31/10/2010 - 11:02

"مفاوضات عن قرب"..ثلاثة احتمالات لا رابع لها../ ماجد عزام*


تواجه "المفاوضات عن قرب" - وغير المباشرة - بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية ثلاثة احتمالات لا رابع لها: فإما أن تحقق هدفها في التقريب بين الطرفين وبالتالي، الانتقال نحو المفاوضات المباشرة، وفق جدول زمني محدد، من اجل التوصل إلى اتفاق حول القضايا النهائية الاستراتيجية والصعبة والحساسة خلال أربعة وعشرين شهراً أو سنتين ونصف على أبعد تقدير.

أما الاحتمال الثاني، فهو التوافق على دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، وفق الواقع الحالي فى الضفة الغربية مع بعض التعديلات، على أن يتم التفاوض بعد ذلك على القضايا النهائية الأخرى، مثل القدس وحق العودة والحدود النهائية للدولة الفلسطينية، وأيضاً ضمن سقف زمني محدد نظرياً لا يتجاوز العامين.

الاحتمال الثالث والأخير هو فشل عملية التقارب و بالتالي، استحالة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة في ظل الهوة الشاسعة بين الطرفين، ومن ثم انتظار طبيعة رد الفعل من قبل الراعي والوسيط الأمريكي.

يبدو الاحتمال الاول ضعيفاً، وحتى شبه مستحيل، في ظل الرؤى المتباينة، ليس فقط فيما يتعلق بالقضايا النهائية وانما حتى تجاه المفاوضات غير المباشرة شكلاً وموضوعاً. فحكومة نتن ياهو تريدها مدخلاً قصيراً نحو المفاوضات المباشرة وترفض مناقشة القضايا النهائية الجدية ( القدس والحدود وعودة اللاجئين) إلا بشكل مباشر، وتصرّ على الشروع او الانطلاق من الترتيبات الامنية والمياه بغرض إغراق المفاوضات في التفاصيل و اطالتها الى ابعد مدى زمني ممكن، و الايحاء بأن المشكلة ليست عندها. في المقابل، تريد السلطة الفلسطينية الانطلاق من قضية الحدود حيث التوافق عليها يكفل حسم قضيتي القدس والمستوطنات، ويوفّر أجواء مؤاتية للانتقال الى المفاوضات المباشرة المحددة زمنياً. يجدر الانتباه ايضاً الى ان الطرفين وافقا على "المفاوضات عن قرب" على مضض، فحكومة اسرائيل تصرّ على المفاوضات المباشرة دون شروط لكسب الشرعية من جهة وتغطية نياتها وممارساتها على الارض من جهة أخرى، بينما اصرت السلطة على وقف الاستيطان او التجميد التام له وتحديد المرجعيات والهدف النهائي للتفاوض ضمن سقف زمني محدد لا يتجاوز سنتين بحد اقصى.
وافق الطرفان فى الحقيقة على هذا الاطار الهجين فقط لعدم اغضاب الولايات المتحدة او الخلاف معها مع فارق مهم وجوهري في عديد من القضايا. وكانت ادارة اوباما توصلت الى حلول وسط مع الحكومة الاسرائيلية سواء فيما يتعلق بالتجميد التام للاستيطان و التعهد الرسمي المكتوب او الموثق بهذا الخصوص والاكتفاء بعبارة صفر استفزارات او بتفهم الموقف الاسرائيلى القاضى بتأخير قضية القدس الى نهاية المفاوضات، وهو الامر الذى عبر عنه صراحة المستشار السياسى لاوباما ديفيد اكسلرو د والكاتب الحائز على جائزة نوبل ايلى فيزل الذى تناول الغداء على طاولة الرئيس اوباما الثلاثاء الماضى 4 ايار 2010 .

فى ضوء المعطيات السابقة، يبدو الاتفاق صعباً. وللخروج من المأزق وعدم تحمل المسؤولية والقاء مسؤولية الفشل على الطرف الفلسطيني، قد يبادر الطرف الاسرائيلى الى طرح فكرة الدولة بحدود مؤقتة وفق الواقع الحالى، مع تعديلات بسيطة ربما، على ان يتم التفاوض باجواء اكثر راحة وثقة على القضايا الخلافية والصعبة الاخرى. هذا اقتراح يوافق عليه، بل ويتحمس له، الرئيس شيمعون بيريز ووزير الدفاع ايهود باراك ويقال ان نتن ياهو لا يرفضه ايضاً وقد يراه أهون الشرين خصوصا انه لن يتضمن حسماً جدياً للمسائل الشائكة والحساسة ولن يؤدى الى صدام مع اليمين والمستوطنين غير ان الرئيس محمود عباس ليس بوارد القبول بهذا الحل بأى حال من الاحوال على خلفية التجربة التفاوضية الطويلة والصعبة السابقة لعقدين من الزمن. وبالتالى، لا شىء يضمن ان يتحول المؤقت الى دائم او ان يفتر حماس المجتمع الدولى لحل المشكلة التى ستتحول الى واحدة من مئات المشاكل الحدودية عبر العالم بينما تستغل اسرائيل الوقت والعزوف او التجاهل الدولى لفرض الأمر الواقع على الارض خاصة فى القدس ومحيطها ما يفرغ اى مفاوضات محتملة من محتواها.

اذاً، بين استحالة الاتفاق وصعوبة بل واستحالة الموافقة الفلسطينية على الدولة المؤقتة يظل الفشل هو الاحتمال الاكبر والاكثر منطقية. لن تؤدى مفاوضات التقريب الى المفاوضات المباشرة. وفي حالة حدوث ذلك، فإن لا دلائل او شواهد على امكانية التوصل الى اتفاق نهائى عبر الحوار المباشر حتى بمشاركة الوسيط او الراعى الامريكى وهذا الامر تتمناه بل تسعى اليه السلطة الفلسطينية فى ظل قناعتها باستحالة التوصل الى حلول وسط مع حكومة نتن ياهو- ليبرمان- بيغن وافتقاد هذه الارادة اللازمة للاتفاق ما يخلق بيئة مناسبة لتدخل خارجى امريكى او حتى من اللجنة الرباعية عبر طرح خطة للسلام وفق وثيقة بيل كلينتون –2000- تتضمن انشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس ضمن حدود حزيران يونيو 1967 ومع الرفض الاسرائيلى المتوقع للخطة تلجا السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن من اجل نيل اعتراف دولى واسع بالدولة ومن ثم خوض نضال متعدد المستويات لاجبار اسرائيل على الانصياع وربما مواجهة العزلة فى مواجهة الاجماع الدولى والغربى تحديدا .

هذا السيناريو يبدو الاقرب للمنطق وهو الامر الذى تستوعبه جديا شخصيات اسرائيلية مثل ابهود باراك وتسيبى ليفنى واخرون ومن هنا حديث باراك الدائم اخيرا عن ضرورة تغيير الائتلاف الحكومى الحالى وطرح خطة اسرائيلية تتضمن تصوراً للقضايا النهائية بسقف عال والتوصل الى حلول وسط انطلاقا منها وهو ما يتساوى نظريا مع احتمال اخر أي انهيار الحكومة تحت وطاة التجاذبات والضغوط الداخلية والخارجية والذهاب الى انتخابات مبكرة لكسب الوقت املا فى تطورات ومستجدات اقليمية او دولية مع عدم استبعاد فكرة الذهاب الى حرب جديدة لخلط الاوراق ثانية واعادة عملية التسوية الى نقطة الصفر مرة أخرى .
____
* مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

التعليقات