25/11/2010 - 14:05

فلسطين.. سلطتان ولكن../ ماجد عزام*

-

فلسطين.. سلطتان ولكن../ ماجد عزام*
السلطة الفلسطينية من دون أي سلطة وإنما تمارس خدمات شبيهة بخدمات البلديات. لا توجد لدينا أي سلطة على المنطقة "ج" التي تساوى ستين بالمائة من الضفة ولا على المستوطنات ولا على المنطقة "أ" الخاضعة إداريا وأمنيا للسلطة. لذلك فالأفضل لنا أن يتسلمها الإسرائيليون على أن نظل ندير سلطة بلدية.
 
إسرائيل تستفيد من احتلالها الأراضي الفلسطينية، لذلك يجب أن توضع أمام مسؤولياتها. إسرائيل تستولي على 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا من أصل 800 مليون متر مكعب تنتج في الأراضي الفلسطينية، وتصدر ما قيمته ثلاثة مليارات دولار إلى الأراضي الفلسطينية، والمستوطنون يأتون ليسكنوا على رؤوس الجبال فى الضفة بعيدا عن ضجيج تل أبيب، وقادة الجيش يأخذون مواقع لهم فى مجالس إدارات الشركات الإسرائيلية العاملة في الأغوار، لذلك فإنهم لا يفكرون بالرحيل وإنهاء احتلالهم المربح جدا.
 
الكلام السابق ليس لأحد المعارضين لعملية التسوية بمنحاها الحالي أو حتى الرافضين لاتفاق أوسلو وكل ما تمخض عنه بما فى ذلك السلطة طبعا، بل لمحمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والمستشار المقرب جدا من الرئيس أبو مازن فى الفترة الأخيرة.
 
كلام اشتية يطرح علامات استفهام عديدة من قبيل: هل ومتى وكيف وأين ولماذا، عوضا عن تناوله لأمرين متداخلين؛ دور السلطة ومبرر وجودها، إضافة إلى عملية التسوية والمفاوضات بمسارها المعروف خلال العقدين الماضيين الذي حوّل الاحتلال إلى عملية مربحة لإسرائيل وضباطها ومستوطنيها.
 
الحقيقة أن السلطة وجدت أصلا بلا سلطة، ولم تكن في الجوهر، رغم فهلويات وأكروبات الشهيد ياسر عرفات، سوى إطار تجميلي وكاذب خال من أى سيادة جدية وحقيقية على الأرض، علما أن الأمر اقتضى عملية خداع عميقة للرأي العام الفلسطيني، وإيهامه أنها ستؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، رغم أنها في الحقيقة ليست سوى مملكة من الوهم، كما أقر أبو مازن نفسه أثناء القمة العربية الأخيرة فى طرابلس.
 
وحتى مع تصديق كذبة أن حكومة نتن ياهو - التي مر على وجودها في الحكم أكثر من سنة ونصف - هي من قامت بسلب السلطة سيادتها وولايتها القانونية والسياسية والأمنية على الأرض، يصبح السؤال عن رد فعل القيادة الفلسطينية؟ ولماذا سكتت عن هذا الأمر؟ ولمَ قبلت أن
تستمر في لعب دورها في مسرحية الخداع والوهم وتنفيذ التزامات مشتركة نقضها الجانب الإسرائيلي بشكل منهجي ومتعمد طوال سنة ونصف على الاقل.
 
البعد الآخر في كلام أو اعتراف اشتية يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي المربح للاراضي الفلسطينية. وهنا ايضا تطرح الاسئلة عن متى حدث ذلك؟ هل فقط في العامين الأخيرين ام طوال عقدي التسوية؟ وإلى أي حد ساهمت السلطة الفلسطينية نفسها في خفض تكلفة الاحتلال؟ بل حتى في تحويله إلى عملية مربحة للإسرائيليين؟ وما هي مسؤولية القيادة الفلسطينية في الصمت أو حتى عدم المبادرة والمضي قدما في خيار ومسار كان أساسيا ومفصليا في مسيرة تحول الاحتلال إلى عملية مربحة جدا للاسرائيليين أفرادا وجماعات.
 
السلطة بلا سلطة في الحقيقة، وهي ليست أكثر من إدارة ذاتية أو بلدية للإشراف على حاجات السكان والمواطنين الخاضعين للاحتلال وسيطرته سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. غير أن ما يثير الأسى هو حالة الانكار التي تتعاطى بها الحكومة في غزة مع هذه الحقيقة. فالسيد إسماعيل هنية كما وزير داخليته فتحى حماد يتحدثان عن إنجازات وإبداعات ونموذج فريد للحكم مع أن من المعيب الحديث عن ذلك في ظل تزايد معدلات البطالة والفقر والفلتان الأمني والانهيار شبه التام للقطاعات الاقتصادية والحياتية المختلفة من زراعة وصناعة وتعليم وصحة، ومع كامل الانتباه الى المسؤولية الإسرائيلية والحصار غير الأخلاقي وغير القانوني إلا أن هذا لا يلغي واقع الانفصام والهرب المنهجي إلى الأمام، وتحاشي تشخيص الحالة في غزة –كما في الضفة- كونها سلطة ذاتية بلدية خالية من أي سيادة، بينما أشكال السيادة الوهمية والمصطنعة والمختلقة تتنافى مع حقيقة الاحتلال الاسرائيلي غير المباشر ولكن الجوهري للقطاع عبر التحكم بحدوده البرية والبحرية والسيطرة على سمائه، والتحكم بحركة المواطنين والبضائع منه وإليه، علما أن هذا المعطى يطرح بدوره السؤال المحزن عن أسباب وحيثيات الاقتتال على سلطة أو بالأحرى على سلطتين وهميتين خاضعتين للاحتلال وإن بدرجات متفاوتة.
 
مهم جدا ما ذهب اليه السيد اشتية غير أنه على أهميته لا يمثل أكثر من نصف الطريق نحو الخلاص من المأزق الحالي للمشروع الوطني الذي لا يمكن ان يتحقق دون استخلاص الاستنتاجات السياسية المناسبة من المعطيات والاحصائيات التي طرحها، والتي يفترض ان تثير نقاشات وحوارات معمقة وجدية على الساحة الفلسطينية عن كيفية رفع تكلفة الاحتلال الاسرائيلي، وهل تقف السلطة عائقا وحائلا أمام هذا الأمر؟ وهل ما زالت ضرورة وطنية –على افتراض انها كانت كذلك يوما ما- أم أنها باتت بمثابة العبء على الشعب الفلسطينى وحقوقه وآماله الوطنية؟! مع الانتباه الى حتمية انهاء الانقسام الكارثي وتحقيق المصالحة كشرط لازم وضرورى للاجابة على هذه الاسئلة الصعبة والملحة.

التعليقات