31/10/2010 - 11:02

هل المشكلة بإطلاق الصواريخ؟../ عوني فرسخ

هل المشكلة بإطلاق الصواريخ؟../ عوني فرسخ
لا أحسبه واقعياً تعليل تصاعد العدوان الصهيوني على الأرض المحتلة، وخصوصاً قطاع غزة، لدرجة حرب الأرض المحروقة، باعتباره رد حكومة أولمرت المأزومة على التطور الكيفي في إطلاق صواريخ المقاومة على مستوطنات جنوبي الأرض المحتلة. ولا أراه موضوعياً الظن بأن غاية تهديد قادة حماس بالاغتيال حملهم على القبول بهدنة مجانية تعفي “إسرائيل” من أي التزام مقابل. وبرهان ذلك عدم اكتراث القادة الصهاينة بعرض فصائل المقاومة التوصل إلى تهدئة شاملة ومتبادلة في الضفة والقطاع، الصهاينة المستفيدون منها بالدرجة الأولى، إذ سيتواصل الاحتلال وإحداث وقائع استيطانية من غير مقاومة. وحين يبدي الناطق الرسمي الأمريكي تفهماً لدوافع التصعيد “الإسرائيلي”، ففي ذلك الدلالة على أن تصعيد العدوان إنما يعود لما هو أخطر من مجرد الرد على صواريخ محلية الصنع هامشية التأثير. وما الاحتجاج بذلك سوى تغطية متعمدة على الدوافع والغايات الحقيقية لتصعيد العدوان الصهيوني المؤيد أمريكياً.

فهل كان صناع قرار التحالف الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني يقترفون جريمة حرب الأرض المحروقة في قطاع غزة، واعتقال وزراء ونواب منتخبين ديمقراطياً في الضفة الغربية، لو أن حصار التجويع تسبب في انقلاب مواطني القطاع والضفة على خيارهم الديمقراطي، أو لو أنه أدى لخضوع قادة حماس لشروط الرباعية؟ وهل كان وزراء الكيان لا يبالون بالتهديد علناً باغتيال قادة “حماس” السياسيين لو أن الفلتان الأمني والاقتتال الفصائلي تطورا لحرب أهلية تجهض المقاومة التي عجزت عن قهر إرادتها آلة الحرب الصهيونية فائقة القدرة؟ وهل كانت الاستخبارات الصهيونية تصر على اعتماد الغارات المكثفة وتجنب الاجتياح البري، لولا خشيتها من أن تلقى القوات الغازية في أزقة مدن ومخيمات القطاع ما يأتي على البقية الباقية من قوة الردع الصهيونية، بعد الذي أصابها في الجنوب اللبناني؟

وكان الظن أن يحقق الحصار الدولي والإقليمي والضغوط والمداخلات و”النصائح” الرسمية العربية في القطاع والضفة المحتلين ما يمكن أن يخفف من تردي إدارة الرئيس بوش في المستنقع العراقي، وأن يغطي على الفشل المريع للعدوان الصهيوني على لبنان. غير أن ذلك بدده الشعب الذي قال فيه شاعره محقاً: شعب تمرس بالصعاب ولم تنل منه الصعاب. وكان طبيعياً والحال كذلك أن تكون دوافع تصعيد العدوان وغايته التأثير سلبياً في صمود شعب الممانعة التاريخية وإرادة قواه الملتزمة بالمقاومة خياراً استراتيجياً، وإجهاض الإنجاز الفلسطيني الذي يضاعف تأثيرات إنجازات المقاومة في العراق ولبنان.

والذي يبدو أن فشل حصار التجويع في تحقيق غايته تفاعل مع وضوح عزوف الصهاينة عن التهدئة المتبادلة، وإعلان الإدارة الأمريكية عزمها تمويل وتسليح حرس الرئيس محمود عباس في مسعى لإذكاء نار الفتنة. وبالتالي غلب على الخطاب الفصائلي الفلسطيني قدر من الموضوعية غير مسبوق تمثل في غياب توصيف إطلاق الصواريخ بالعمل العبثي والحقير، أو اتهام مطلقيها بتعريضهم المصلحة الوطنية للخطر، مما يؤشر لتنامي إدراك أهمية الوحدة الوطنية وبداية انحسار دور الرموز المراهن عليها أمريكياً وصهيونياً لمصلحة القوى الملتزمة بالمقاومة خياراً استراتيجياً، الأمر الذي من المؤكد أن يستدعي المزيد من تصعيد العدوان وتكثيف الضغوط والمداخلات لإجهاض منجزات شعب الصمود الأسطوري والإرادة العصية على الاستلاب.

ويقيناً بأن “اتفاق مكة” وحكومة الوحدة الوطنية من أهم ثمار الإنجاز الاستراتيجي الذي يجسده فشل حصار التجويع وإفشال دواعي الفتنة والحرب الأهلية. وهما لذلك مستهدفان من التحالف الأمريكي الصهيوني والسائرين في ركبه خوفاً أو طمعاً، باعتبارهما التجسيد العملي للوحدة الوطنية في الضفة والقطاع المحتلين، فضلاً عن استهداف حق العودة بالشطب والإلغاء، وبالتالي يغدو جلياً أن كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني في كل مواقعه مستهدفة. وعليه فنخبه الفكرية والسياسية مسؤولة تاريخياً عن تقديم الاستجابة الفاعلة والمجدية في مواجهة ما يتعرض له شعبها في وطنه المحتل والشتات من تحديات.

ومع ضرورة وأهمية كل مسعى يصب في قناة تعزيز الوحدة الوطنية المتحققة في الضفة والقطاع المحتلين، وكذلك المؤتمرات المتعددة في الشتات التزاماً بحق العودة والدفاع عنه، يظل ذلك محدود التأثير ولا يشكل الدرع الواقية للشعب العربي الفلسطيني في كل مواقعه. والاكتفاء بذلك ليس بالرد الكافي في مواجهة التصعيد الجارية فصوله، ولا يرقى لمستوى التحدي المصيري المتمثل بالتقاء القوى الدولية والإقليمية على تصفية القضية الفلسطينية وفق الشروط الصهيونية المسوقة أمريكياً.

وقد يتساءل البعض: وهل واقعيّ ترجّي ما هو أكثر في واقع عربي مأزوم، وزمن من أبرز معالمه صيرورة الخلاص الفردي مطلباً مجمعاً عليه. والمتسائلون لا يأخذون في حسبانهم تجارب التاريخ العربي الحديث، وبالذات ما هو ثابت من عمق وشدة التأثيرات المتبادلة فيما بين شعوب الأمة العربية. إذ ليس من نكسة قطرية إلا وكان لها تداعياتها على مدى الوطن العربي، وفي تداعيات العدوان الأمريكي على العراق مثال حي. ثم إنه على مدى تاريخ الصراع الذي فجّره الوجود الصهيوني على التراب العربي في فلسطين شكَّلَ الموقف الفلسطيني المؤثر الأول والأشد في المواقف العربية الرسمية والشعبية من الصراع، وفي انعكاسات اتفاق أوسلو شديدة السلبية على المواقف العربية مثال واضح.

وعليه، فإنه بقدر ما يرتقي الأداء الوطني الفلسطيني لمستوى التحديات الراهنة بمقدار ما سيكون له تأثيره الإيجابي في الواقع العربي. ولما كان الفعل المقاوم هو الذي فرض على المجتمع الدولي الاعتراف بالشخصية الوطنية الفلسطينية، والإقرار بأن لها حقوقاً واجبة الأداء، يغدو في مقدمة متطلبات التصدي المجدي في مواجهة التصعيد الصهيوني المؤيد أمريكياً تطوير المقاومة وإشاعة ثقافة الممانعة والصمود. وحيث تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة لإرادة الشعب العربي الفلسطيني، وحاضنة لحراكه الوطني في كل مواقعه، فإنه في غاية الأهمية إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بالانتخاب، حيث أمكن ذلك، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وجميع مؤسساتها ودعمها برموز من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للميثاق الوطني للعام ،1968 والعمل الجاد لتحرير القرار الوطني من الارتهان للمعونات الأوروبية ومساعدات الأنظمة. ومن دون ذلك مستحيل كبح المساعي الدولية والإقليمية لفرض الاستسلام على الشعب العربي الفلسطيني وإهدار حقوقه المشروعة.


"الخليج"

التعليقات