31/10/2010 - 11:02

هل هناك مجال للعودة للحرب الباردة؟../ راسم عبيدات

هل هناك  مجال للعودة للحرب الباردة؟../ راسم عبيدات
في أعقاب ثورة أكتوبر/1917 الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، تكالبت ضواري الرأسمال داخلياً وخارجياً على هذه الثورة ، بغرض وأدها والقضاء عليها، لكونها تشكل انقلابا جذريا اقتصاديا اجتماعيا على النظام الرأسمالي القائم، كنظام اقتصادي- اجتماعي، وما يمثله من قيم وأفكار. بمعنى آخر تضاد كلي في الأهداف والمصالح والأفكار.

وحيث فشلت القوى الرأسمالية في القضاء على ثورة أكتوبر الاشتراكية، والتي تمكنت من تحقيق نجاحات، ليس على مستوى الاتحاد السوفياتي فقط، بل على المستوى الكوني، ما شكل الأساس لحرب باردة بين معسكرين. أي أنه كان هناك محرك وباعث ايدولوجي لهذا الصراع.

واليوم وبعد أن قامت روسيا بعملية دفاع ليس عن حديقتها الخلفية، بل عن غرف نومها الداخلية، وتصدت لتدخل أمريكي سافر في شأنها الداخلي، من خلال إقامة أمريكا لقواعد وموانئ عسكرية لها في جورجيا، وتزويدها بأسلحة متطورة وحديثة،وبما يشكل تهديداً مباشراً لها، ويحكم الحصار حولها، واستهداف آخر هو ما تبقى من قدراتها العسكرية من صواريخ بعيدة المدى، ناهيك عن ما هو جوهري وهو السيطرة على منابع وطرق نقل البترول والغاز في شرق آسيا، واستهداف إيران من خلال تلك المنطقة.

قرأ البعض في الخطوة الروسية في الهجوم على جورجيا، وما حققته من نصر فيها، على أنها بداية صحوة روسية، وطبعاً ليس على غرار نظام الصحوات في العراق، وعودة للحرب الباردة. وهناك من قال بأن ذلك يبشر بتغير جدي وأفول وحدانية القطبية على المستوى العالمي. وهناك من رأى في هذه الخطوة الروسية على أنها وان كانت تمهد وتخلق إرهاصات لبداية ظهور عالم متعدد الأقطاب، إلا أنه ما زال مبكراً الحكم على مثل هذه التطورات والتغيرات، وإن كان العالم يشهد ظهور عدة تكتلات اقتصادية كبرى في أوروبا واسيا وأمريكا اللاتينية، بهدف حماية والدفاع عن مصالحها ووجودها والتأثير في صنع ورسم السياسات الكونية. وطبعاً العرب استثناء من هذه القاعدة، فهم ليس فقط لم يحافظوا على هويتهم القومية، بل فشلوا في الدفاع عن أنظمتهم القطرية والتي تزداد تفككاً وتحللا.

واستناداً لهذا التحليل، فإنه يمكننا القول أنه لا مجال للعودة لحرب باردة بين أمريكا وروسيا، فالصراع الدائر حالياً لا يجري بين نهجين مختلفين اقتصاديا واجتماعياً، بل صراع يدور بين قوى رأسمالية على المصالح ومناطق النفوذ والاتحاد السوفياتي السابق التي تمكنت أمريكا من اختراقه داخلياً من خلال قوى رأسمالية، لعبت دوراً بارزاً في تحطيم بنيته الاقتصادية الاشتراكية، وتشويه كامل التجربة الاشتراكية والنجاحات التي حققتها، مستفيدة من الأخطاء التي وقعت فيها القيادة الاشتراكية هناك، وهذا لم يقتصر على الاتحاد السوفياتي السابق، بل سبق ذلك ما قامت به أمريكيا من هذا الدور الشبيه في بولندا من خلال النقابات العمالية "ليخ فاليسا".

وحجتنا بعدم قدرة روسيا على خوض حرب باردة جديدة تنبع من أن الاقتصاد الروسي رغم أنه استفاد من الارتفاع الهائل في أسعار النفط، وما شكلته من استفادة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي الروسي، إلا أن هذا الاقتصاد لم يتعاف بعد، وعانى كثيراً من المشاكل والأزمات، وبالتالي لا يمكن حتى اللحظة الراهنة مقارنته بالاقتصاد الأمريكي، والذي بتنا نسشعر أنه يعاني أيضاً الكثير من الأزمات. وناهيك عن عدم قدرة روسيا وتخلفها عن مجاراة أمريكا ودول أوروبا الغربية في الصناعات التكنولوجية المتطورة، فإن أي تركيز على ضخ قسم كبير من أموالها في قضايا سباق التسلح مع أمريكيا والغرب، سيخفض من معدلات نموها الاقتصادي، ويؤثر على أوضاعها الداخلية والاقتصادية بشكل كبير. أضف إلى ذلك أنه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، فقد الكثير من حلفاءه وأصدقاءه ليس على المستوى الدولي، بل وعلى المستوى الإقليمي أيضاً.

ولعل ما يجري من تطور في العلاقات الروسية -السورية، والى حد ما الإيرانية، يجب أن لا ينظر إليه أبعد من حجمه، رغم الصخب الإعلامي الكبير والواسع الذي رافق ذلك، وفي الوقت الذي ترحب فيه سورية بتطوير علاقاتها مع روسيا، فهي في المقابل، تبقي عينها على أمريكا، حيث أن سوريا في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، تطالب برعاية أمريكية مباشرة لها كضامن للتنفيذ، والكثير من حلفائها وأصدقائها الدوليين، وقعوا في قبضة أو تحت سطوة أمريكا، وأصبحوا جزءاً من منظومتها السياسية، وتحت سيطرتها الاقتصادية والعسكرية المباشرة.

وصحيح أن أمريكا مستنزفة في أكثر من جبهة في إطار ما تسميه حربها على "الإرهاب"، أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وإيران، وهي لم تحقق نجاحات على هذا الصعيد، بل نشهد ثمة تآكل وتراجع في هيبة أمريكا، ولكن ما قامت به روسيا من تدمير لقدرات جورجيا العسكرية جاء لكون أمريكا تجاوزت كل الخطوط الحمر في التعدي على المصالح الروسية، حتى في عقر دارها.

والعملية لم تستهدف إحداث حالة قطع وطلاق مع أمريكا، بقدر ما تأتي هي في الإطار المستوعب، وخاصة من قبل حلفاء أمريكا الأوروبيين الغربيين، والذين وان كانوا أدانوا الخطوة الروسية لفظاً، ولكنهم وقفوا معها ضمناً، خوفاً من أن تصبح أمريكا المتصرف الوحيد في مصادر الطاقة "بترول وغاز"، وهي من الشرايين الهامة بالنسبة لهم، وبالتالي نفرض عليهم أمريكا املاءاتها واشتراطاتها. وأمريكا من جهتها سكتت أو استوعبت العملية العسكرية الروسية، بسبب أنها بحاجة إلى سكوت روسيا ودعمها في أكثر من قضية إقليمية، تستطيع روسيا فيها "الخربشة" والمشاغبة على الدور الأمريكي. فهي بحاجة إلى الدعم والإجماع الدولي، وتحديداً قي القضية النووية الإيرانية. فروسيا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ودورها هام جداً في أية إجراءات وعقوبات دولية بحق إيران. وكذلك الملفات الأخرى والمتورطة فيها أمريكا سواء في العراق أو على صعيد الصراع العربي- الإسرائيلي وبالتحديد الملفات السورية واللبنانية والفلسطينية. ورغم ذلك وجدنا أمريكا تقترب من غرف النوم الروسية، فهي تقوم ببناء قواعد عسكرية في بولندا، وتقيم تحالفات عسكرية مع الكثير من دول أوروبا الشرقية.

ومن هنا فإن تقديرنا للخطوة الروسية تجاه جورجيا، وان كانت تشكل إرهاصات لبروز عالم متعدد الأقطاب، بدأت ملامحه بالتشكل بعد الفشل الأمريكي في العراق، فإنه من السابق لأوانه التعويل والبناء عليها، والقول بأنها عودة للحرب الباردة أو أنها تشكل نقلة نوعية على الصعيد العالم في إطار تعدد القطبية وأفول نظام أحادية القطبية العالمي. وبانتظار ما تحمله التطورات القادمة من متغيرات دولية وإقليمية، يمكننا أن نحدد بشكل أقرب للدقة حجم وطبيعة هذه التطورات وما تحمله من متغيرات.

التعليقات