31/10/2010 - 11:02

من مالكي بغداد إلى مالكي رام الله../ راسم عبيدات

من مالكي بغداد إلى مالكي رام الله../ راسم عبيدات
...غريب هذا الزمن العربي الذي نعيشه، فالأمة في أعلى درجات الذل والانكسار والهوان والتراجع والخنوع، وهذا الزمان قال عنه النبي العربي محمد ( صلعم )، بأنه زمن الرويبضة، والكاتب الجزائري الكبير الطاهر وطار، يصف هذا الزمان بأنه الزمن الحراشي، والكاتبة البحرانية سميرة رجب تقول بان هذا الزمان أصبحت فيه المقاومة "إرهاباً" والعملاء نشطاء حقوق إنسان، والخيانة نضالاً..

وحقاً كل هذه الأوصاف تنطبق على زمننا العربي، حيث تقام وتنصب في أكثر من قطر ودولة حكومة بإرادة أمريكية وتحت حراب وسلطة الإحتلال، والغريب هنا أن هذه الحكومات تطبل وتزمر بأن همها الأول والأخير خدمة قضايا الأمة وأهدافها ومصالحها، والعمل على نيل حريتها واستقلالها، وأنا لا أعرف كيف ستحقق كل ذلك ؟ هل بالمزيد من الخنوع والاستجداء والتنازلات اللامنتهية؟ وهي التي وصل الأمر بها، حد إدانة نهج المقاومة واستنكاره والعمل على محاربته، بل وأصبحت تلك الحكومات تستخدم نفس المصطلحات والعبارات والتوصيفات التي تستخدمها قوات الإحتلال في توصيفها للمقاومة بأنها "إرهاباً"، وهي ترى أن التحرير لا يمر عبر بوابة المقاومة والنضال، فالمقاومة أضحت "إرهاباً" والخيانة نضالاً، والعملاء نشطاء حقوق إنسان، وما أكثرهم في عالمنا العربي، حتى أنهم يتسابقون ويتباهون، بمن هو أكثر ولاءً وخدمة للسياسات والأهداف الأمريكية في المنطقة، في حين يتهم المناضلون الحقيقيون بأنهم مضللون أو مغرر بهم أو مغامرون أو لا يعرفون مصلحة شعوبهم أو في رؤوسهم "ميه عتيقة" أو يغردون خارج السرب أو ينفذون أجندات غير فلسطينية..

وهذه المرحلة، مرحلة من لا يؤمن "ببوش "قاتل الأطفال والشعب العراقي، وتابعه "بلير" مبعوث الرباعية للشرق الأوسط، بعد سلسله الهزائم والجرائم التي مني بها وارتكبها، فهو داعم ومساند ومنفذ "للإرهاب"، أو مارق ومتآمر وله صلات بالقاعدة وحزب الله واحمد نجاد وسوريا والتنظيمات الفلسطينية وغيرها.

أما المعتدلون العرب والذين أشبعونا تنظيراً "وقرفاً" عن الواقعية والعقلانية والسلام والمفاوضات، فهم كثر ويتنامون كما "تتنامى الطحالب على العملة التالفة"، ودائماً يرددون المفاوضات أولاً والمفاوضات عاشراً، حتى غدا هناك نهج فلسطيني- عربي اسمه التفاوض من أجل التفاوض، ودون أن يحقق هذا النهج أية قضايا ملموسة أو جدية، حتى أن قمماً متلاحقة لقيادة هذا النهج مع الإسرائيليين والأمريكان، لم تنجح في إزالة حاجز عسكري إسرائيلي!

وهذا التيار يمتد من أفغانستان وحتى فلسطين، ولعل الجميع عرف وسمع عن خطط المالكي المتلاحقة في العراق بالتعاون مع الأمريكان لفرض الأمن في بغداد، والتي وصلت حد إقامة الجدران الإسمنتية بين أحياء بغداد، كيف كان مآلها إلى الفشل، لكون حكومة المالكي لا تعبر عن إرادة العراقيين، وهي جزء من الأزمة، ومتورطة في الكثير من أعمال القتل، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية والقبلية والجهوية، وتدار مباشرة من قبل السفير الأمريكي في بغداد، وحينما شعرت الإدارة الأمريكية، أن هذه الحكومة لم تعد تستجيب لاشتراطاتها بالكامل، شرعت بالعمل على تغيرها والتخلص منها، وهي تدرك تماما أنه لو غيرت ألف حكومة على نمط حكومة المالكي والجعفري والجلبي، دون أن تخرج قوات الإحتلال من العراق، فإن الأوضاع لن تستقر ولن تهدأ، فالمشكلة الأولى للعراقيين، هي الإحتلال والمقاومة العراقية ستستمر وتتصاعد وتتسع وتصبح أكثر شمولية، حتى ترحل قوات الإحتلال عن العراق، وهي لن ترحل طواعية، أو من خلال الاستجداء والدبلوماسية، فهي جاءت للعراق من أجل تدميره واحتجاز تطوره، ونهب خيراته وثرواته خدمة للاحتكارات المالية والعسكرية الأمريكية، بعد كشف زيف كل إدعاءاتها حول غزو العراق.

وفي لبنان تمارس نفس اللعبة الأمريكية، فالدعم والإسناد الأمريكي والإسرائيلي والغربي لحكومة السنيورة، والتي تدار من قبل السفارات الغربية في بيروت، هو لضرب وحدة لبنان ومقاومته وعلى رأسها حزب الله وعروبته، والإصرار على بقاء حكومة السنيورة رغم عدم شرعيتها ودستوريتها، ليس لكون هذه الحكومة تحقق مصالح وأهداف الشعب اللبناني، بل لكون هذه الحكومة، تسير وتنفذ وتخدم السياسات والأهداف الأمريكية في المنطقة، وفي الوقت الذي تكف فيه عن لعب هذا الدور، فالإدارة الأمريكية ستضحي بها، بل ومستعدة للإطاحة بها، كما هو حال حكومة المالكي في العراق.

أما في فلسطين فالديمقراطية الأمريكية كشفت عن زيفها وعدم صدقيتها مبكراً، عندما رفضت بشكل قاطع نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، لأنها أفرزت خيارات فلسطينية تتعارض وتتصادم مع المشروع والسياسات الأمريكية في المنطقة، وبالتالي فرضت حصاراً ظالماً على الشعب الفلسطيني، عقاباً له على خياراته، ودعمت حسب قول هاني الحسن في لقاءه مع الجزيرة، وهو من أهل البيت، تياراً في الساحة الفلسطينية مادياً وعسكرياُ من أجل إسقاط الحكومة الفلسطينية، هذا التيار بممارساته ومسلكياته ووضعه العصي في دواليب الحركة، دفع حماس لردة فعل غير محسوبة ومدروسة، وهي حسم الأمور عسكرياً في القطاع.

وهذا الحسم العسكري المرفوض والمدان، دفع الأمور إلى المزيد من التعقيد والتأزم، وأدخل المشروع الوطني الفلسطيني في مرحلة غاية في الخطورة، حيث أقدم الرئيس على تشكيل حكومة طوارئ، والتي رأى أحد وزرائها في ذلك فرصة لإدانة كل تاريخه وماضيه، ولكي يثبت للحكومة وأهل البيت ومن خلفهم الأمريكان، أنه كاثوليكي أكثر من البابا، وأنه يجيد فن القدح والردح والتهجم والتطاول والتحريض، وأنه براء من كل نهج المقاومة، هذا النهج "المدمر والمغامر"! وجند نفسه ونذرها لشن حملة شعواء على حماس، ووصفها بأوصاف لا تستخدمها إسرائيل وأمريكيا، حتى أن صاحبنا، لكي يثبت ولاءه وإخلاصه، صار خبيراً في التصنيفات والبصمات، حيث قال بأن 79 من العالقين على معبر رفح، والذين يعيشون مأساة حقيقية نتيجة الإحتلال وممارساته، تلقوا تدريبات في إيران وقطر وسوريا..

كنت أتمنى على هذا الوزير أن يحافظ على توازنه، وأن يبتعد عن التشنج وردات الفعل، وأن يؤكد على الحوار الفلسطيني، الحوار المثمر المستند إلى أسس وقواعد وبرامج يحتكم ويلتزم بها كل ألوان الطيف السياسي، فهو في قرارة نفسه يعرف، أن هذه الحكومة الذي هو أحد أعضائها، ليست شرعية وطارئة وهي حكومة تصريف أعمال لمدة شهر، وبعدما تهدأ النفوس وتبدأ الجروح في الالتئام، أول من يكون خارجها هو، وعليه أن يأخذ العبرة ممن سبقوه، فالكثير ممن احتضنهم الأمريكان وكانوا أكثر قوة ونفوذاً منه، ضحوا بهم في "أول لفة "، وتركوهم يواجهون لعنة وغضب شعوبهم، فالشعوب لا ترحم وحضنها أدفأ وأكثر حناناً من كل الأحضان الغريبة والدخيلة على شعبنا، وهذه الفصائل والأحزاب بمختلف ألوانها وتسمياتها، هي التي حمت المشروع الوطني، ومن أجله دفعت الكثير الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى، والفصائل والأحزاب ليست منزهة عن الأخطاء، وحماس ليست وحدها المخطئة، والمسألة لا يتم علاجها في إطار التصالحات والتفاهمات العشائرية، واستمرار حملات التحريض وعبارات التخوين والتكفير والقدح والذم والتشويه، وإذا كانت حماس ارتكبت خطيئة، فهناك من ارتكب خطايا، فالمحاسبة والمساءلة يجب أن تطال كل الذين ارتكبوا الخطايا بحق شعبنا ومن رأس الهرم أولاً.

التعليقات