31/10/2010 - 11:02

نقاش سياسة إسرائيل الأمنية والعسكرية بعد فك الارتباط/ عباس إسماعيل

نقاش سياسة إسرائيل الأمنية والعسكرية بعد فك الارتباط/ عباس إسماعيل
طرحت خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، لفك الارتباط عن غزة وشمال الضفة، جملة من الأسئلة والاشكاليات على جدول الأعمال الإسرائيلي على الصعد كافة.

من بين الأسئلة التي طُرحت قبل تنفيذ الخطة- والذي ما زال مطروحا ويبدو أنه لن يغيب مستقبلا عن جدول الأعمال- يتلعق بالسياسة الأمنية والعسكرية التي ستعتمدها المؤسسة الأمنية بمصادقة المستوى السياسي، في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، لا سيما في حال استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية. ويكتسب هذا السؤال أهميته في ضوء المستجدات والتطورات، الميدانية والسياسية والقانونية، التي خلفها إخلاء المستوطنين وانسحاب الجيش الإسرائيلي ( قريبا) من قطاع غزة وشمال الضفة.

وتجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أنه سبق لشارون أن حذر عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة من أن تحول قطاع غزة إلى قاعدة لانطلاق عمليات المقاومة الفلسطينية سيجلب ردا قاسيا جدا لم يسبق له مثيل.

ولهذه الغاية، أجرى الجيش الإسرائيلي مؤخرا، وفق تقارير صحفية إسرائيلية عديدة، مداولات ونقاشات واسعة حول السبل التي يتعين اتخاذها في حال تواصلت عمليات إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة بعد الانسحاب منه، وإذا ما امتد اطلاق القذائف المنحنية المسار إلى مناطق الضفة الغربية، التي يرى فيها المسؤولون السياسيون والأمنيون ساحة الحرب الرئيسية المستقبلية بين الفلسطينيين وإسرائيل، ليس على المستوى الأمني فقط، بل وعلى المستوى السياسي، حيث ثمة علاقة حتمية وصلة وثيقة بين هذين المستويين وحسم نتيجة الحرب.

ويظهر ان الاتجاه العام الذي ساد تلك المداولات التي شارك فيها خبراء في القانون الدولي، يفيد أن قواعد اللعبة السابقة قد تغيرت على اعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي زال عن قطاع غزة، وبالتالي لم يعد القطاع منطقة محتلة لا سيما بعد الاتفاق المصري-الإسرائيلي على إخلاء محور فيلادلفي، وهذا ما يمنح الجيش الإسرائيلي، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، " حق الدفاع عن النفس" وحرية حركة أكبر على الصعيدين العسكري والأمني، وغطاء سياسيا وقانونيا على الساحتين الداخلية والخارجية.

على هذا الأساس، يتساءل كثير من المراقبين في إسرائيل وخارجها حول طبيعة السياسة الإسرائيلية العسكرية. فهل سيقوم الجيش الإسرائيلي مثلا، بقصف القطاع عند سقوط أول صاروخ قسام بغية تثبيت قدرة ردع ومنع المنظمات الفلسطينية من مواصلة عملياتها من جبي الثمن من غزة ردا على اعداءات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية؟ ثم ما هو تأثير الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل على طبيعة السياسة العكسرية الإسرائيلة لا سيما في ضوء المعضلة التي يواجهها شارون الآن في أوساط حزبه، وهل سيتم تحديد أولويات هذه السياسة وفقا لمزاج اليمين الإسرائيلي، أم وفقا لرياح الأسرة الدولية والإدارة الأميركية بشكل خاص، دون أن ننسى بالطبع التأثير المحتمل للانتخابات التمهيدية داخل الليكود ولتقديم موعد الانتخابات العامة على السياسة المرتقبة.

مع ذلك، إذا قُيد الحكم على هذه السياسة وفق التصريحات والتسريبات الصادرة عن كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، فيمكن القول أن الجيش الإسرائيلي سيأخذ جانب الحذر في كل الاعتداءات التي يبادر اليها، بينما العكس هو الصحيح في حال تعرضه لعمليات المقاومة الفلسطينية، وهو ما تجلى في تأييد رئيس الاركان دان حالوتس، قصف المناطق الفلسطينية بالمدفعية بعد انذار السكان .

حفلت الساحة الإسرائيلية بإجابات وتحاليل حول طبيعة السياسة العسكرية التي ستُعتمد بعد فك الارتباط، والتي ركزت على شدة هذه السياسة وبطشها وعلى تحررها من سلسلة من القيود السابقة، وبالتالي لن تعرف حدود، وذلك في محاولة واضحة ومكشوفة للتهويل على فصائل الانتفاضة والسلطة الفلسطينية على حد سواء، لردع الأولى عن ممارسة نشاطها ولحث السلطة الفلسطينية على العمل لوقف نشاط المقاومة على أمل النجاح في ذلك أو الدخول في مواجهة فلسطينية داخلية؛ ولكن ثمة لهذه المواقف الإسرائيلية المتشددة عنوان داخلي أيضا يرتبط بالرسالة التي يظهر أن شارون وأركان حكومته معنييون ببثها والتي تفيد أن الانسحاب من غزة لن يعني بأي حال من الأحوال تخلي إسرائيل عن استخدام القوة والعنف، بشكل مضاعف في هذه الحالة، ضد الفلسطينيين.

أيا يكن طبيعة السياسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بعد فك الارتباط، ومهما كثرت المداولات والتحليلات والتسريبات والرسائل المرتبطة بهذه السياسة، ثمة سؤال بديهي يطرح نفسه أمام كل متابع ومراقب لمسار المواجهة الفلسطينية-الإسرائيلية، وهو هل ثمة وسيلة أو اسلوب أو سلاح لم تلجأ اليه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية طوال سنين الانتقاضة الخمس الأخيرة؟ وهل ثمة حتى الآن قيد أو حدود سياسية أو أخلاقية أو قانونية أو عسكرية أو اقتصادية لم تتجاوزها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يموافقة المستوى السياسي؟.

إذا كان الجواب على هذه الأسئلة سلبي، وهو كذلك، فلا قيمة استثنائية للنقاش الإسرائيلي المتعاظم الدائر حول هذه المسألة؛ ومع افتراض أن الإسرائيليين يعون هذه الحقيقة، لا يبقى امامنا مجال سوى الاعتقاد أن هذا النقاش مكانه الساحة الإسرائيلية وهدفه ثنائي، الداخل الإسرائيلي والداخل الفلسطيني.

التعليقات