08/11/2010 - 15:04

المقاومة والمسؤولية الوطنية والإنسانية../ ديالا بشارة*

-

المقاومة والمسؤولية الوطنية والإنسانية../ ديالا بشارة*
المقاومة تاريخيا فاعل مهم في المعادلة الدولية، فاعل مرتبط موضوعيا وتاريخيا بالتطورالعالمي وحركة المجتمعات وتطورها في حركة تصاعدية عملية، تتلقى التأثيرات وتساهم في التأثيرعلى مجريات التوازنات الدولية، وتموضع القوى السياسية على الصعيد المحلي والعالمي مادياً ومعنويا،ً وتدفع النشاط الجانبي للبشرفي حلقة دورية لتمتزج ببعضها وتتحول إلى نشاط خلاق يساهم في المسيرة الخيرة للطاقات الكامنة في الناس.
 
المقاومة جزء من الصراع السياسي ورافعة مهمة في دمج العلاقات الإنسانية في منظومة واحدة من خلال نضالها المشروع في التخلص من الظلم الخارجي لإرساء قواعد العدالة الاجتماعية في الداخل، وهي بذلك تغرز وتبني حجرالزاوية في البناء الإنساني ومنظومته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
 
فالمقاومة مسؤولية وطنية في كل دولة محتلة، وواجب اخلاقي وروحي لأفراده في الدفاع عنه، لأنها تنطلق من حرية الوطن وتكرس لميراث جديد، قيم الحرية والعدالة. ففي المجال الأول هي دافع نحو تحررالعقل من الخمول والكسل وتحرض الفكر على التقدم لبناء فضاء وواقع حقيقي في إعادة البحث عن موقع للفئات الجديدة وتموضع متعدد للقوى الاجتماعية المهمشة ودورها الاجتماعي في البناء الاجتماعي والسياسي. فهي عملية خلق وإعادة بناء إنسان وتحصين عقله وروحه وتعميق الإيمان والتفاني والحب وقيم الخيروحب الحياة والوجود، وتعطيه دافعا نحوالصيرورة الإنسانية، وتقدمها بعيداً عن الفكر الشمولي المتحجروالديماغوجيا القميئة التي تقزم الواقع وتخضع لمقاييس الاقزام.
 
فالمقاومة في حالة تداخل مهم، التطور التاريخي مع التقدم الإنساني في تفاعل عملي للفكروالثقافة والقيم، تتغذى عليها القوى الاجتماعية الحاملة لمشروع الاجتماعي للانطلاق إلى الأمام في تداخل البنى والمستويات السياسية في الواقع الاجتماعي، فتتماسك البنى في منطق متواصل ومركب وحقيقي.
 
فالمقاومة في جوهرها بنية مركبة ومرنة، رفض واضح للاحتلال ونبذ فعلي للتطرف والتقوقع، في حالة رؤى متعددة للواقع والحياة، ومفتاح تفاعلي للفكر والبحث في آفاق تغليب العقل واشتغاله على أرض الواقع، وفي استناده على الإيمان لوضع حجرالزاوية لمشروع نهضوي يعمل على فتح آفاق الحرية والمستقبل، في رسالة واضحة المعالم، أن يكون البشر أسياد مصيرهم ورؤاهم للخروج من إطار القديم والتأسيس للجديد، للعقل وتمارينه.
 
ربما يتبادرإلى ذهن الكثيرين أن زمن المقاومة قد ولّى في عصر العولمة التي تربط جميع المجتمعات والاقتصاديات والبلدان في حركة واحدة، لكنهم نسوا أن الفاعل السياسي ما يزال طاغيا، ويسعى إلى تهميش الشعوب واحتلال أراضيها والسيطرة على ثرواتها وموقعها الجيوسياسي ومصادرة قرارها ومياهها، وتسعى إلى انسداد الافاق أمام تطورها التاريخي، لذا تلجأ هذه المقاومة لبناء الإرادة الذاتية وتسليح ذاتها ثقافيا وإنسانياً لتكون جزءا من مشروع حضاري إنساني حامل لإرادة التغييروتحقيق التقدم والخير والسعادة للبشرية التي هي ثمرة التطور الموضوعي لحقل العلاقة بين الأنا الباحثة عن التحرروبناء إرادة الجماعة والنخب وتوظيفه وفق مصالح ومتطلبات بلداننا، لأن المقاومة تدرك أن واقع ووضع المجتمعات تقع على عاتقها ولا تتجزأ. ففي مقاومتها تسعى إلى أن تعيش في قلب حياة العالم من موقع الفاعل في المنظومة العالمية، من خلال تحسين شروط الانخراط فيه وبلورة استراتيجية ذاتية من داخل النظام من أجل تعديل موازين القوى المتحكمة في العالم لدفع بلداننا العربية للعمل على فهم البعد الموضوعي للواقع والعمل على استيعاب ما يجري حولنا من تجاوزات للواقائع والحقائق على الأرض.
 
المقاومة هي استيعاب فعّال لعملية الصراع المحلي والإقليمي وعلاقة الانخراط فيه، وتمثل الصراع الحقيقي وفهمه على الصعيد العالمي من خلال الدخول فيه ووعي شروطه للنضال العملي في داخله ضد الاستغلال والقهرعلى الصعيد العالمي وتعزيزالعمل السياسي والفكري للتحضير للتغيير الجذري لطبيعة النظام الراسمالي القاسية، وبناء الشروط المعرفية والفكرية والسيكولوجية والثقافية لتمسك بآليات النظام، ونقل الناس إلى ضفاف العدالة كمدخل للتحولات الدولية الهائلة التي تقودها المقاومة ولا يمكن إيقافها. إن اشغال الفكرشرط أساسي في معرفة وفهم آليات العولمة والسعي إلى تغييرها من الداخل.
 
المقاومة تسعى لللاستفادة من الفضاء الثقافي الكوني لتقريب المسافات بينها وبين الشعوب من أجل خلق استراتيجية للتفاعل الثقافي والسياسي، وخلق ثقافة إنسانية تخرج من المحلي، والعمل على تشكيل نخبة كونية متناغمة ومتفاعلة مع ما يحدث من تطور اقتصادي عالمي وما يرافق ذلك من صراع ثقافي ينتقل من المحلي الى العالمي بعلاقة متداخلة في طريقها إلى تشكيل بيئة ثقافية لها استقلالها النسبي ولكن في العمق تفاعلية.
 
إن نهضة الشعوب مرهونة بتفكيك السيطرة الخارجية ونيل استقلالها الفعلي. يثبت التاريخ أن الشعوب التي قاومت الاحتلال جددت دماء أبناءها ودفعت شعوبها نحوالتقدم، مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا وفنلندا والولايات المتحدة وفيتنام وغيرها.
 
 ففي فرنسا التي احتلت من قبل الألمان في العام 1941، تشكلت مقاومة سرية تطبع الصحف وتوزع سراً إلى أن شكلت خلايا نضالية منظمة وصلت إلى عشرات الآلاف من المناضلين، متوزعة على جهات مختلفة ومتفارقة، ولكن يوحدها النضال ضد المحتل، كقوات الجنرال ديغول والحزب الشيوعي الفرنسي وغيره الذين قاموا بدك معاقل المحتل وتدمير صفوفه ومناهضة وجوده. وقد اعترف العالم بأسره بهذه المقاومة، وتم تمجيد رجالها ونسائها عبر نصب وتماثيل تخلد ذكراهم كالجندي المجهول وغيره.
 
وهناك المقاومة الفيتنامية المعروفة التي أحبطت المشروع الأمريكي في الهند الصينية، وأجبرت الاستعمار الفرنسي والأمريكي وأعوانهم على الانسحاب والاستسلام. فالمقاومة جزء من قوانين التطور الاجتماعي وجزء من قوانين الصراع لأنها تفرض شروطا جديدة على الأرض، وتملك خصوصية نوعية التي من شأنها أن تفرض حقائق جديدة وصياغة قواعد وواقع جديد، وهي رسالة وإرادة الخروج من الانغلاق للدخول إلى العالم الواسع مبتعدة عن التأويل الضيق للتاريخ والحاضر.
 
وكلنا يذكرالمقاومة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي، وكيف أجبرته على الانسحاب بعد احتلال دام مئة وثلاثين عاما. وليبيا مثل آخر، وأغلب البلدان العربية قاومت محتلها. أما أحدث تجربة مقاومة في منطقتنا كانت في إجبار إسرائيل على الخروج من لبنان في العام 2000 تحت ضربات المقاومة اللبنانية، الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الله، الذين عملوا على خطين متوازيين، مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والخوض في التجربة الديمقراطية اللبنانية. فحزب الله منفتح على كل القوى السياسية الداخلية وشريك فاعل ومهم في تكريس التعددية السياسية وتركيبة الدولة اللبنانية المفروضة على لبنان من الخارج عبر دستورالعام 1943 التي وضعته فرنسا بالاتفاق مع القوى الطائفية الحليفة لها، وجرى رعايته والإبقاء عليه عبرمؤتمرالطائف برعاية أمريكية وإقليمية ومحلية لتعزيزالتركيبة الطائفية أوالتوليفة القديمة.
 
ما فعلته المقاومة اللبنانية البطلة عبر صراعها الطويل مع المحتل الإسرائيلي أنها همشت القوى الطائفية، القوى التقليدية، العائلية والبيوتات المنغلقة ذات المصالح الإقليمية والمحلية كالقوات اللبنانية وبقية التركيبة المستندة على الإرث العائلي لصالح الصراع مع المحتل الخارجي.
 
يسجل للمقاومة اللبنانية ايجابياً أنها حافظت على الثوابت السياسية دون تكيف أو تفاهم أو تعامل أو مساومة مع المحتل الإسرائيلي، مع تكيف مرن وراق مع شروط الحياة الطبيعية، شروط الحياة اللبنانية الصعبة دون مساومة، والتفاعل مع الوضع الإقليمي والدولي من موقع الحفاظ على الذات والتمسك بخيارالمقاومة في محيط صعب يعرضها لانتقام الولايات المتحدة وإسرائيل، ومحاولة إخراجها من المعادلة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية في تناقض واضح بين مصالح القوى الدولية النافذة وإسرائيل من جهة، ومصالح المقاومة وشروطها، ومصالح بلادنا وشعوبنا العربية. فالهدف الإسرائيلي واضح المعالم، وهو تكريس الاحتلال وديمومة بقائه. فحزب الله يتهم من قبل البعض أن له أجندة إقليمية ومحلية متناسين قسوة الصراع على المنطقة وتداخل مصالح الدول العملاقة والقوى السياسية الفاعلة فيها وتداخل مصالحها الخارجية وعمالة مواقفها السياسية، والعملية مع إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
 
علينا أن ننظرإلى الانتصارات التي قادها حزب الله من دون تبسيط أوعداء اوقطيعة ودون توجيه التهم من هنا وهناك، كي نحافظ على المكاسب السياسية من هذا الانتصار ونسخرها لترسيخ آفاق سياسية واجتماعية لبلداننا من أجل مواصلة التحرير، ونكف الكيل لبعضنا التهم والتخوين من أجل احتواء الضغوط الخارجية ومنع إسرائيل من اللعب في تناقضات وضعنا الداخلي. فما زال هناك تناقض لم يحسم ما بين الدولة والمقاومة نتيجة انسداد آفاق العمل السياسي ومحصلة التأخير التاريخي لمجتمعاتنا.       
 
إن تطورالفكر والبحث المعرفي راكم في المجتمعات الإنسانية، ومنها بلداننا، الحس بالعدالة والمساواة، ودفعت الكثير من المجتمعات في البحث عن تحسين واقعها الاجتماعي وتطوير واقعها السياسي عبر التراكمات المعرفية وإبداع أساليب جديدة والاستفادة من خبرتها من أجل نقل الواقع الاجتماعي والسياسي للبشر إلى وضع جديد. علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين كي نبقى.

التعليقات