03/11/2010 - 10:13

المصالحة الوطنية: معيقات وحوافز../ علي جرادات

-

المصالحة الوطنية: معيقات وحوافز../ علي جرادات
من السذاجة السياسية بمكان أن يتوقع المرء إنهاء حالة الإنقسام الداخلي الفلسطيني بيسر وسهولة، حتى لو جرى التوافق بين "فتح" و"حماس" على حمال الأوجه من الصياغات القابلة للتفسيرات المتناقضة، وهو الإنقسام الذي إتخذ طابعا عمودياً، أفرز على الأرض "سلطتين" "تشريعيتين" "تنفيذيتين" "أمنيتين" في حيزين جغرافيين، ناهيك عن ما بينهما من خلاف برنامجي سياسي وإجتماعي، بل ولا تخفي إحدى هاتين السلطتين التي نشأت بإسم "حماس" في غزة منذ الحسم السياسي لها بوسائل عسكرية في حزيران 2007، منافسة السلطة القائمة بإسم منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية، على تمثيل الشعب الفلسطيني، دون نسيان المحايث لهذا الإنقسام الداخلي "الأعوص" في تاريخ النضال الفلسطيني منذ عقود، من تداخلات عربية وإقليمية ودولية معقدة، فيما يسعى الاحتلال الإسرائيلي، بسلطاته المختلفة، وبطرائق متنوعة، وكلاعب أساسي، إلى إطالة أمد هذا الإنقسام، بل وتأبيده إن أمكن.
 
 قصارى القول، لأن تصعيد الإنقسام الفلسطيني، ووصوله إلى ما وصل اليه منذ حزيران 2007، لم يكن نبتاً شيطانياً، ولم يلد فجأة خارج مقدمات وأسباب سياسية داخلية وخارجية، فإن إنهاءه، لن يكون خارج، ومن دون، الحوار العميق حول تلك المقدمات والأسباب. وللتوضيح، وبالملموس، فإنه لا يمكن إنهاء هذا الإنقسام بعيداً عن التغلب على المعيقات، حتى لا نقول الموانع، التالية:
 
أولاً: إقتناع كافة أطراف الخارطة الحزبية الفلسطينية، وبالأساس طرفي الإنقسام، "فتح" و"حماس"، وبصورة حاسمة غير قابلة للجدل، أنه لا يمكن إنهاء هذا الإنقسام من دون إيجاد الأرضية السياسية المشتركة، أي الإتفاق على القاسم السياسي الوطني المشترك، لبناء وحدة وطنية بنظام سياسي موحد يحدد حيز نفوذ كافة ألوان الطيف الفكري والسياسي الفلسطيني، في المؤسسات الوطنية العامة التشريعية والتنفيذية والأمنية.....، أولاً في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتاليا، (لمن يريد)، في بعض، أو في كافة، مؤسسات ما أنشأته من سلطة إنتقالية في الضفة والقطاع، وفقا، وبناء على، تعاقدها السياسي مع إسرائيل في إتفاق إعلان المباديء، (أوسلو)، عام 1993.
 
أما إستمرار محاولات تجاهل أهمية الأساس السياسي المطلوب لإنهاء الإنقسام وبناء الوحدة، فلن يفضي إلى نتيجة، لأنه يضع عربات مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية والأمنية... قبل حصانها السياسي. فهل يمكن تصور إمكانية الإتفاق على ملف الأجهزة الأمنية، من دون الإتفاق على السياسة المراد لهذه الأجهزة الأمنية تنفيذها؟؟!! وألم يكن عدم حسم هذه المسألة في "إتفاق مكة"، أحد الأسباب الأساسية وراء الإنفجار السريع لذلك الإتفاق في حزيران 2007؟؟!! ثم، هل يمكن تصور إمكانية الإتفاق على التشارك في المؤسسة التشريعية، ولا حقاً في المؤسسة التنفيذية للسلطة الوطنية الفلسطينية، (الحكومة)، من دون الإتفاق على البرنامج السياسي المراد لهذه الحكومة تنفيذه؟؟!! وألم يكن عدم حسم هذه المسألة أحد الأسباب الأساسية في فشل تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الإنتخابات التشريعية في كانون ثاني 2006، رغم الإتفاق على إجرائها بمشاركة الجميع في إتفاق القاهرة 2005؟؟!!
  
بلى، إن من الوهم بمكان تصور إنهاء الإنقسام وبناء وحدة وطنية راسخة خارج، ومن دون، الإتفاق على أساس سياسي وطني مشترك، يكون بمثابة حصان يقود عربات باقي قضايا الخلاف. وهذا إستخلاص كان يجب، وما زال يجب، إعطاؤه الأولوية في أية حوارات جادة تهدف الى مغادرة حالة الإنقسام والتأسيس لبناء وحدة وطنية فلسطينية راسخة، ذلك إن شئنا الإفادة من دروس التجربة العملية للحوار، قبل أية نقاشات أو إجتهادات فقهية.
 
 وللأسف فإن هذا العنوان قد جرى تغييبه عن أجندة طاولة ما يجري من حوار بين حركتي "فتح" و"حماس"، ما قاد إلى تشكك الكثير من المحللين والمراقبين، فضلا عن غالبية الفصائل والفعاليات الوطنية، بإمكانية أن يفضي هذا الحوار إلى نتائج مختلفة عن النتائج التي أفرزتها الحوارات الوطنية الشاملة او الثنائية السابقة.
 
ثانيا: إقتناع كافة أطراف الخارطة الحزبية الفلسطينية، وبالأساس طرفي الإنقسام، "فتح" و"حماس"، بصورة حاسمة غير قابلة للجدل، أن الخلاف السياسي الفلسطيني الداخلي، هو ليس خلافا معزولا عن ما يسود الخريطة الرسمية العربية من خلافات، هي أيضاً ذات أساس سياسي، أفضى إلى قسمة النظام الرسمي العربي بين ما يسمى بجناحي "الإعتدال" و"الممانعة"، على ما لدينا من ملاحظات على أخذ هذا التصنيف على محمل الجد بإطلاقية، لا ترى أن النظام الرسمي العربي، على ما بينه من خلافات سياسية نسبية، كان قد أجمع، وما زال يجمع، على مشروعية التفاوض الثنائي المنفرد والمباشر مع إسرائيل، تحت الرعاية الأمريكية، وإعتماد هذا التفاوض كإستراتيجية ثابتة لإدارة وحل الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، وذلك منذ مؤتمر مدريد عام 1991. الأمر الذي كان يجب، وما زال يجب، على الأطراف الفلسطينية كافة، وعلى "فتح" و"حماس" تحديداً، أخذه بعين الإعتبار، في الحوارات الوطنية، وذلك عبر عدم نسيان مخاطر تركيب الخلاف الفلسطيني على أجنحة الخلاف الرسمي العربي، بل النأي عن ذلك، عبر التوصل إلى إتفاق سياسي فلسطيني داخلي، والإنطلاق به، ومنه، في مطالبة الرسمي العربي لإسناده في مواجهة الإستهدافات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً.
 
ثالثا: إقتناع كافة أطراف الخارطة الحزبية الفلسطينية، وبالأساس "فتح" وحماس"، بصورة حاسمة غير قابلة للجدل، بأن السياسة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، وعلى إختلاف تلاوينها الحزبية، معنية بضرب كافة الأطراف الفلسطينية، وتعمل على إبقائها ضعيفة في كل الأحوال، منقسمة كانت أومجتمعة. وإن أية قراءة معاكسة، لا تعدو كونها ضربا من الوهم، اللهم إلا إذا كان هناك من يعتقد أن الحكومات الإسرائيلية، ومن خلفها الإدارات الأمريكية، هي جمعيات خيرية.
 
إن تصعيد السياسة الإسرائيلية بدعم أمريكي، في الموقف والممارسة، وخاصة منذ تشكيل حكومة نتنياهو ليبرمان، بات أمراً غنياً عن الشرح، ووصل إلى ذروته في مطالبة الفلسطينيين والعرب بالإعتراف بإسرائيل كـ"دولة للشعب اليهودي"، ما يشكل دليلا دامغا أن الخارطة الحزبية الإسرائيلية السائدة عموما، وليس حكومة نتنياهو ليبرمان فقط، ليست في وارد التوصل إلى تسوية سياسية للصراع، تلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، لا بل، ولا حتى إقامة دولة فلسطينية سيادية مستقلة في حدود الرابع من حزيران.
 
ولعل في هذا التصعيد الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، حافزاً موضوعياً جديداً وإضافياً، على كافة ألوان الخارطة الحزبية الفلسطينية إلتقاطه، وإتخاذه أساساً للشروع في حوار وطني شامل جاد وحقيقي، يكون بند التوصل الى القاسم السياسي الوطني المشترك على رأس جدول أعماله، ليخوض بعد ذلك في باقي عناوين الخلاف بيسر وسهولة أكثر. فبهذا، وبهذا فقط، يمكن لقطار إنهاء الإنقسام وبناء الوحدة أن يقلع بثبات ورسوخ. ودون ذلك، يبقى الحوار الوطني، بصرف النظر شاملا كان أم ثنائيا، مجرد دوران حول صحن الموضوع، دون التغميس بجدية في جوهره. وعليه يغدو السؤال: في موضوع المصالحة الوطنية، إلى أين تتجه رياح حوارات الأطراف الوطنية الفلسطينية، ورياح حوار "فتح" و"حماس" تحديداً؟؟؟ ترى هل تسير صوب المعيقات، أم صوب الحوافز الموضوعية؟؟!!            

التعليقات