31/10/2010 - 11:02

نهر الدم الذي أخطأ المصب../ خيري منصور

نهر الدم الذي أخطأ المصب../  خيري منصور
حسب استطلاع أولي، وبعد فحص عيّنات انتخابية أصبح باراك قاب صندوقين أو أدنى من النجاح، وبالمقابل، وبعد فحص عينات من الدم الفلسطيني المسفوح في غزة، أصبح الشقيقان اللدودان “فتح” و”حماس” قاب قتيلين أو أدنى من الفوز، لكنه فوز يستحق فتح دور العزاء، والعار فيه لا الغار هو العلامة السوداء التي ترسم الآن على كل شجرة وزقاق وحجر في فلسطين.

لقد احتفل الشقيقان بالذكرى الأربعين لحرب حزيران/ تموز بقتل أربعين فلسطينياً من الجانبين، وربما من جانب ثالث لا ناقة له ولا جمل في هذه المعركة الخرقاء، التي ينقض فيها الفلسطيني على نفسه.

لم تكن مكة خاتمة المطاف، ولن يكون أي اتفاق آخر يهلل له الإعلام الأعور النقطة الحمراء الأخيرة في السطر الدموي، الذي يتحمل الطرفان صياغة كل حرف من حروفه.

ما يجري في غزة ويتمدد إلى الضفة الغربية هو انتحار فلسطيني، وأية تسمية أخرى هي ضلالة وتواطؤ.

أربعون قتيلاً فلسطينياً في الذكرى الأربعين، فهل يكفي لكل عام من أعوام الفيل الأسود والثور الأبيض قتيل واحد كي يكون لكتاب الهزيمة ملحق يليق به؟

إن كل ما قيل حتى الآن عن هذا الانتحار لا يكفي، لأنه لا يسمي الأشياء بأسمائها، ويضع مسافة ما للوقاية من التأويل، ونحن نقول بملء الفم، بل بملء الجرح إن من يشهر كفاً، وليس سيفاً أو بندقية أو مسدساً، في وجه أخيه السجين المحاصر هو عدو تاريخي لشعبه حتى الأبد، لأن الشعب الفلسطيني يعاني ما يكفي لأن تتوزع حمولته على البشرية كلها، وليس لديه فائض من الدم والدمع، كي يقتتل ويحترب مع نفسه.

ولو لم يكن هناك احتلال وحصار وإبادة لقلنا إن ما عبر عنه الشاعر الجاهلي، الذي قال إنه سيغزو أخاه بكراً إن لم يجد من يغزوه، هو التفسير السايكولوجي والتاريخي لهذه المرحلة من الانحطاط، لكن ما يجري على أرض غزة غير ذلك، بل أبعد من ذلك وأنكى من أي يوم من أيام العرب القدماء وهم هائمون في صحرائهم بلا بوصلة.

“فتح” تقول عن “حماس” إنها صهيوحماسية، و”حماس” تقول بدورها إن “فتح” هي صهيوفتحاوية، هذا التبادل في الهجاء السياسي يكفي لخلط الأوراق، وإعادة ترتيب القوائم بحيث يحل الشقيق مكان العدو، عبر متوالية كيدية وثأرية قد تأكل الجميع ثم تأكل نفسها كالنار.

ما الذي تشتهيه الصهيونية ودولتها أكثر من هذا؟ إذا كانت الضحية تنوب عنها في الإجهاز على ما تبقى؟

كم هي محظوظة هذه الدولة العبرية بحلفائها ومن كانوا للتو أعداءها؟

حلفاؤها منذ بلفور حتى بوش الثاني أمدوها بالجلوكوز والبارود والفيتو والدولار، ومن كانوا للتو أعداءها أداروا ظهورهم لها، كي يقتل بعضهم البعض الآخر.

إنه مشهد كارثي، لا تكفي أية تراجيديا لتوصيفه.

وما لم يخطر ببال المنتحرين بأيدي بعضهم هو ماذا نسمي هؤلاء القتلى؟ وفي أية مقبرة سينامون الليلة؟

إن الدم الفلسطيني الذي حفظ منبعه حتى آخر نبض يخطئ الآن المصب.

"الخليج"

التعليقات