31/10/2010 - 11:02

من قتل السائق المقدسي؟../ هاشم حمدان

-

من قتل السائق المقدسي؟../ هاشم حمدان

ما كنا سنلتفت إلى مقالة "غوئيل بنتو" في صحيفة "هآرتس" الأربعاء 16/05/2007، التي يعتذر في عنوانها عن عنصرية اليهود، لولا أنها حظيت بعدد كبير من القراءات، وأكبر عدد من التعليقات في موقع الصحيفة على الشبكة، والتي هاجمته بغالبيتها بسبب موضوعها، إلا أن سطور المقالة وما خفي بين سطورها يشي بأن الكاتب ينطق بلسان إسرائيلي بامتياز، وهو اللسان الذي يبدو كـ"يسار إسرائيلي" لا يمكن أن "نيسره لليسرى" بأي حال من الأحوال.

فقد اعتبر الكاتب أن الإرهابي اليهودي، جوليان سوفير، الذي قتل سائق سيارة الأجرة المقدسي، تيسير كركي، لمجرد كونه عربياً، هو إرهابي يهودي فرنسي، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة جديرة بالدراسة. بمعنى أن إرهابية الإرهابي لا علاقة لها بإسرائيل، وإنما بعنصرية اليهود في فرنسا ليس إلا.

ويشير إلى دعم اليهود الفرنسيين لساركوزي بسبب القبضة الحديدية التي أعملها ضد المسحوقين والمهمشين، ومعظمهم من الأفارقة، في ضواحي باريس في العام 2005، والذين اعتبرهم (الكاتب بنتو) مجموعة دينية أدرجها تحت اسم "المهاجرين المسلمين". كما يشير إلى وقوف ساركوزي إلى جانب اليهود، كمجموعة "قومية" في دولة تحارب الهوية الدينية، معتبراً أن مقتل اليهودي إيلان حليمي في العام 2006 كان بدوافع لاسامية، تمهيداً لنيل تأييد غالبية اليهود، الذين رددوا خلال الانتخابات الأخيرة الشعارات التحريضية على العرب، من نوع "العرب يسيطرون على فرنسا". ورغم أن الكاتب يريد أن يقول لنا أن المشكلة أيضاً هي لدى ساركوزي، إلا أنه من المؤكد يتمنى ألا يذكره أحد بأن إسرائيل رحبت بانتخابه رئيساً لفرنسا.

كما يكشف الكاتب عن اللعبة التي يمارسها أكثر من 600 ألف يهودي فرنسي في الملعب الفرنسي، والذين نجح كثيرون منهم في الوصول إلى مناصب عليا والتمتع بمكانة مرموقة لدى السلطات الفرنسية. ففي الدولة التي رفعت شعار محو الهوية الدينية، لعب اليهود الفرنسيون في الملعبين الفرنسي والإسرائيلي، فمن جهة اندمجوا في المجتمع الفرنسي، ومن جهة أخرى واصلوا إبداء الولاء لإسرائيل.

ويعترف الكاتب بعدوانية الكثيرين من يهود فرنسا، وعنصريتهم تجاه "المهاجرين المسلمين"، ويعتبرها ظواهر ليست جديدة، فهو يذكرها منذ نداءاتهم في الحرب الأولى على لبنان، في العام 1982، والتي كانت موجهة إلى شارون بعد دخوله إلى لبنان بالقول "شارون.. اقض عليهم..". ويشير إلى أن يهود فرنسا يقدمون الكثير من التبرعات المالية لإسرائيل، وأنهم يستغلون هذه الأموال لتنفيذ انتقامهم.

وبينما يؤكد على أنه لا يجرؤ أي يهودي فرنسي على المس بعربي في فرنسا، فهو يعتبر مرد ذلك إلى كون اليهود في فرنسا يفضلون لبس عباءة الضحية، الأمر الذي يؤدي بالنظام، الذي يعاني من عقدة النقص والإحساس بالذنب تجاههم بسبب حكومة فيشي، على حد قوله، إلى منحهم الدعم الواسع. ولا شك أن لبس عباءة الضحية، وفقما يتضح، هو لعبة تمارس بحد ذاتها، بمعنى أن عدم وقوع قتلى عرب في فرنسا من قبل اليهود هو ببساطة لكون قواعد اللعبة، التي قد تتغير في كل لحظة، تقتضي ذلك، وأن مسألة عدم وقوع قتلى عرب هو من باب "حسن حظ" العرب لكون هذه اللعبة هي السائدة في ذلك الملعب الآن.

ومن جهة ثانية فإن إشارة الكاتب إلى عدم تجرؤ اليهود على المس بالعرب في فرنسا، بموجب قواعد اللعبة هناك، يفصح، بدون أن يشاء الكاتب، عن أن حقيقة وقوع الجريمة في إسرائيل تشير إلى أن قواعد اللعبة في هذا الملعب تسمح بذلك، فهي توفر "الجرأة" المطلوبة للمس بالعرب..

في المقابل ينزع عن الإرهابي الذي قدم إلى إسرائيل صفة المهاجر الجديد، فهو لا يستخدم مصطلح "قادم جديد" وإنما يقول إنه "قام بفعل القدوم"، وربما يعتقد الكاتب أنه بذلك ينأى بإسرائيل عن مخططات الإرهابي، ليبقى إرهابياً وصل البلاد لتنفيذ جريمة لا علاقة لإسرائيل بها..

وفي نهاية المقال يظهر الكاتب إسرائيل كدولة سوية، وكأنها لا تعرف العنصرية والاحتلال وجرائم الحرب والحصار والقتل على خلفية عنصرية والجدران والسجون، فهو يقول إنه قد حان الوقت لكي تقوم إسرائيل بوضع مرآة أمام وجوه يهود فرنسا الذين يرقصون في كل الأعراس!!

ولاستكمال صورته المفترضة التي يرسمها لإسرائيل فهو يطلب من رئيس الحكومة ورئيسة الدولة الفعلية زيارة عائلة الضحية وتقديم الاعتذار، وفي الوقت نفسه يطلب من رئيس اليهود في فرنسا تقديم الاعتذار إلى المسلمين هناك عن عنصرية اليهود، والتي هي برأيه أحد الأسباب الرئيسية لتدهور العلاقات بين اليهود والمسلمين في فرنسا.

ويبقى الأهم، بالطبع، الإشارة إلى أن الكاتب لن ينظر إلى الصهيونية كفكر عنصري لتفسير ما يحصل سواء محلياً أو عالمياً، بل إن ما كتب يأتي في سياق محاولات "اليسار" المزعوم هذا المتواصلة والدؤوبة لخلق انسجام مجتمع مع قناعات يفترض أنها تدعي أنه مجتمع سوي، في الوقت الذي تقول فيه آخر الاستطلاعات العالمية إن إسرائيل أسوأ دولة في العالم، والإسرائيليين، الذين لا يزالون يرون الحرب على العراق مشروعة، وخلافاً لمجتمعات الأرض قاطبة، هم أقل البشر انشراحاً وأكثرهم سلبية..

التعليقات