31/10/2010 - 11:02

نفوق الطيور ومطاردة إبليس/أحمد إغبارية

نفوق الطيور ومطاردة إبليس/أحمد إغبارية
صار الإنتحار الجماعي الموسمي للحجيج في طقوس رمي الجمرات عاديًا أكثر من نفوق الطيور المصابة بالإنفلونزا، بل يكاد المرء يظن أن الانتحار الجماعي على هذه الشاكلة ما هو إلا شعيرة من شعائر الحج يؤديها ضيوف الرحمن كلما حلوا في الديار المقدسة، فتقضي المناسك إذ ذاك بذبح الناس النازلين في منى بعد يوم أو اثنين من ذبح الأضاحي في عرفه.

ساهمت النشرات الإخبارية التي طالعنا بها الإعلام الرسمي العربي- ومن لفّ لفه من فضائيات- في التقليل من فداحة الكارثة وهولها، والتنصل من المسؤولية الأخلاقية للدولة المضيفة، وذلك من خلال تعويض القتلى ومنحهم لقب "الشهادة" لقاء سقوطهم في معركة ضد عدو غيبي هو إبليس، في حين لا يعترف هذا الإعلام إلى الآن، وإن فعل فعلى استحياء، باستشهاد من يقتل في معركة ضد عدو حقيقي في العراق مسافة كيلومترات قليلة من مكة المكرمة.

بل إن بعض الفضائيات التي نقلت "استشهاد" الحجيج نقلاً حيًا بثت - بالتزامن مع ذلك- أخبارًا سريعة في أسفل شاشاتها عن فلسطينيين وعراقيين قُتلوا دون أن ترقى بهم إلى مستوى الشهادة!

فارق جوهري يفصل بين هذا الموت غير المبرر ونفوق الطيور: فالأول مأساوي حتى السخرية لأنه طوعي يركض فيه الحاج بكل ما أوتي من إرادة وبلاهة ليرجم عدوًا يظن أنه واقف هناك ينتظر جمراته مثل لاعب التنس الذي يتنظر كرات الخصم. طيور الإنفلونزا، من جهتها، لا تذهب إلى حتفها ولا "تستشهد" ولا تموت موتًا غبيًا ولم ينعتها المتنبي مرة بأنها "أمة ضحكت من جهلها الأمم"، لا لسبب إلا لأنها تقدس الحياة بفطرتها وطبيعتها وسليقتها. الطيور وإن ماتت فموتها قسري ولأسباب لم تكن هي ضالعة فيها، ولأنها كذلك فهي تحظى بتعاطف أكثر من الحجيج الذين يموتون مجانًا حتى وإن كانوا في ضيافة الرحمن.

أذهلتني لهجة التخفيف التي أبداها التلفزيون السعودي حيال مقتل 350 حاجًا من حجاج بيت الله، بقدر ما هالني التخريج الفقهي الذي نصّب القتلى شهداء على اعتبار أن هذا الموت هو أفضل ما يصبو إليه مسلم وأقصى ما يتمناه حاج. ما دام الأمر كذلك، لماذا لا تكسب دولة السعودية أجرًا إضافيًا بتقصيرها طريق المزيد من الحجاج إلى الجنة الموعودة؟

حاولت الصياغة الكاريكاتورية لهذا المشهد الدامي التقليل من حجم المأساة- الملهاة والتقليل من كرامة العربي والمسلم في دولة يظلّ فيها النفط أغلى سعرًا من الدم. كيف للعالم أن يقدّر كرامة أمة لا تعرف قدر نفسها ولا تعرف كيف تحترم قيمها الدينية والروحية، وتجعل أسعار أبنائها في أدنى درجات الإنسانية، وتسهّل بذلك قبول الرأي العام الغربي واستساغته لقتلهم وإبادتهم في أماكن أخرى كالعراق وفلسطين؟

من الاجتهادات المأثورة عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن رفض دفع الزكاة، وهي واحدة من فرائض الإسلام الخمسة، لفئة ممن تجوز فيهم - وهم المؤلفة قلوبهم. فقد وجد في عقله الاجتهادي المتنوّر ما يسوّغ له نسخ حتى ما نصّ عليه ظاهر القرآن، لأنه ببساطة وجد اختلالاً في شروط دفع الزكاة لهذه الفئة. ولي أن أتساءل: هل من فقيه ممن تغصّ بهم الفضائيات من يجرؤ على إعادة النظر بالحج وشعائره على اعتبار أن شروط أدائها قد اختلت، وأن إبقاء 350 مسلمًا على قيد الحياة أفضل من أن يدوسوا على بعضهم البعض بمهانة مقززة ليسقطوا في كل موسم بالمئات؟ لماذا لا يكتفون بالعمرة ما دام الحج ينطوي على هذه المجازر؟

هل كان إبليس بالفعل واقفًا في منى يترقب لقاء الملايين من الحجاج الآتين لرجمه؟ هل هو غبي إلى هذا الحد؟ ألا يكون إبليس في مكان آخر، على سبيل المثال، ألا يكون في بيوت الناس الذين يوهمون أنهم خارجون لرجمه؟ أليس حريًا بالحجاج رجم الأباليس الحقيقية التي تعيش في قلوبهم وبين ظهرانيهم من أن يرجموا عدوًا غيبيًا؟

التعليقات