31/10/2010 - 11:02

ملاحظة حول "ثقافة الإحباط"../ خالد خليل

ملاحظة  حول
كلما اتسعت الفجوة بين الواقع الموجود والأمل المنشود ازدادت الخيبة، وكلما تحصّل واقعٌ جديد آخر مناقض لِما هو مُتوخّى تراكمت الأسباب والعوامل لما يُسمّى الإحباط، والإحباط يكمن في انهيار الحلم أو الأمل وحدوث غيره أو عكس ما هو متوقّع، بعد مراكمة كم كبير من الخيبات.

القدريون بصفة عامة هم بمنأى عن هذه الإشكالية ولا يواجهونها إلا حينما يحدث خلل في قدريتهم أو انزياح عنها، فهم قرروا منذ البداية أنهم لا يصنعون تاريخهم أو حاضرهم، والمستقبل مرهون بما يحدده القدر. ونظرية «القدر» هذه هي التي ولّدت نظرية «الضحية» الأبدية التي كُتب عليها أن تواجه المآسي والمعاناة كلما تقدم الزمن.

ورغم أنّ الفرج بعُرفهم يأتي من عند الله، فلا حاجة أن نعقل الناقة ويكفينا التوكّل، ولنبق بانتظار الفرج لنكسبه في الآخرة، انه الفرج المؤجّل إلى يوم الدين، لأنّ التاريخ الإنساني وفقًا لمفاهيمهم هو تاريخ «التقدم نحو الأسوأ».

تتعقّد المشكلة عندما يحبط الثوريون الذين طالما نادوا بالثورة وآمنوا بالتغيير ووجهوا سهام نقدهم لمن تقهره الظروف ويهيمن التسليم بالواقع على أفكاره.

وبين ليلة وضحاها تتحول تنظيراتهم عن العلّة والمعلول وقوانين الجدل إلى تنظيرات غيبية باهتة تكثر من الحديث عن انتكاسات الواقع الموضوعية، ويكاد يغيب فيها كلام الإرادة السياسية.

والغريب أن معظم هذه النخب المُحبَطة والمُحبِطة تتحدر من تيارات يسارية وعلمانية وليبرالية أكثر من التيارات الدينية المفترض وفقًا لمفاهيمهم الكلاسيكية أنها أقرب إلى الغيبية والقدرية. لا بل أن قسمًا لا بأس به من التيارات الدينية قاد عملية التغيير والممانعة والمقاومة في أكثر من موقع وتوقيت، ليحتل بامتياز مركز الصدارة في الصراع القومي والوطني مع المشروع الأمريكي – الأطلسي- الصهيوني في المنطقة.

ومن الواضح أن قسما من هذه الحركات تجاوز نهائيا الانغلاق الديني والمذهبي لصالح التحيز للعروبة والانفتاح على التيارات الأخرى، الأمر الذي يعزز إمكانية بناء مرجعيات وطنية وقومية وحتى أممية منسجمة إلى حد بعيد في تيار أساسي يتبنى نفس الخطاب والرؤى في مناهضة الظلم والاستكبار على طريق التحرر والنهضة والاستقرار.

الإحباط بحد ذاته قد يكون خطيرًا وتترتب عليه آثار سلبية تضر إجمالا بعملية التقدم والنضال السياسي والاجتماعي، ويصل هذا الخطر إلى أقصى درجاته عندما يتحول الإحباط إلى ثقافة رائجة يركب على موجتها ويستغلها مثقفو السلطة ونخبها، فيمارسون بمنهجية تعميم اليأس والإحباط في صفوف الناس والأحزاب والحركات السياسية، من خلال لعب دور المتذمر الذي خاب أمله من الحالة التي آلت إليها الأمة وقوى الثورة ومشروع النهضة والوحدة العربية، فيتفنن في صياغة ديباجات البكاء والرثاء والتباكي التي لا تخلو من «نقد» للسلطة والأنظمة ووصف الوهن والهوان الذي وصلت إليه الحالة... إلى أن يتمكّن من العقول والعواطف لقطاعات واسعة من الناس.. . ليستطيع عندها التحول إلى نقد المقاومة والحركات الوطنية والمواقف الصحيحة المعادية للاستعمار، وكل ذلك طبعًا باسم «الواقعية السياسية»، فتصبح مواجهة الاحتلال والتصدي له «مغامرة» و»خطوات غير محسوبة»، والصواريخ عبثية أو كرتونية، و»الكفاح المسلح أثبت فشله».

ومن الطبيعي في هذه الحالة أن لا يعدد هؤلاء الانجازات ولا يتوقفون عند معاني ودلالات الانتصار والصمود، ولا يرون من المعركة سوى عدد الضحايا والقتل والتدمير والبيوت المهدمة، ولا ينسون في النهاية تحميل المسؤولية لحركات المقاومة التي «استفزت» الأعداء ووفرت لهم الأسباب لتدمير أوطانهم.

هذه المجموعة تحاول ا لظهور بمظهر المُحْبَط في حين أنها تلعب دور المُحْبِط المرسوم لها ضمن الحرب النفسية التي تتعرض لها الشعوب المقهورة.

لا شك أن المحبَطين الحقيقيين لا يمكن إدراجهم ضمن هذه المجموعة، ولا يصحّ اتهامهم بلعب دور مشابه لكن ينبغي التحذير من الإمعان في خطاب الإحباط، اليائس والمر والتعامل معه كخطاب نقد الواقع، فشتان ما بين هذا وذاك.

ولعل كثرة المفاجآت وتراكم الخيبات ناتجة عن خلل في القراءة والتشخيص والملاءمة الصحيحة بين الأدوات والتوقعات وهو ما يستدعي الدرس والتمحيص بدلاً من البحث عن شماعات لتعليق الأخطاء.

ولعل العبرة الرئيسية لقوى اليسار والحركات القومية الديمقراطية في المنطقة العربية يجب أن تتمحور حول ضرورة الخروج من مأزق الانغلاق على الذات والتقوقع خلف ثنائيات الديني/العلماني أو القومي/الديني التي من المفترض أن تكون ثانوية مقابل الصراع الرئيسي. فالوحدة والاختلاف من خلال قبول التعدد من شانها تقريب وتوحيد المرجعيات وبالتالي تصويب الرؤى وتدقيق التوقعات وتخفيف منسوب التفاجؤ والمفاجآت والاحباطات على أنواعها.

التعليقات