31/10/2010 - 11:02

هل حان وقت "التهدئة"؟!../ هاني حبيب

هل حان وقت
من المفترض ان تحدد القاهرة ساعة الصفر يوم غد الخميس لبدء سريان التهدئة التي تم التوافق بشأنها بين اسرائيل وحركة حماس عبر الجهد المصري، وحسب بعض المصادر فإن تحديد ساعة الصفر قد تم بحيث تبدأ التهدئة في السادسة من صبيحة غد الخميس، غير ان ذلك لم يعلن رسمياً بعد، وتتكتم الاطراف المختلفة، ليس فقط حول تحديد ساعة الصفر، ولكن - وهو الأهم - حول بنود التوافق التي تم إقرارها.

حركة حماس تقول إن الأمر بحاجة قبل الاعلان عن التهدئة الى قرار من قيادتها في دمشق، ثم اطلاع باقي الفصائل على بنود التهدئة، الا انه من الواضح ان مسألة الجندي الأسير شاليت قد تم فصلها عن عملية التهدئة، وإن كان ذلك بشكل صياغي، بحيث ستعقد القاهرة عدة حوارات، اثناء مراحل التهدئة الاولى، لبحث هذا الملف، وخلال هذه المراحل، ستتفحص اسرائيل مدى قدرة حركة حماس على اقناع باقي الفصائل الالتزام بالتهدئة، خلال اسبوعين، وهي المرحلة الاولى - وفقاً لما نشرته مختلف وسائل الإعلام - ستبدأ اسرائيل بفتح المعابر مع حدود قطاع غزة، ولكن هذا لا يعني سيولة كافة اشكال البضائع، مع التذكير بأن اسرائيل كانت قد وافقت على السماح بعبور الاسمنت والحديد والمواد الخام اللازمة للبناء والصناعة، الا ان ذلك لم يتحقق على الارض.. هذه المرة قد تفي اسرائيل بتعهداتها اذا ما سارت الامور خلال المرحلة الاولى، اسبوعين بلا صواريخ، وبهدوء شامل على جبهة الحدود مع قطاع غزة.

فترة اسبوعين ستكون امتحاناً اسرائيلياً لحركة حماس - حسب يديعوت احرونوت - وقدرتها على لجم الفصائل الأخرى، لكنها بالمقابل، ستكون اختباراً لإسرائيل عن مدى جديتها في تحقيق هذه التهدئة بشكل فعلي، ذلك ان الانتقال للمرحلة التالية، بعد اسبوعين ستبدأ عملية التقييم الاولية.

اسرائيل لن ترد على استفزازات صغيرة هنا او هناك، لأنها ستنتظر من حركة حماس ان تقوم بدورها في هذا السياق، جملة الحوارات التي دعت اليها القاهرة، كافة الفصائل و"الجيوش" والألوية والكتائب، الكبيرة والصغيرة، خلال الاشهر الاخيرة، كانت تهدف الى الوصول الى هذه اللحظة، التي تمنع فيه هذه القوى من ان تلعب دوراً منفرداً بأجندة خاصة، خارج اطار ما يتم التوافق بشأنه، اذا كانت التهدئة مصلحة فلسطينية اولاً وأخيراً، وهي كذلك بالفعل، فسينظر الى اي خرق متعمد من قبل اية جهة، باعتباره عملاً يضر بالوضع الفلسطيني، القاهرة من المؤكد انها ستساعد حركة حماس في لجم بعض القوى التي ربما تحاول الاستفزاز واستثارة الجمهور وتحدي ردود الفعل، ذلك كله سيمتد لما هو ابعد من الفترة الاولى، ذلك اننا تعودنا في الساحة الفلسطينية على ان للكبير والصغير دوراً متشابهاً، وعندما يشعر اي فريق بعدم الرضا، لسبب او لآخر، فإن اطلاق صاروخ واحد يكفي، ليس لاستثارة ردود فعل اسرائيلية، ولكن لاستفزاز الاطراف والقوى الفلسطينية الاخرى، حدث ذلك دائماً، وربما يحدث في المستقبل اذا لم تكن هناك حاضنة شعبية جماهيرية لهذا الاتفاق، يتم من خلالها وعبرها، "حصار" المتمردين على الإرادة الوطنية ولفظهم!

وقبل حوالي 24 ساعة من ساعة الصفر، قامت اسرائيل بالإغارة على مواقع فلسطينية، ما ادى الى استشهاد ستة مقاومين، حتى الآن، وبالاضافة الى ان ذلك يعتبر عملاً اعتيادياً عدوانياً اسرائيلياً شبه يومي، فإن القيام بمثل هذا الاعتداء في ظل أجواء الحديث عن التهدئة وتحديد ساعة الصفر لبدئها، ليس موجهاً بالضبط ضد الجانب الفلسطيني، بقدر ما هو إشعار الجمهور الاسرائيلي بأن اسرائيل أقدمت على اتفاق التهدئة، ليس عن ضعف، وان قواتها العسكرية وقدراتها التدميرية، هي التي تمتلك زمام المبادرة، كما تشكل هذه الاعتداءات المتزامنة مع هدوء فلسطيني على الجانب العسكري، إشعاراً بأن التهدئة يجب ان تكون هادئة تماماً، لأن عناصر الرد الاسرائيلي لا تزال تلعب دورها في الرد، اضافة الى ذلك، فإن الاسرائيليين لا يراهنون على نجاح التهدئة بالاستمرار. لذلك فإن التخوف ليس فقط من ان تعيد القوى الفلسطينية بناء قدراتها العسكرية، ولكن ايضاً، محاولة اسرائيلية من خلال التهدئة لدراسة الوضع العسكري - الأمني عن كثب، تحسباً لاحتمال قيام اسرائيل في لحظة ما، باجتياح قطاع غزة.

حركة حماس، في جانبنا، وحكومة اولمرت، على الجانب الآخر، ستحاولان، اقناع جمهوريهما بأن الطرف الآخر، قد تنازل ما يكفي لكي تتم عملية التهدئة، لكل منهما حساباته وطرقه في اقناع جمهوره بأنه ظل وفياً للشعارات التي رفعها، واذا ما مضت المرحلة الاولى على ما يرام، فإن الجمهور، هنا او هناك، لن ينساق وراء عمليات الاقناع هذه، لأن منافع التهدئة، على الجانبين، ستشكل المعيار الأساس، ولن يكون الجمهور، بحاجة الى متابعة تفاصيل التنازلات والمساومات، اذا ما تحققت الشروط التي استهدفتها التهدئة، فتح المعابر على الجانب الفلسطيني في قطاع غزة، ووقف اطلاق الصواريخ على سديروت، حينها فقط، يمكن ان يتذكر الجمهور، في الجانبين، وماذا عن الضفة، في الجانب الفلسطيني، وماذا عن ملف شاليت في الجانب الاسرائيلي، وحينها لن يكون هناك من مفر، للتأكيد بأن نجاح المرحلة الاولى سيوفر أرضية فعالة لفتح كافة الملفات، بحيث تشمل التهدئة الضفة الغربية، وربما بعد ستة اشهر، في حين تكون القاهرة قد بدأت مشاورات مكوكية، حول ملف شاليت.

في الجانب الفلسطيني، سيقول البعض ان حماس تلهث وراء اتفاق مع الاسرائيليين، بينما لم تخط خطوة جدية نحو حوار وطني مع السلطة الفلسطينية، وعلى الجانب الآخر، ستتهم المستويات العسكرية والسياسية المعارضة للتهدئة، بأن حكومة اولمرت خضعت لإرادة وزير دفاعها باراك، في منح التهدئة فرصة على حساب سمعة الجيش الاسرائيلي، وسيعتبر هؤلاء التهدئة التي تمت انتصاراً لحماس يعادل انتصار حزب الله على الجيش الاسرائيلي في حرب 2006.

لكننا كمواطنين، بعيداً عن كل هذه الحسابات، نعرف ان التهدئة هي خطوة لا بد منها، للتمهيد لحوار وطني فلسطيني، بالاضافة الى انها حاجة فلسطينية ضرورية ملحة.. وتأخرت كثيراً!.
"الأيام"

التعليقات