05/11/2010 - 11:36

دلالات وكوابح تصاعد السعار الصهيوني../ عوني فرسخ

-

دلالات وكوابح تصاعد السعار الصهيوني../ عوني فرسخ

 

شهدت الأراضي العربية المحتلة سنة 1948 مؤخراً سعاراً عنصرياً صهيونياً متصاعداً. ففي صفد أفتى كبير الحاخامات بتحريم بيع أو تأجير العقارات للأغيار، قاصداً المواطنين العرب، متسبباً للطلبة العرب في مشكلة سكن في المدينة ذات الأغلبية اليهودية الساحقة. وفي يافا اقتحمت الشرطة مسجدين وحققت مع إمام أحدهما بحجة أن تجاوز الأذان الحد المسموح به يزعج المستوطنين في الجوار. فيما حاول انصار الحاخام كاهانا اقتحام أم الفحم في ذكرى مصرع جولد شتاين، سفاح مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل (تصويب من عــ48ـرب: الصحيح هو ذكرى مقتل الفاشي مئير كهانا). وفي القدس الغربية أحرق مبنى تابع للكنيسة المعمدانية. والسؤال: ما هي دلالات هذا التصعيد في سعار الصهاينة، وهل من كوابح عربية قادرة على لجمه؟
 
وفي الإجابة ألاحظ أن أولى دلالات تصاعد السعار العنصري أنها علامة ضعف التجمع الاستيطاني الصهيوني، وليس نتاج تنامي دور وفعالية اليمين التلمودي فقط. فالكيان حين كان في أوج قوته حرص صناع قراره على إخفاء طابعه العنصري بتضمين إعلان إقامته النص على التزامه بالمساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية لجميع السكان من دون تفرقة على أساس الدين أو العرق أو الجنس. ما أتاح لرعاته على جانبي الأطلسي الادعاء بأنه “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”. وحينها كانت الأقلية العربية، محدودة النسبة ومتخلفة البنى الاجتماعية والوعي والمعرفة، إضافة لافتقادها القيادة الوطنية، بحيث بدت سهلة الاستيعاب ولا تشكل خطراً.
 
غير أن ما واجهته خلال عقدي الحكم العسكري الصارم حفز مشاعرها الوطنية وعمّق وعيها السياسي والاجتماعي، فضلاً عن تنامي وتزايد نسبتها على نحو طردي لتغدو أقلية قومية يحسب حسابها. وبالمقابل تراجعت قدرات الكيان ولم يعد باستطاعته حل تفاقم تناقضاته الداخلية بالعدوان على محيطه العربي. وكان من أبرز مظاهر الواقع المستجد المغالاة في الحديث عن خطر الأقلية العربية، وبالتبعية استهدافها لحل تناقضات التجمع المتفاقم مأزقه الوجودي، وبحيث لم يعد مبالياً بانكشاف طابعه العنصري.
 
وثانية دلالات تصعيد السعار العنصري، أنه النتاج الطبيعي لتنامي الدعوة للاعتراف بالكيان “دولة يهودية”، واحتلالها المقام الأول في الدعاية الصهيونية، واتساع دائرة المطالبين باستكمال جريمة التطهير العرقي التي نفذت في حرب 1948/1949 بأمر بن غوريون، التي وثقها المؤرخون “الإسرائيليون” الجدد. ومع أن الفكر الإنساني تجاوز القبول بالنظم العنصرية إلا أن المطالبة بالاعتراف بيهودية الكيان حظيت بدعم الإدارة والكونغرس الأمريكيين وأغلبية الحكومات والبرلمانات الأوروبية، بل وقبول سلطة رام الله المحتلة وأنظمة الصلح والتطبيع العربية، ما أضفى على المطلب الصهيوني ظلال مشروعية دولية أسهمت في تحفيز السعار المتجذر في الثقافة الصهيونية. وبالتالي فإن ما شهدته صفد ويافا وأم الفحم والقدس الغربية مؤخراً نذير ما هو مخطط لتنفيذه في عموم الأرض العربية المحتلة سنة 1948.
 
وثالثة الدلالات، أن تصعيد السعار ما كان منفلتاً بلا كوابح لولا تصور مقترفيه أنهم بمنجاة من المساءلة والعقاب، وفي الواقع ما يبرر تصورهم. فالإدارة الأمريكية ملتزمة بالتصدي لكل إجراء عقابي يصدر عن المحافل الدولية بحق الصهاينة مهما غالوا في عدوانهم وعنصريتهم. وعلى المدى العربي تراجع الاهتمام بالشأن القومي لمصلحة دعوات الخلاص الذاتي. فيما تجاهل اتفاق أوسلو ومبادرة القمة عرب الأرض المحتلة سنة 1948 يشي بتقبل الإجراءات الصهيونية بحقهم باعتبارها شأناً “إسرائيلياً” لا يجوز التدخل فيه. بينما المقاومة ملاحقة في الضفة بالتنسيق الأمني مع الصهاينة، ومتوقفة في القطاع حرصاً على تجنيب مواطنيه عدواناً مبيتاً له.
 
غير أنه على مدى تاريخ الصراع الممتد كان العنف الصهيوني محفزاً لإرادة الممانعة والمقاومة برغم كل المعوقات. وفي تقديري أنه إذا كانت انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987 نقلت الصراع للضفة والقطاع المحتلين، فإن تصاعد السعار الصهيوني في الأرض المحتلة سنة 1948 يرشحه لنقلة جديدة أكثر جذرية وأشد خطورة على حاضر الكيان ومستقبله. وهذا ما لاحت تباشيره في التصدي لمحاولة اقتحام أم الفحم، كما في المظاهرة التي شهدتها في الذكرى الرابعة والخمسين لمجزرة كفر قاسم. إذ تجلى في الحاليين أعلى مستويات الوحدة الوطنية الفلسطينية بالتقاء نواب الكنيست العرب، وقيادة لجنة المتابعة العربية، ونشطاء الحراك الوطني في الجليل مع رموز الحركة الإسلامية في المثلث، وجمهور من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري، واعتبارهم استهداف مدينة الصمود استهدافاً للوجود العربي ما بين أقصى شمال الجليل وأقصى جنوب النقب، مجمعين على شعار “باقون في أرضنا”. ما يرجح فشل مخطط التسفير القسري “الترانسفير” المستهدف، وتعميق مأزق الكيان الوجودي، ومضاعفة تعرية طابعه العنصري.
 
ولما كان المتجذرون في الأرض العربية المحتلة سنة ،1948 بتصديهم الراهن والمتوقع للسعار الصهيوني المنفلت من كل الضوابط، لا يدافعون عن وجودهم وحقوقهم المشروعة فقط، وإنما أيضاً عن أمن واستقرار دول الطوق العربية وسلمها الأهلي، بالحيلولة دون التهجير القسري الذي لن تسلم من عواقبه هذه الدول، وبالتبعية بقية نواحي الوطن العربي، ما يستدعى حراكاً وطنياً وقومياً لدعم الصامدين في الأرض العربية المحتلة. وهذا ما تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى هيئات المجتمع المدني، وبالذات الأحزاب والنقابات والمؤتمرين القومي العربي والقومي الإسلامي، إن هي نجحت في إقامة جبهات وطنية قطرية ملتزمة بالثوابت الوطنية ضاغطة لوقف كل علاقة بكيان عنصري عدواني، ثبت بالممارسة العملية رفضه لكل مبادرات السلام العربية. إذ لم يعد مقبولاً تواصل العلاقات الدبلوماسية والتجارية معه، واستمرار التنسيق الأمني الذي تواصله علناً أجهزة سلطة رام الله، وسراً غيرها من الأجهزة العربية، والتوقف عن المراهنة العبثية عن دور أمريكي مستحيل ألا يكون منحازاً للحليف “الإسرائيلي” الاستراتيجي. وهذا هو التحدي الذي تواجهه قوى المجتمع المدني العربية، وبخاصة في دول الطوق.
"الخليج"
 

التعليقات