ما يجري في المنطقة من اتصالات ومفاوضات وجولات مكوكية يكشف بأن شيئا ما يحضّر بعيدا عن عنعنات اللبنانيين وخلافاتهم، وبأن ما يحضر لا مكان فيه للبنان على طاولة الحوار جراء سذاجة اللبنانيين والحكومة بالتحديد، التي لم تعرف الاستفادة من حرب تموز ونتائجها، للجلوس كلاعب اساس على طاولة المفاوضات المقبلة بشأن المنطقة.
وفي هذا الإطار، كشفت المعلومات عن زيارة وفد اميركي الى سوريا رفيع المستوى، هو الاكبر منذ العام 1990، ويضم كبار جنرالات الجيش الاميركي ومسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية ورؤساء مراكز دراسات واكاديميين، وكان الوفد قد وصل الى سوريا الاسبوع الماضي ويقوم بمباحثات شاملة مع المسؤولين السوريين تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والعلاقات بين البلدين.
وتقول المعلومات ان المنطقة تتحضر لمدريد-2 خلال شهري ايلول وتشرين الاول في حضور الدول الراعية لعملية السلام، بما فيهم روسيا والمفوضية الاوروبية لبحث عملية السلام على المسار السوري - الاسرائيلي، في ضوء قناعة اميركية بأن المحاور الفلسطيني ما زال عاجزا عن خوض غمار عملية السلام والإلتزام بوعوده، وهذا ما يستدعي تحريك عملية السلام السورية - الاسرائيلية، والتي ستكون صعبة وشاقة في ظل قرار سوري لا رجوع عنه بعودة الجولان ووضع السوريين «أرجلهم» في مياه بحيرة طبرية وتنفيذ القرارين الدوليين 242 و3387 اي الارض مقابل السلام وعدم فصل المسارات.
وبالتالي، فإن على اللبنانيين الاقتناع بأن شيئا ما يحضّر للمنطقة بعيدا عن مشاكلهم وخلافاتهم واتهاماتهم فالكلام الاسرائيلي عن السلام تم بضوء اخضر اميركي، والانفتاح الاوروبي على سوريا تم ايضاً بضوء اخضر اميركي، حتى ان هناك من يقول بان الاغراءات الاميركية لسوريا كثيرة وكبيرة بخصوص الجولان والمقايضة في موضوع المحكمة الدولية، شرط ان تفك سوريا تحالفها مع ايران وهذا لن يحصل مطلقاً، وعلى اميركا ان تفاوض سوريا كما هي بثوابتها، وهي مضطرة لذلك جراء المأزق الاميركي في العراق.
فالاميركيون ابلغوا القريب والبعيد ان انسحابهم من العراق سيبدأ منتصف 2008 وانهم سيسعون الى ترتيب اوراق المنطقة خدمة لاسرائيل وهذا ما تريده اميركا الآن قبل حكومة السنيورة وغيرها، وهي تتمسك بورقة حكومة السنيورة لاستخدامها في وجه سوريا وبيعها حين يحين موعد ذلك، وهو في القريب العاجل وقبل شهر ايلول.
وقد سمع المسؤولون السوريون من اعضاء الوفد الاميركي بان زمن الشروط الاميركية ولّى الى غير رجعة وبان الاميركيين بدأوا تغيير سياساتهم، لكن التحول الاميركي بطيء جدا لكنه بدأ في ظل الادراك الاميركي من الجمهوريين والديموقراطيين بان السياسة السابقة كانت خاطئة وجرّت الويلات على الولايات المتحدة الاميركية، حتى ان المعلومات تكشف عن تعاون امني اميركي - اوروبي - عربي مع سوريا في موضوع الارهاب وفتح الاسلام وحركتها في لبنان، وان الدول الاجنبية استندت الى التقارير الاستخباراتية السورية عن هذه الحركة ونشاطها، وان منظمات فلسطينية قدمّت ما لديها في هذا الامر.
فيما بعض الاجهزة اللبنانية تعمل بطريقة بدائية، ومصرّة على توجيه الاتهامات لسوريا، فيما هذا الملف يتطلّب تعاوناً وتنسيقاً للحدّ من خطورته، خصوصاً ان لبنان يواجه حركة اصولية عالمية لها امتداداتها في سائر الدول الاسلامية ودول العالم والقضاء عليها يتطلب جهوداً، وتعاوناً وتنسيقاً لا تتقنها الاجهزة اللبنانية التي لا تدرك لعبة المصالح بعد.
فالخطر الذي يواجهه لبنان يستدعي حكومة وحدة وطنية والإلتفاف حول الجيش وفتح ابواب الحوار الداخلي مع سوريا والدول العربية وكل من يقدم تعاونا للقضاء على «فتح الاسلام». فالجيش اللبناني النظامي يواجه حرب عصابات، فعلى افراد عصابة «فتح الاسلام» تسليم انفسهم على ان تتولى الفصائل الفلسطينية معالجة ما تبقى من عناصر «فتح الاسلام» والتمهيد لحل سياسي، وانهاء هذه المشكلة قبل ان يغرق البلد في حرب استنزاف لا يستطيع تحملها فيما المنطقة تشهد مسارات مختلفة ونجاحات في حين يبقى الملف اللبناني يراوح مكانه على طريقة «فالج لا تعالج».
"الديار"
التعليقات