31/10/2010 - 11:02

من يقيم في البيت الأبيض: بوش أم أوباما؟../ نصري الصايغ

من يقيم في البيت الأبيض: بوش أم أوباما؟../ نصري الصايغ
لا تظلموا أوباما. أعطوه فرصة. نواياه حسنة. مهمته مستحيلة. سيجعلها ممكنة. لذا، لا تحكموا عليه من بعيد. من صفاته العناد والمثابرة والذكاء، أعداؤه في الداخل ينقضون عليه. لا يزال صامداً، وها هو الآن قد بلغ سن القوة، بعد عام ونصف من الإقامة في البيت الأبيض.

كتابات كثيرة من اليمين الأميركي، الجمهوري والنيو جمهوري، لا تفتأ تفتك بأوباما: رخو، متردد، يتحلى بصفات الكلام وعجز الأفعال. يساري، يقود أميركا الى الاشتراكية (هذا هو مستوى الذكاء الأميركي)، يسعى الى ضرب الأصدقاء لا حمايتهم. إيران تجره من أنفه، أوروبا تتحداه في معالجة أزمتها المالية... الى آخر معزوفة الاتهامات، التي تتقنها آلة اليمين الإعلامية.

كتابات مضادة كثيرة، استعادت عافيتها مؤخراً، تدافع عن باراك أوباما. مقالات كثيرة كتبت أن أوباما أمسك بزمام المبادرة. ليس رخواً ولا مترهلاً. وأدلّتهم على هذا الاستنتاج، متشابهة تقريباً، إذ لا يشذ مقال عن آخر، إلا في ترتيب إنجازات الرئيس الأميركي الحاسمة.

استطاع أوباما أن يثبت كفاءته وقيادته وعصمة قراراته. طرد كريستال من مركزه، استدعاه من الجبهة وأقاله. استطاع أوباما أيضا أن يلزم شركة النفط الملوثة للشواطئ الأميركية، بدفع 20 مليار دولار كتعويضات. وحارب بجدارة أعظم امبراطورية مالية، وقاد أركانها الى المساءلة. وبعدها، لم يعد ساخس رئيس الولايات المتحدة الأميركية الفعلي... أما المعركة الحاسمة التي تفوّق فيها، فهي معركة نظام الضحايا الصحي الجديد في أميركا، وهو ما عجز عنه الحزب الديموقراطي في عهوده الذهبية، وتحديداً مع كلينتون.

برافو أوباما... لكن بالمناسبة، لسنا أميركيين، ولسنا نقيم في البيئة السياسية الإعلامية الأميركية، ولا نمت بصلة مصلحة في هذه المعارك والانتصارات... ولكن أيضا، إذا حاولنا قياس نجاحات أوباما، فسنجد أنه انتصر في معارك، كان الخصم فيها قد ترنح، من الأمثلة المردودة إقالة كريستال. ان أي رئيس دولة هش، سخيف، «مرتْ»، لا يمكنه أن يقبل بإبقاء قائد قواته العسكرية في الجبهة، بعدما أتاه من كلام ونقد وتجريح بأوباما بالذات...

إن الإعلام الأميركي، إن شاء، جعل من الحدث الكبير ضفدعة، ومن الحدث الصغير بقرة... مسألة كريستال أقل ما يقال فيها، إنها تدبير إداري، لا تصل الى درجة المسألة الهامة ولو بنسبة ضئيلة... ثم، هذه أميركا وليست دولة من دول الموز العربي؟

المسألة الثانية، هي فوزه على شركة نفط عملاقة، تمرغت في أمواج المحيط وتبهدلت على الشواطئ... لقد هزمها التسرّب وليس أوباما. ومسألة ساخس، كانت قد بلغت ذروة الانحطاط، بعد السلوك الاستعلائي والانقضاض على الدعم المالي المقدم من المكلفين الأميركيين.

ما يهنئه عليه الأميركيون، كمواطنين يدفعون الضرائب، هو فوزه على الشركات الضامنة العملاقة، بعد تقليم أظافر مشروعه، ليمر في الكونغرس الأميركي.

وعليه، لا يزال أوباما دون المستوى المطلوب... فهو ضعيف جداً، إزاء أساطيل المال، وسراديب السياسة، وشبكات الايباك، والنفوذ الصهيوني في قلب العاصمة وأطرافها ومفاصلها الحيوية، المالية (البورصة والمصارف) والإدارية (أجهزة الإدارة والكونغرس) والإعلامية (الإمبراطورية المحافظة) والدبلوماسية (كلينتون وجماعة تل أبيب).

ثم... اننا لسنا أميركيين، وعندما ننظر الى أوباما، نرى فيه السياسة الأميركية النافذة. نرى هولبروك في أفغانستان، مبعوثه المتنقل فيلتمان، بين لبنان وإسرائيل والعراق... نراه في جورج ميتشل، الذي تحول الى دجاجة عجوز، لا تبيض إلا إذا أذن لها الإسرائيلي بذلك.

نحن لسنا في أميركا...
نحن هنا: في لبنان تحديداً، وسياسة الولايات المتحدة الأميركية كما أفصح عنها فيلتمان في الكونغرس، تضع المقاومة في لائحة الإرهاب، وهدفها (مع حزب الله) «زعزعة الاستقرار في البلد والمنطقة على نطاق واسع، يخزن القرار 1951، عبر استعادة وتيرة التسلح بطريقة مذهلة، وهو يهدد مصالح الولايات المتحدة الأميركية وشركائها وعلى رأسهم إسرائيل». وعلــيه، فإن سياسة وكلائه المحليين والخارجيين، العــمل على قطع تمــويل الإرهاب (أي حزب الله) واعــتراض الشحــنات، إضافــة الى الجهــود الدبلوماســية.

وإذا قيل لنا إنه لا يلوّح باستعمال القوة، ولهذا السبب هو مختلف عن جورج بوش، فالجواب: «المقاومة هزمت بوش الابن، وغزة هزمت بوش وأوباما معاً. والحرب لم تعد لغة ذات منفعة راهنا في التعامل مع لبنان».

لا ننتظر أوباما. لا فرصة له حتى الآن. سنة وأيام على خطاب القاهرة... يا حرام! أين كنا وأين بعدنا وأين صرنا! لا شيء. مكانك راوح.

من الشرفة اللبنانية، نرى السياسة الأميركيــة، مع أوباما، من منظار مختلف، عن المقيمين هنــاك، وبمنــظار مناقــض، عن مؤيدي أوباما، المقيمين هنا بيننا، لأنه من المفتـرض أن يــروا ما يلي:

أولاً: القدس تودع عروبتها، هي قيد التهويد النهائي، على مرأى أوباما ومسمعه ومعرفته. المستوطنات، حرب إسرائيل الرابحة، تقضم كل يوم أرضا، وتهدم كل ساعة بيوتا.
جورج ميتشل يعرف ويكتب ويرسل التقارير، جو بايدن أكل الصفعة وهضمها ونسيها. فماذا فعل أوباما؟.

ثانياً: غزة محاصرة، بتأييد أميركي مبرم، ولم يفكر أوباما بتخفيف الحصار إلا بعد الاعتداء البربري على قافلة الحرية «الإنسانية» جداً، ولفك العزلة عن إسرائيل، ووقف الحملة العالمية عليها، ولدفع ثمن ما لتركيا الغاضبة، ولولا شهداء قافلة الحرية، لظل أوباما الشيطان الأخرس، وهو أفضل من نطق خطابة، وان «من البيان لسحرا».

ثالثاً: منذ عام ونيف، طالب نتنياهو بوقف الاستيطان، بتجميده، بتأجيله، ببرمجته، بـ... ولم يفعل أوباما، سوى انه استقبل نتنياهو ثلاث مرات، والرابعة قريباً، وفي المرة الثالثة، رفض أن تؤخذ له صورة مشتركة معه، وان يعقدا مؤتمراً صحافياً على جاري العادة. هذا أقصى ما فعله أوباما.

رابعاً: ما زال أوباما مجداً ومجتهداً في دفع العالم، كل العالم إذا استطاع، لمعاقبة الجمهورية الإسلامية في إيران. ومن يظن ان هذا الهجوم بسبب النووي المفترض، مجنون أو مشتبه. أميركا تعاقب إيران منذ ثورة الخميني. وتصاعد العقوبات هو نتاج تصاعد قوة إيران السياسية، وقوة إيران العسكرية، وقوة إيران الإقليمية، ودعمها لفلسطين ومقاومتها المسلحة، إن من فلسطين، أو على ضفاف فلسطين.

فهل هذا واضح ومفهوم، ام هو ملتبس؟ لقد سارع الى تجنيد العالم كله، لقتل اتفاق طهران مع البرازيل وتركيا، حول التبادل والتخصيب. فعقد مجلس الأمن جلسة صدحت فيها العقوبات الأميركية، بتوقيع أوباما نفسه، مقلّداً بكل أسف، نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني.
ما الفارق بينهما؟

خامساً: كان من المفترض أن تتغيّر سياسته في المنطقة، فقط ليكون صادقا مع المسلمين، فعندما خاطبهم في تركيا ومصر، اعتبره البعض، من ذوي الأغــراض ومن ذوي النوايا الباهــتة، انه نصف نبي. ولولا الكفر لولّوه عليهم هنا، وليـــس من بعيد، كما هي الحال لدى أنظمة الخدمات العربية الميسرة التي يقدمــها ساســة النظام الرسمي العربي، لقاء دعم ســلطاتهم الاغتصــابية والاستــبدادية.

لم يحصل أن تغيّر شيء. ازداد عدد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، وازداد حجم الفراغ والنزاع في العراق (وقد دمره سلفه ولم يبن أوباما حجراً فيه).

سادساً: كان جورج دبليو بوش لا يزال في البيت الأبيض، حسبما يقول الكاتب التركي فهمي قورو... لقد نسي بوش أسامة بن لادن، وفتك بأفغانستان والعراق، وأوباما مستمر في نهجه. وقد أضاف إليه، توسيع القصف العشوائي لمواقع «إرهابية» في الباكستان، لا يقتل فيها غير المدنيين. كما انه وسع جهوده العسكرية الى اليمن، حيث تقوم طائراته العسكرية، بتصفية مدنيين عزل فقراء وأبرياء، بحجة أنهم يؤوون إرهابيين.

سابعاً: لم تتجرأ إدارة أميركية على محاسبة هيلين توماس عندما كانت تكيل الأسئلة الاتهامية لرؤساء أميركا. ولكنها، عندما أفلتت عبارات مناهضة لإسرائيل، حذفت. وبالأمس القريب، لم يكن اللقاء ودياً بين أوباما وأردوغان، انه يعامل كمذنب، ليس بسبب منع تركيا من استخدام أراضيها وأجوائها لغزو العراق، بل لأن تركيا تطالب إسرائيل بالاعتذار والتعويض والتحقيق العادل ورفع الحصار عن غزة.

في أميركا تستطيع أن تكون ضد أميركا، ضد الرئيس، ولكنك لا تستطيع أن تكون ضد إسرائيل، وإلا تدفع ثمناً غالياً.
أوباما بطل؟

ما زال الوقت باكراً جداً، وقد لا يأتي ذلك اليوم أبداً، لان أوباما لا يزال يتصرف في منطقتنا على الأقل، تصرف القراصنة... و«لا تظنن أن الليث يبتسم».
"السفير"

التعليقات