب وعلى رأسهم حركة الإخوان بوصفها الأكبر والأكثر تأثيرًا.

ولا شك أن توحيد هذه الجهود على أساس سياسي كفيل بإطلاق مسيرة التغيير مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تضحيات كثيرة لا بد وأنّ تُدفع في الطريق، ما من شأنه أن يتناقض مع „الامتيازات” التي حققتها بعض قيادات المعارضة. فهل ستحسن المعارضة المصرية استغلال حالة الاحتقان الشعبي واستثمارها سياسيًا وتحويلها الى نشاط سياسي سلمي دمقراطي؟!

باعتقادنا أنَّ هذا السؤال بدأ يشغل بال قطاعات واسعة من النخب المصرية، الا أنّه أيضًا يواجه بأجهزة متمرسة في تخريب وإحباط مبادرات التغيير، وأخطر ما في الأمر أن تكون الغلبة والهيمنة لثقافة وخطاب „المخلص” الفرد على حساب تشكيل جبهة معارضة وطنية عريضة مزوّدة بمشروع سياسي واضح لإجراء التغيير المنشود وتحقيق تداول سلمي للسلطة، ربما تنبت بذوره في الانتخابات القادمة، وربما يمتد إلى سنوات طويلة.

التأكيد على مسألة التداول السلمي نابع من كون الانقلابات العسكرية التي حدثت في العالم العربي ابتداء من منتصف القرن الماضي لم تفرز نظاما عربيا قادرا على بناء دولة عصرية وديمقراطية ذات وزن إقليمي حاسم في صراع التوازنات المفروض على المنطقة منذ ظهور إسرائيل كثمرة للمشروع الصهيوني الامبريالي في الشرق الأوسط. وحتى التجربة الناصرية الأكثر إشراقا في التاريخ العربي الحديث، لم يتسن لها التعمير طويلا، ليس فقط بسبب العوامل الخارجية وشراسة الهجمة الإمبريالية الغربية عليها فحسب، وإنما أيضا بسبب أخطائها الداخلية التي عمقت الفجوة بين النخب الحاكمة والناس، فلم تنجح بالتحول إلى قيمة وانجاز جماعي، يستقتل الشعب في حمايته فيما لو تعرض لمؤامرات خارجية أو داخلية. ورأينا كيف أن نظام عبد الناصر (المخلص الفرد) أفرز بعده نظاما معاديا لأفكاره ومبادئه الأصلية ومتحالفا مع أعداء الأمس، مكرسا لحالة من الفساد طغت على المشهد العام في مصر لتزداد قتامة وسوءا حتى اللحظة.

ورغم أن هذا النظام في الآونة الأخيرة افتعل كثيرا من الأزمات الخارجية من خلال تأجيج النزعة المحلوية المصرية وحرف الأنظار عن أزمته الداخلية (ألأزمة مع حزب الله والأزمة مع الجزائر)، إلا أن فرصة التغيير مواتية ويعززها الاحتقان المتزايد للشارع المصري الذي كما يبدو يسير باتجاه كسر حاجز الخوف من النظام، وقد يكون الخروج العفوي لآلاف المواطنين لاستقبال البرادعي في مطار القاهرة والرد الناعم من قبل السلطات المصرية مؤشرا على صحة ذلك، فهل ستقود أحزاب المعارضة هذه الحركة الشعبية الآخذة بالتنامي، أم ستكون شاهدة على إخفاق آخر من إخفاقات السياسة العربية؟

التعليقات