31/10/2010 - 11:02

مفارقات غزة- المكبر – صورباهر../ راسم عبيدات

مفارقات غزة- المكبر – صورباهر../ راسم عبيدات
..الشيء المضحك – المبكي، أن تتلقى الوعظ والإرشاد ودروس عن المحبة والإنسانية والرحمة وحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها، من مجموعة من القتلة واللصوص ومصاصي الدماء، والذين يمارسون "الإرهاب" بكل تسمياته وأشكاله وأنواعه، بشكل يومي وممنهج ومبرمج خدمة لمصالحهم وأهدافهم، ووفق نظرات عنصرية واستعلائية ضد كل أبناء الشعوب المقهورة والمضطهدة.

فما أن تقع أية عملية فدائية من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، أيا كان شكلها ونوعها، والتي تأتي في سياق الدفاع عن النفس ورفض الاحتلال، والرد على جرائمه وممارساته اليومية القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني، حتى تخرج جوقة القتلة والإرهاب الغربية والأمريكية، والتي غالباً ما ينضم إليها الأمين العام للأمم المتحدة، وبعض الأدوات العربية في المنطقة، لتدين هذه الأعمال والعمليات، وتصفها بعبارة من طراز الوحشية واللا أخلاقية والبشعة وغيرها، وهذا ما لمسناه عندما قام أبو دهيم بتنفيذ عمليته قبل أربعة أشهر في مدرسة لغلاة المستوطنين المتطرفين، وكذلك عندما نفذ دويات عمليته في القدس قبل عدة أيام.

أما عندما تحاصر إسرائيل شعباً بأكمله وتمنع عنه كل مستلزمات الحياة وأبسطها، وتقوم بارتكاب جرائم حرب بحق شيوخه وأطفاله ونسائه، فهذه الجوقة الغربية والأمريكية ترى في مثل هذه الممارسات دفاعاً مشروعاً عن النفس وحق لإسرائيل في حماية مواطنيها، وأقصى لغة تستخدم في إدانة هذه الجرائم والممارسات الإسرائيلية هي استخدام مفرط للقوة، وهذا ما حدث عندما ارتكبت إسرائيل مجازرها وجرائمها في غزة ولبنان، حيث لم يدن أي مسؤول غربي أو أمريكي، وبمن فيهم بان كي مون نفسه الأمين العام للأمم المتحدة، هذه الجرائم والمجازر.

إن هذه المعايير المزدوجة تكشف حقيقة هذا الغرب المتشدق بالإنسانية وحقوق الإنسان والديمقراطية، حيث أن هذه القيم والمعايير، لا يجري احترامها وتقديسها والمطالبة بتطبيقها واحترامها، إلا بما يتفق ورغبات وأهداف ومصالح المتشدقين بها. فالديمقراطية الفلسطينية على سبيل المثال عندما أفرزت قوى، لا تتفق مع الرؤى والأهداف الغربية، جرى الدوس عليها والتنكر لها، وإسرائيل باعتبارها دولة فوق القانون، وممارستها القمعية لهل مظلة أمريكية وغربية تحميها، اعتقلت واختطفت أغلب نواب الشعب ووزراءه المنتخبين، وحاصرت وتحاصر شعبا بأكمله، وباتت الحيوانات تعيش في ظروف أفضل من ظروفه، ولا أحد من هؤلاء يحرك ساكناً، بل يكيلون عبارات المدح والثناء لإسرائيل على مثل هذه الممارسات.

وما يحدث في العراق والذي قدم إليه الاحتلال الأمريكي تحت شعارات زائفة وخادعة ومضللة، تعميم الديمقراطية وتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحيث يتعرض الشعب العراقي إلى إبادة جماعية نتيجة لتلك الشعارات الزائفة والمخادعة وغير الصحيحة، نرى عبارات الإشادة والتبجيل بهذه "الديمقراطية" الزائفة وصمتا مطبقا ورهيبا إزاء ما يرتكب من جرائم ومجازر يومية بحق الشعب العراقي، بل وتشريع وتشجيع على ارتكاب مثل هذه الجرائم والمجازر، تحت يافطة محاربة ما يسمى"بالإرهاب"وحماية الديمقراطية الوليدة.

واليوم عندما يتهدد ويتوعد أصحاب ما يسمى بالتنازلات المؤلمة من أجل السلام، من كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، بتحويل حياة سكان المقدسيين إلى جحيم، ويتبارون في ابتداع أشكال وأنواع العقوبات التي يجب فرضها عليهم، هدم منازل، سحب مواطنة وهويات وحقوق، وخدمات اجتماعية وصحية وإبعاد واعتقال وفرض قيود وغيرها، دون ذكر لأي من الأسباب التي تدفع المقدسيين خاصة وأبناء الشعب الفلسطيني عامة للقيام بمثل هذه الأعمال، والتي جذرها وسببها معروف وواضح، ألا وهو الاحتلال الذي يدمر حياة الشعب الفلسطيني، هذا الاحتلال الذي لم يتطرق أحد إليه من دعاة ما يسمى بالتنازلات المؤلمة وكذلك الكتاب والصحفيين الإسرائيليين،وعندما يقول من هم جزء من صناع القرار في إسرائيل، إن الذي سيتنازل عن الضفة الغربية والجولان وليس القدس، من الإسرائيليين لم يولد بعد، فهذا تعبير واضح عن حقيقة ورغبات وتطلعات معظم الإسرائيليين، والذين فريق من الشعب الفلسطيني يواصل مفاوضاته الماراثونية والعبثية معهم، على قاعدتي "حلب الثور" و"عنزة ولو طارت".

الشعب الفلسطيني، وبينهم سكانه المقدسيون، ليسوا دعاة قتل وإرهاب، وليسوا مع قتل المدنيين، ولكن عندما يدمر الاحتلال حياة المقدسيين ويحولها إلى جحيم يومي، حيث تمارس بحقهم سياسة تطهير عرقي وتدمير ممنهج ومبرمج، حيث مسلسل هدم البيوت اليومي، ومصادرة والاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم، وإقامة الأحياء الاستيطانية في قلب أحيائهم وقراهم، ونشر كل أشكال وأنواع الفساد الرذيلة والأمراض الاجتماعية بينهم، وفرض الضرائب بأشكالها وأنواعها المتعددة وحملات ومداهمات الضرائب اليومية بحقهم، والعزل والحصار وتقيد حرية الحركة والتنقل، والنقص الحاد في الخدمات من صحية وتعليمية إلى بنى تحتية شبه معدومة ومدمرة، والتي ربما توحي إليك أن سكان القدس الشرقية، يعيشون في القرون الوسطى، رغم أنهم يدفعون صاغرين كل ما يطلب ويفرض عليهم من ضرائب وغيرها.

مع كل هذا العذاب والعقاب والممارسات القمعية والتدميرية بحقهم، فالمطلوب منهم أن يتحملوها، بل وربما أن يشكروا الاحتلال عليها، وهم يقولون للاحتلال بالفم المليان والخط العريض، ارحل عنا واتركنا وشأننا، نريد أن نعيش بحرية وكرامة وفي وطن حر ومستقل، فهل هذا كثير علينا كفلسطينيين؟ أبناء الغرب "المحترمين"، الذين تتشدقون بالقيم والمعايير المزدوجة حول الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها؟ هل تعتقدون أننا ما زلنا غارقين في السذاجة "والهبل" حتى تسوقوا قيمكم ومعاييركم المزدوجة هذه علينا؟ تمارسون أنتم وإسرائيل كل أشكال وأنواع الإرهاب بحقنا، وتحتلون أرضنا وتنهبون خيراتنا وثرواتنا وتحتجزون تطورنا وتقدمنا، وتريدون منا أن نمجدكم ونشكركم ونثني على أعمالكم وجرائمكم بحقنا؟ وتريدون منا أن نبقى كالخراف تسوقونها للذبح متى شئتم، ومن يرفع صوته مندداً أو معترضاً أو مقاوماً لأفعالكم وجرائمكم واحتلالكم، أو يخرج عن طوعكم وإرادتكم، تضعونه في خانة الإرهاب والمعاداة للبشرية والإنسانية والسامية، ومن يقتل ويرتكب المجازر والجرائم ويخدم مصالحكم وأهدافكم وسياساتكم، فهو من دعاة الديمقراطية وحماتها، وإذا ما رفع شعارات إقامة علاقات مع إسرائيل ومد حبل الود معها، فهو أفضل وأحسن ما أنجبت البشرية والديمقراطية. أليست مثل هذه المفارقات مضحكة مبكية يا دعاة الديمقراطية وحماتها، ويا من تدعون وتتمسحون بشعارات الحرية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في الحرية والاستقلال؟.

التعليقات