01/11/2010 - 06:58

ضرورة مجلس الأمن العربي../ كلوفيس مقصود

-

ضرورة مجلس الأمن العربي../ كلوفيس مقصود
أين مجلس الأمن القومي العربي الذي باستطاعته أن يحدد للأمة ما هي الأخطار التي تدهمها؟ وأين الأخطار التي عليه أن يواجهها، كما فعل المجلس القومي التركي خلال الأسبوع الماضي؟
ألم تعد هناك قناعة راسخة بأن “إسرائيل”، الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، تهدد الأمن القومي العربي ما يستوجب استراتيجية مجابهة قادرة على ردع تماديها في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني كلها، كما ترسيخ احتلالها لهضبة الجولان السورية وتصعيد أهداف كيانها العنصري، وما ينطوي عليه من مخاطر أقلها مأسسة التمييز ضد عرب فلسطين 48، وإسقاط حق العودة بشكل قاطع وحاسم يبدأ بالتهميش كما هو حاصل، ثم ينتهي بالترحيل فور توفر الظروف.

ثم ما إذا كانت فلسطين لاتزال نقطة ارتكاز للأمن القومي العربي، وهي حتماً كذلك رغم تكاثر الدلائل والممارسات التي تشير إلى أن النظام العربي القائم وسياساته التطبيعية أسقط هذا الأمر. وهل أن ما قاله الرئيس محمود عباس بأن “أول الخيارات المقبولة بالنسبة للعملية السلمية هي أن تتوقف “إسرائيل” عن الاستيطان وتجميده من أجل استئناف المفاوضات”، كما ورد في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط في الأسبوع الماضي؟ ألم يقتنع الرئيس عباس بعد أن المستوطنات هي الرد الواضح والصريح وغير القابل للبحث بأن “إسرائيل” لا تعتبر أنها في ما تبقى من أراضي السلطة الوطنية هي سلطة احتلال؟ لا أدري لماذا هذا الاستمرار في تجاهل هذا الواقع، كما لا نفهم مطلقاً لماذا لا يطالب الرئيس عباس بتفكيك المستوطنات كشرط لاستئناف المفاوضات؟ عندئذ وعندئذ فقط تستقيم مفاوضات مغيبة منذ اتفاقيات أوسلو.

لو كان للأمة مجلس أمن قومي لما كانت مصطلحات التعامل مع “إسرائيل” منفلتة بهذا الشكل المريع، وبالتالي تفتقد للانضباط وقدرة توفير بوصلة تشكل مرجعية موثوقة لتوفير قيادة التحرير بموجب مقتضيات شروط ثقافة المقاومة.

يفترض مجلس الأمن القومي للأمة العربية أن يحافظ على أولوية السعي لقطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” كإجراء عملي يسقط الطوق الخانق على استقامة خيارات ومتطلبات المقاومة بما فيها من مفاوضات، واللجوء إلى مجلس الأمن بعد قطع العلاقات المصرية الأردنية مع “إسرائيل”، عندها لن تبقى “إسرائيل” على شراستها وعدوانيتها المنفلتة من العقاب. كما أن هذا الإجراء يعيد مصر الدولة إلى أولوية دورها في إعادة التواصل بين أرجاء الوطن العربي الكبير فيصبح التنسيق بين الدول العربية ملزماً، وتكون مستلزمات الأمن القومي العربي مرشحة للإنجاز ما يقلص حالة التبعثر في كثير من أقطار الأمة.

إن وضوح ودقة ما ورد في الوثيقة السياسية للأمن القومي التركي في الأسبوع الماضي يشكل ما يقارب نموذجاً يقتدى به. فالأمة العربية لاتزال مجموعة دول في حين أن تركيا دولة واحدة. لكن لدينا الإطار الجامع للدول العربية المتمثل بجامعة الدول العربية وأمانتها العامة التي أعتبرها (الأمانة العامة) فريقاً قومياً، والهيكل المتوفر في المرحلة الراهنة كما في المراحل السابقة تأكيد على عروبة الهوية والمصير لدول وأقطار الأمة العربية من زاوية المسؤولية القومية للجامعة. أعتقد أن مجلساً للأمن القومي في إطار الجامعة يكون خطوة أولى نحو جعل قراراتها قابلة للتنفيذ بدلاً، كما في كثير من المراحل، ظلت قراراتها التي وصفت ب “المصيرية” من دون تنفيذ، لأن معظم الدول العربية أهملت تنفيذها.

لعل ما نشاهده، بل ما نختبره، من أزمات خطيرة يستوجب واقعية جديدة تتمثل في خطوة أولى بقيام مجلس الأمن العربي القومي الذي عليه أن يعالج على سبيل المثال لا الحصر وبشكل فوري تبعات ما قد يؤدي إليه الاستفتاء في السودان في مطلع العام القادم خاصة في ضوء ما صرح به النائب الأول لرئيس جمهورية السودان سلفاكير ميارديت في شأن إقامة علاقات جيدة مع “إسرائيل” وفتح سفارة لها في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان الجديدة في حال اختار الجنوبيون الانفصال. خيار الانفصال محتمل ومرجح، وأرجو أن أكون مخطئاً، لأن الانفصال مسألة خطيرة رغم ما ورد على ألسنة كبار المسؤولين في الجامعة العربية وفي طليعتهم الأمين المساعد السفير محمد صبيح إذ أكد أن جنوب السودان “وضع دول الجوار في اعتباراته” برغم أن مسؤولاً آخر قال “إن التصريحات أمر سابق لأوانه حتى الآن”.

صحيح أن ما صدر عن المسؤول الأخير كان منطقياً، ولكن كون نائب رئيس جمهورية السودان سلفاكير أعلن هذا الخيار فإن تصريح صبيح بأن “العلاقات العربية مع السودان بكل مكوناته ستبقى علاقات أخوة وتاريخ ومستقبل أياً كانت نتائج الاستفتاء، والإخلال بهذا المبدأ ليس في مصلحة أي طرف” هذا إلى حد كبير يعبر عن تمنيات نشارك محمد صبيح فيها، لكن خيار إقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” في حال تم الانفصال وارد إلى حد كبير، من جراء اختراقات “إسرائيلية” لبعض أنصار الانفصال الجنوبي.
 
 ويبدو أن الخرق “الإسرائيلي” أقوى من كل الجهود السودانية والعربية التي بذلت، وأقوى من الاستثمارات العربية هناك، كون هذه الاستثمارات لم ترافقها استقامة صيغة المواطنة السودانية في الجنوب من جهة، وفقدان قدرة إقناع الحركة الداعمة للانفصال من قبل الدولة الأعرق في علاقاتها مع السودان أي مصر كونها بدورها لها سفارة في “إسرائيل”، و”إسرائيل” لها سفارة في القاهرة، هذه البلبلة الحاصلة التي قد تحصل في أوطان أخرى إذا استمر الانطباع بأنه ما دامت الدولة الرائدة في الأمة تقيم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” فلماذا التلعثم في تعاطي الجامعة العربية مع جنوب السودان. هذا موضوع كان باستطاعة مجلس قومي عربي معالجته، أو بالأحرى تعزيز حوافز تأكيد وحدة السودان من خلال وحدة المواطنة والتساوي في حقوق المواطنين شمالاً وجنوباً.

لكن هذا يتطلب موقفاً منسجماً على المستوى القومي بحيث تتمكن الأمانة العامة للجامعة العربية من خلال جهاز للأمن القومي، مباشرة التوجه إلى معالجة الكثير من التداعيات الخطيرة الحاصلة نتيجة ما يحصل في العراق واليمن وإلى حد أكبر في الصومال وحد أقل في لبنان، وما هو حاصل من تمكين للتيارات العرقية والمذهبية والطائفية في محاولة للإمعان في تمزيق نسيج المجتمعات العربية.
 
إن ضبط الفلتان الحاصل لا يكون إلا بالاقتداء بما أقدم عليه مجلس الأمن القومي التركي، آخذين في الاعتبار الفوارق بين واقع تركيا ودورها الإقليمي المتجدد وبين حالة الأمة العربية المفتقدة للتنسيق الملزم بين أقطارها وبعض مساعي التهميش لدور جامعة الدول العربية وأمانتها العامة، بحيث حان الوقت لتمكينها سياسياً ومعنوياً ومالياً وتوسيع صلاحياتها من خلال قيام أجهزة الدبلوماسية الوقائية والإنذار المبكر، وأن توفر لأعضائها قراءة موحدة لضرورات وشروط التنمية المستدامة حتى لا تبقى أمة غنية بشعوب فقيرة، وحتى نوفر للأمة وإنسانها حقوقه الإنسانية وحاجاته البديهية.

صحيح أن القضية الفلسطينية تبقى نقطة الارتكاز في المواجهة مع المشروع الصهيوني، ولعل هذه الحقيقة أبرزتها تصريحات سلفاكير الاستفزازية التي قال فيها إن “إسرائيل” عدو للفلسطينيين فقط وليس عدواً للجنوب.

فإذا كان قيام سفارة “إسرائيلية” في جوبا كون “إسرائيل” عدواً للفلسطينيين فقط.. إذاً ما هو الاستنتاج يا عزيزي القارئ؟
"الخليج"

التعليقات