31/10/2010 - 11:02

يوم في الذاكرة../ أيمن حاج يحيى

يوم في الذاكرة../ أيمن حاج يحيى
تعج الذاكرة الفلسطينية بمئات الأيام التي يحييها شعبنا سنويا لمختلف المناسبات الوطنية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وحتى اليوم. وميز هذه الأيام بشكل عام علامة فارقة بارزة ألا وهي الإجماع الوطني عليها وعلى معانيها وعلى تسميتها وعلى طقوسها أيضا.

إلا أن الذكرى التي صادف مروها منذ عدة أيام لها ظروف خاصة تميزها عن غيرها. فلا اتفاق وطنيا على تسميتها ولا على معانيها، وطبعا ليس على طقوس إحيائها. والحديث هنا عن ذكرى أحداث 14.6.2007. ذلك اليوم، الذي أحدث فينا ما أحدث، وتستمر تداعياته علينا وعلى قضيتنا إلى يومنا، وأجزم أنها ستستمر لسنوات طوال.

إلا أنه وبعد مرور عامين على هذا الحدث الجلل لا بد لنا من مراجعة للأحداث بشكل موضوعي وبطرح الحقائق مجردة كما هي بعيدا عن أي طنين إعلامي موجه.

ولتكن هذه السطور عبارة عن مساءلة للطرف الذي أقدم على هذه الخطوة والتي أبدع في تسمياتها، فمن القضاء على زنادقة العلمانية بغزة إلى فتح مكة 2، كما طاب لأحد قادة حماس تسميتها، أو للتطهير كما يحلو للبعض الآخر، أو أيام الحسم العسكري كما يطيب للمحايدين أن يسموها.

لنرى معا ماذا قالوا وما الذي فعلا حدث؟

أولا قالوا لنا إن الحركة ليست ضد فتح، بل ضد تيار صغير متصهين داخل فتح، وكان القصد دحلان وزمرته، وأن التحرك يهدف إلى القضاء على هذه الزمرة فقط. وفي الحقيقة لا دحلان ولا أيا من رموز مجموعته كان في غزة وقت الأحداث بل كانوا جميعا خارج غزة. فمن كانوا من بين قتلى الأحداث الذين فاق عددهم الـ600 شهيد، فإن الضحايا ينقسمون إلى مجموعتين؛ الأولى وهي الأكبر شباب لا يتجاوزون سن العشرين من أعمارهم، وبرتب متدنية في أجهزه السلطة. وقد قتلوا وهم على رأس عملهم في الأجهزة كما حدث قي مجزرة قريش أو تفجير مقرات الأمن الوقائي وغيرها. والقسم الثاني كانوا كوكبة من أفضل مناضلي الشعب الفلسطيني، وكانوا مطلوبين للاحتلال لاتهامهم بتنفيذ وتخطيط العديد من العمليات ضد الاحتلال مثل العقيد الشهيد نصر أبو شاور بطل معركة المتحف في بيروت، والشهيد بهاء أبو جراد صقر كتائب شهداء الأقصى، والشهيد جمال أبو الجديان أحد قادة كتائب شهداء الأقصى الذي قضى في معتقلات الاحتلال أكثر من 16 عاما، وغيرهم من العشرات من رموز انتفاضة الأقصى، ومنهم من نجا من أكثر من محاولة اغتيال إسرائيلية. وكلنا رأينا المجزرة التي اقترفت بحق العزل من عموم فتح عندما تجرأوا وأحيوا الذكرى الثالثة لرحيل أبو عمار.

ثانيا.. قالوا لنا إن التحرك يهدف إلى حماية المقاومة وضمان استمراريتها. ورأينا بعد السيطرة على غزة كيف نهرول من هدنة إلى هدنة ومن تهدئة إلى أخرى. وبعد أن استنكرنا تصريحات أبو مازن عن الصواريخ العبثية طالعنا الزهار بتصريحات الصواريخ غير الوطنية، وجردت فتح من سلاحها وفككت مجموعاتها ومنعت من أي تحرك مقاوم، وحتى عندما توسل أفراد الكتائب إبان الحرب على غزة لاسترداد سلاحهم ليشاركوا بالمقاومة رفضت توسلاتهم رغم وساطة قيادة الجهاد الإسلامي وكفالتهم عند حماس.

ورأينا المقاومة الحقيقية تتحول إلى مقاومة فضائيات ولا حاجة لوصف أو مقارنة مقاومة مخيم جنين عندما قاتلت فتح، رغم العدد والعتاد بمقاومة غزه بدون فتح تقريبا وقت الحرب على غزة، والرافض لهذا الطرح له أن يقارن خسائر الاحتلال قبل وبعد الفتح الرباني لغزة.

ثالثا.. قالوا لنا إن الحركة الربانية تهدف إلى القضاء على الفساد والمفسدين. فاستبشرنا خيرا بأنه آن الأوان لوضع حد لسرقة قوت الشعب وأملاكه. ففوجئنا بمشهد عراقي صاعق لنا ولثقافتنا، بداية من تحطيم نصب الجندي المجهول بغزة وضربه بالأحذية وجره في الشوارع إلى اجتياح المؤسسات العامة ونهبها، وعلى رأسها مبنى الإذاعة والتلفزيون ونهبه لصالح تلفزيون حماس، ورأينا أسواق غزة تعج بالغنائم التي تباع وتشترى، ومن أبرزها مسدس الشهيد أبو جهاد الذي أطلق فيه آخر رصاصة على قاتليه، والذي نهب من بيته بعد استباحته. ورأينا الجلابيب تبدل بأرقى البدلات والبنادق بالميكروفانات، وأقيمت شركات الاحتكار. ومنتفعو الحصار ظهرت عليهم النعمة وظهرت شركات المقاومين وكان آخرها شركة المساهمة بتجارة الأنفاق التي جمعت من المواطنين أكثر من 100 مليون دولار اختفت ولا يجرؤ أحد على السؤال.

رابعا.. قالوا إن التطهير يهدف إلى وقف مسلسل التنازلات السلطوية ونسف كل الاتفاقيات الخيانية والأوسلوية، فرأينا حماس تنافس فتح على إرضاء أوباما وتجتهد لتقنعه أن التفاوض لا ينفع إلا مع حماس.

خامسا.. قالوا لنا إن فتح مكة 2 سيزيل الغمة والغشاوة وسيمنع انقساما وطنيا وحربا أهلية وشيكة، وسيوحد الصف ويرسخ التآخي. فوجدنا أنفسنا ما بين موتر يطلب دم أهله، ومتحسب من ثأر قادم، وأخ يكره أخاه، وأب يمكر لأبنائه، وتفسخ النسيج الاجتماعي الفلسطيني إلى غير رجعة، وانقسمت الأسر على نفسها، حتى المساجد ودور العبادة لم تسلم من هذا الانقسام.

وقالوا لنا وقالوا لنا .........

لا اكتب هذا الكلام انتصارا لفريق على فريق ولا تبرئه لطرف ولا إخلاء مسؤولية لأي جهة، فوضعنا لا يحتاج أي مجاملة ولم نبت على شفا حفرة، بل نحن في أعماق أعماق الحفرة، وليس لنا إلا بقايا وقت ضائع عسى ولعل ننقذ به ما يمكن إنقاذه. وقد نكون كمواطنين وكوطنيين مشاركين بهذه المأساة ليس أقل من فتح وحماس. فلقد انقسمنا معهم وصرخنا معهم ولم نصرخ عليهم. الم يحن الوقت لنصرخ عليهم وفي وجوههم ونقول لهم: "يا إما بتحلو الخلافات وتتوصلوا الى وحدة وطنية عملية حقيقية تكون فيها مصلحة شعبنا هي الأساس من أجل حريته واستقلاله، يا إما بتحلو عنا"..

التعليقات