31/10/2010 - 11:02

هجوم دبلوماسي في الخريف وآخر عسكري في الشتاء../ د.عصام نعمان

هجوم دبلوماسي في الخريف وآخر عسكري في الشتاء../ د.عصام نعمان
قواعد الحرب العسكرية تقضي بعدم الإعلان عن هجوم إلا بعد تنفيذه. قواعد الحرب الديبلوماسية تقضي بالإعلان عن الهجوم قبل موعد تنفيذه. ففي الحرب الأولى المباغتة شرط للنجاح، فيما المكاشفة شرط للنجاح في الثانية.

جورج بوش أعلن مطلعَ الأسبوع هجوماً دبلوماسياً واسعاً موعده الخريف القادم. لكن دوائر البيت الأبيض القريبة من نائب الرئيس ديك تشيني أسرّت لصحيفة “ذي جارديان” البريطانية أن هجوماً آخر، عسكرياً، قد يشنه بوش في الشتاء القادم. أيهما نصدّق... الرئيس الأمريكي أم الصحيفة البريطانية؟

يمكن تصديق الاثنين. فالهجوم الدبلوماسي لا يتعارض مع الهجوم العسكري بل يمهّد له. ذلك بأن الحروب، حتى الاستباقية منها، تتطلب تمهيداً سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً للوفاء بمتطلباتها وإنجاحها. هل ننسى ان بوش وزمرته من “المحافظين الجدد” قرروا شن الحرب على العراق في اليوم التالي لأحداث 11/9/،2001 لكنهم لم يباشروها إلا بعد مرور نحو 17 شهراً على وقوعها؟ في هذه الفترة الفاصلة كانت أمريكا تستعد على جميع المستويات لشن الحرب وضمان نجاحها.

لكن الحرب على العراق وفيه لم تنجح بدليل أنها ما زالت، رغم مرور أربع سنوات ونيف على اندلاعها، مستمرة ومتفاقمة. بوش وفريقه يعانيان من تكلفة الحرب مالياً وسياسياً، فضلاً عن تهديدها حظوظ حزب بوش الجمهوري في الانتخابات المقبلة.

فقد تكلّفت أمريكا لغاية الوقت الحاضر أكثر من 450 بليون/ مليار دولار على حربها العدوانية الفاشلة، والنزف ما زال مستمراً. غير أن الخسارة الأفدح تتجلى في السياسة وفي مستقبل صراع أمريكا مع أعدائها في المنطقة. فقد تسبّبت الحرب ضد العراق في نفور عالم الإسلام من الولايات المتحدة بل في تصعيد العداء السافر لها. كما تسبّبت في توسيع انتشار منظمة “القاعدة” وتنظيمات العنف الأعمى ليس في العراق فحسب بل في سائر البلدان الإسلامية أيضا.

بوش وفريقه يخشيان من ان يتطور انتشار منظمات “الإرهاب” إلى تمكينها من إقامة قواعد لها في العراق وأفغانستان وغزة ولبنان والصومال وحتى باكستان، وان تستخدم هذه القواعد في المستقبل المنظور ل “ضرب أمريكا في معقلها” الداخلي. أليس هذا ما شددت عليه خلاصة دراسات أجراها 16 مركزاً استخباريا تابعاً لمنظومة الاستخبارات المركزية الأمريكية وضمّنها تقريراً صدر أخيراً؟

أكثر من ذلك، ثمة مشكلة لوجستية تكتنف انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وزير الدفاع روبرت غيتس عبّر عنها بقوله: “الأمر لا يتعلّق بالجنود وحدهم بل بملايين الأطنان من المعدات التي تعود للحكومة الأمريكية فضلاً عن أمور أخرى”. مسؤول رفيع في وزارة الدفاع كان أكثر صراحة من رئيسه. فقد أسرّ إلى “وكالة فرانس برس”، طالباً عدم كشف هويته، بأنه “إذا اضطررنا للرحيل بسرعة، فذلك قد يتضمن ترك القسم الأساسي من العتاد والتجهيزات في العراق”. إلى من تتركها أمريكا هناك؟ لم يشر المسؤول الأمريكي إلى الجهة المستفيدة، ربما لأنها... المقاومة العراقية تحديداً! ماذا عن المدة اللازمة لإنجاز عملية انسحاب الجنود وسحب المعدات؟ غيتس يقول انها تتطلب سنة كاملة، فيما يجزم مرؤوسه المسؤول في “البنتاغون” بأن الأمر يتطلب تسعة أشهر للانسحاب من دون معدات وسنتين للانسحاب مع المعدات.

بوش، إذاً، في ورطة حتى لو أراد الانسحاب. فالأمر لا يتطلب قراراً استراتيجيا خطيراً فحسب بل يتطلب ايضا زمنا مديداً قد يصل الى سنتين، فكيف السبيل الى معالجة كل هذه الصعوبات؟

يبدو ان بوش اختار معالجة معضلة الانسحاب اللائق بشراء الوقت اللازم لذلك من العرب وإيران. كيف؟ بالدعوة الى “اجتماع دولي للسلام” في الخريف من أجل إحياء العملية السياسية “وذلك بالتأكيد على حل الدولتين ونبذ العنف الفلسطيني والاعتراف بحق “إسرائيل” في الوجود ودعم حكومة عباس ومناهضة حماس”.

هذا ظاهر الدعوة. أما باطنها فهو إقناع “عرب الاعتدال” بأن تصاعد نشاط منظمات الإرهاب في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان والصومال وباكستان، واحتمال حصولها على قواعد ومنطلقات فيها، إلى جانب تطور إيران إلى قوة إقليمية مركزية ذات قدرات نووية، قد أفرز حقائق ومخاطر وتحديات جديدة. ذلك كله يتطلب، في نظر واشنطن، تحجيم تحديات الصراع العربي “الإسرائيلي” في ضوء التحديات البازغة من إيران النووية. كما يتطلب تسوية الصراع الأول مع “إسرائيل” لمصلحة الاصطفاف والتحالف لمواجهة الصراع الثاني والأشد مع إيران.

“إسرائيل” رحبت، بلسان ايهود اولمرت، بدعوة بوش. ذلك لأنها بحاجة هي الأخرى إلى شراء الوقت اللازم لتجاوز أزمة اندحارها قبل نحو سنة أمام المقاومة اللبنانية ولإنجاز مستلزمات إعادة تأهيل الجيش “الإسرائيلي” بغية مواجهة مقاومة مقتدرة في لبنان من جهة وسوريا أكثر اقتداراً على الصعيد الصاروخي من جهة أخرى.

لكن “إسرائيل” غير مستعدة، على ما يبدو، لتقديم أي تنازلات محسوسة في القضايا الخلافية الأساسية. فقد بددت المتحدثة باسم أولمرت ماري ايسن توقعات حكومة محمود عباس بقولها: “أعلنت “إسرائيل” بوضوح استعدادها لإجراء محادثات عن قضايا الأفق السياسي وعن كيفية تحقيق رؤية قيام دولتين لشعبين، لكننا كنا في غاية الوضوح بأننا غير مستعدين في هذه المرحلة لمناقشة القضايا المحورية الثلاث: الحدود واللاجئين والقدس”. صباح الخير أيتها الأوهام!

هذا بالنسبة لهجوم بوش الدبلوماسي في الخريف. ماذا عن هجومه العسكري (المحتمل) في الشتاء؟

صحيفة “ذي غارديان” البريطانية نسبت إلى مصدر مطلع في واشنطن أن الميزان في النقاش الداخلي في البيت الأبيض مال من جديد إلى تفضيل العمل العسكري ضد إيران قبل رحيل بوش عن السلطة خلال 18 شهراً. ذلك بأن “بوش وتشيني لا يثقان بأن يقوم خَلَفاهما المقبلان في البيت الأبيض بالتعامل بشكل حازم مع إيران...” أما ما يحفّز بوش وتشيني على ضرب إيران فهو “قيامها بتسليح المتمردين في العراق وأفغانستان والسعي لبناء سلاح نووي”. لكن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي والناطق باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك تحدثا اخيراً عن جولة جديدة من المباحثات بينهما في المستقبل القريب، فهل من شأن ذلك إبعاد شبح الحرب؟ ليس بالضرورة. ذلك ان مفاوضات الخريف في صدد العراق، شأن هجوم الخريف الدبلوماسي في صدد فلسطين والمنطقة قد يكونان مجرد تمهيد وتغطية للهجوم العسكري المحتمل ضد إيران.

لعل الرئيس بشار الأسد مصيب بقوله في خطبة تأدية اليمين لولايته الرئاسية الثانية: “إن العام 2007 هو عام مصيري، وان الأشهر الباقية من هذا العام ستحدد مصير المنطقة ومستقبلها”.

..ومصير بوش وأمريكا في المنطقة أيضا.

"الخليج"

التعليقات