31/10/2010 - 11:02

هل لا تزال "المؤامرة" مجرّد نظرية؟../ صباح علي الشاهر *

هل لا تزال
قرار المشرعين الأميركيّين القاضي بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، كردية وسنيّة وشيعيّة، يُعبّر عن حقيقة ما أرادته وتريده الإدارات الأميركية للعراق والمنطقة. فالعمل من أجل الشرق الأوسط الكبير، الذي أصبح فيما بعد الشرق الأوسط الجديد، عمل مشترك للحزبين، ويخطئ من يتصوّر أن بيل كلنتون غير جورج بوش، وأنّ الديموقراطيّين غير الجمهوريّين. عندما يتعلّق الأمر بقضايا منطقة الشرق الأوسط، هناك موقف ثابت وواضح، لا يختلف من حيث الجوهر، لكنّه قد يتفاوت في بعض التفاصيل الثانوية، وهذه الهوامش تؤلّف منطقة مرنة للمناورات الانتخابية لكلا الحزبين، ووسيلة ناجحة ومجرَّبة للتأثير على بعض الذين يحسنون الظن بالأقوال، ثم يتجاهلون الأفعال، أو يجدون التبريرات لها.

عندما كان المدركون يؤكّدون أن الهدف الأميركي - الصهيوني، (إذ لم يعد بإمكان منصف أو متابع محايد تجاهل هذا التماثل والتطابق في الموقفين، بحيث لم يعد من الممكن الحديث عن موقف أميركي خاص بمعزل عن المصلحة الإسرائيلية، وبالتالي الموقف الإسرائيلي)، وعندما كان المنصفون يشيرون إلى هذا الموقف الذي طبع ويطبع السياسة الأميركية في المنطقة، كانوا يرون أن هذا الهدف يتضمّن ـ من جملة ما يتضمنه - إضعاف بلدان المنطقة وإفقارها من جهة، وتجزئة المجزّأ منها من جهة أخرى، عبر خلق الممهّدات الأساسيّة له، والتي منها تفجير الصراعات الإثنية والطائفية، وصولاً لرسم خريطة أخرى تدشّن الزمن الأميركي - الصهيوني.

وكان المؤيّدون لأميركا، والمولعون بها إلى حدّ السذاجة، يردّدون القول بأنّ هؤلاء أسرى نظرية المؤامرة. ورغم أنّ أمّتنا العربية والإسلامية لم تكن فقط على مشارف المؤامرة الكبرى، بل كانت تعيش فصولها الإجرامية الأكثر همجية ودموية، بدءاً من أفغانستان، مروراً بالعراق، وليس انتهاءً بفلسطين، فإن البعض لا يزال يغمض عينيه عن الوقائع الصارخة، التي لا يمكن ألا يبصرها إلا من فقد نعمة البصر والبصيرة.

الديموقراطيون شرّعوا عندما كانوا سادة البيت الأبيض قانون تحرير العراق، والجمهوريون نفّذوه، وها هم الجمهوريّون يشرّعون قانون تقسيم العراق، وسيقوم الديموقراطيون - بعد انقضاء ولاية بوش ووصول رئيس ديموقراطي إلى البيت الأبيض - بتنفيذه.

قانون «تحرير العراق» كان بداية مرحلة التخطيط لوضع تقسيم المنطقة على جدول الأعمال الفعلي، وقانون «تقسيم العراق»، غير المُلزم من حيث الظاهر، هو مُلزم من حيث الواقع بسبب شبه الإجماع عليه، إذ تساوى في تأييده الديموقراطيون والجمهوريون، بل ظهر صوت الديموقراطيّين أعلى وأكثر حماسة لإمراره. وسيكون هذا القانون بداية التنفيذ والتطبيق الفعلي لتقسيم المنطقة، كل المنطقة، لا المنطقة العربية فقط، بل سيمتد إلى فضائها الحيوي، أي العالم الإسلامي برمّته.

هل ستتحفنا الإدارة الأميركية، جمهورية كانت أم ديموقراطية، بقانون «تحرير سوريا»، وقانون «تحرير إيران»، وربما - فمن يدري - قانون «تحرير السعودية»؟ إذا نجحت واشنطن في تقسيم العراق، فإن ما يبدو بعيداً عن التصور حالياً سيكون واقعاً فعلياً تعيشه وتعانيه شعوب هذه الدول الثلاث، وسيواجَه أخيار العرب والمسلمين ممّن يحذّرون من خطر التقسيم، بمن يتَّهمون بأنهم أسرى نظرية المؤامرة أيضاً، وستفعل أميركا عين ما فعلته في العراق: ستخلق الفوضى وتؤجّجها، وقد لا تسمّيها «خلّاقة»، وقد تطلق عليها صفة أخرى، كأن تكون «بنّاءة» مثلاً! المهم أنه لا بدّ من أن تعمّ الفوضى هذه الدول، لكي يتمّ من خلالها مسخ كل شيء، تغيير كل شيء، ووضع آليات يستلزمها واقع الفوضى.

وسيأتي بعدئذ سناتور آخر، شبيه بالسناتور الديموقراطي جوزف بايدن، قد يكون جمهورياً هذه المرّة، وقد يكون أحد المرشحين للرئاسة أيضاً، وسيزعم بأن تقسيم سوريا، أو إيران، أو السعودية، هو الحل الأمثل لتجاوز الفوضى في البلد، وهو الذي سيمهّد لخروج الجيش الأميركي من سوريا ،أو إيران، أو السعودية بكثير من اليسر والسلام.

قد يقول قائل إنّ ما حدث في العراق لن يحدث في غيره، لكن قبل عام 2003 قال العراقيون المدافعون عن بلدهم، إن ما حدث في أفغانستان لن يحدث في العراق. وقبل أفغانستان، قال الأفغان المدافعون عن بلدهم إنّ ما حدث في يوغوسلافيا لن يحدث في أفغانستان. لكن حدث في أفغانستان ما حدث في يوغوسلافيا، وحدث في العراق ما حدث في أفغانستان، مع فارق أنّ البلاد لم تُقسَّم بعد، والعراق لم يُقسّم بعد، وقد آن الأوان لتقسيمهما. وعلى عكس التتابع السابق، فإن التقسيم في العراق سيكون قبل أفغانستان، لأسباب استلزمت هذا، منها أن أميركا لم يعد بإمكانها تحمّل خسائر البقاء في العراق، مادياً ومعنوياً.

كان العراق من أشدّ بلدان المنطقة تماسكاً، وهو وإن كان متنوع الأعراق والطوائف، فإن الكتلة الكبرى فيه هي من العرب، وتتجاوز نسبتهم الـ 83 في المئة، وإنّ أكثر من 95 في المئة من سكانه مسلمون، والبلدان المحيطة بالعراق متنوعة أيضاً، ولعلها أقل تجانساً منه. فإيران مثلاً، لا تتجاوز الكتلة الكبرى فيها (الفرس) نصف عدد السكان، وفيها كتل تتجاوز خمسة ملايين نسمة، مثل العرب والكرد والبلوش والأذريين، وفيها أيضاً شيعة وسنة، ومسيحيون، ومن أديان أخرى.
"الأخبار"

التعليقات