01/12/2010 - 19:27

خلف "الحدود المؤقتة" فكر سياسي وأيدولوجيا!!!../ علي جرادات

-

خلف
إن كانت الأيدولوجيا جوهر والفكر السياسي مظهر، وأظن أن الأمر كذلك، يغدو الفكر السياسي جذرا والمواقف السياسية فرعا. تلك هي المعادلة (البوصلة) الصائبة للتعامل مع المواقف السياسية، أية مواقف سياسية، وغير ذلك "جوهرة للمظهر" أو "تفريع للجذر"، لن يفضي إلا إلى تيه الولوج في المدخل الخاطئ الذي يكون التقدم فيه تقهقراً، وفي أقله مراوحة، هي بالمعنى الواقعي النسبي تقهقر، لأن لا معنى للقول إن أحداً أو شيئا يتقدم أو يتقهقر إلا نسبة لتقدم أو تقهقر غيره، أو "آخَرَه" وفقاً للمنهج الجدلي كما بلوره هيغل بعد مسار طويل ومعقد من تاريخ تطوره.
 
 قصدت من التمهيد أعلاه التحذير من التعامل مع المواقف السياسية الإسرائيلية، على إختلافها الحزبي، تجاه "قضايا الوضع النهائي" حسب (أوسلو)، دون حسبان الأيدولوجيا والفكر السياسي الكامنين خلف هذه المواقف السياسية. إذ منذ أضحى "فاقعاً"، وصعب التسويق، ولا يتناسب مع روح العصر، الإنكار المبدئي لوجود الفلسطينيين، وبالتالي حقوقهم الوطنية والتاريخية، وهو الإنكار المتضمن في أيدولوجيا "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وكل ما مورس على وقعها من تطهير عرقي، وبعد أن تبين أن فلسطين، لم تكن "تسيل باللبن والعسل فقط"، بل تفيض أيضاً بأناسِ يتنفسون ويقاتلون، صارت هنالك حاجة إلى تعديل في الشكل مع الحفاظ على ذات المضمون. وبتكثيف كان الإقرار بأن هنالك "مجموعات سكانية، (لاحظوا ليس شعباً)، غير يهودية تعيش على أرض إسرائيل اليهودية الكاملة". وبالتالي، فإن صيغة الحكم الذاتي تحت السيادة الإسرائيلية، كافية لتلبية حاجات هذه "المجموعات غير اليهودية". لكن، ولأنه لا يمكن تمرير أية مؤامرة من دون إيجاد حيلة لتسويقها، فقد تم طرْح الحكم الذاتي كحل "إنتقالي"، يمهد لـ"حل نهائي" للقضية الفلسطينية، فيما المُضمر تأبيد "الإنتقالي"، وفرضه كحل "نهائي"، بصرف النظر عن أية تحسينات شكلية لا تمس الجوهر. وكانت أطروحة بيغن للسادات فيما يخص القضية الفلسطينية، نقطة البداية على هذا الصعيد. وللتدليل، يقول رابين في مذكراته:
 
"وكان مناحيم بيغن وافق في كامب ديفيد على أن يطبق مشروع الحكم الذاتي لمدة انتقالية تجري خلالها مفاوضات حول التسوية النهائية، ولكن موقف حكومته كان ينص على أن الحكم الذاتي يجب أن يكون الحل الدائم للقضية الفلسطينية".
 
وقد ظلت حيلة "الإنتقالي" و"النهائي" إستراتيجية إسرائيلية ثابتة في التعامل مع القضية الفلسطينية، فقد كررها رابين نفسه في تقسيم قضايا المفاوضات مع الفلسطينيين في (أوسلو) إلى "إنتقالي" و"نهائي"، وكذا ظل أولمرت بالأمس، ويواصل نتنياهو اليوم، اللعب بذات الحيلة، إنما تحت مسمى أكثر إغراء، أي "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، ما يفرض على الفلسطينيين رفض تكرار التعامل مع هذه الصيغة، بل (الحيلة)، وعدم الوقوع ثانية في مطبها، إذ "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين". فما بالك حين يكون اللدغ، نية وممارسة، معلناً، بدءاً بوضوح شامير في "سأفاوض الفلسطينيين لعقود"، مروراً بخبث رابين في "لا يوجد مواعيد مقدسة"، وغرور باراك في محاولة تحويل "الإنتقالي" في (أوسلو) إلى "نهائي" في مفاوضات كامب ديفيد 2000، عرجاً على نسف شارون للمألوف وفرض الرؤى على الأرض من طرف واحد، وصولا إلى سفور عنصرية نتنياهو في بـ"الضغط والقوة يرضخ العرب"، وإنتهاء بفاشية ليبرمان في عصرنة التطهير العرقي بـ"تقليعة" "التبادل السكاني".
 
 بلى، خلف صيغة "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، كما كافة ما سبقها من مواقف سياسية إسرائيلية، هدفت الى تصفية القضية الفلسطينية عبر حيلة تحويل "الإنتقالي" الى "حل نهائي"، ينتصب فكر سياسي، على التمايز النسبي بين تفرعاته الحزبية، يرفض الإقرار بالمسؤولية عن نشوء القضية الفلسطينية، ويرفض بالتالي الإعتراف بالفلسطينيين كشعب له الحق في تقرير مصيره بنفسه في دولة مستقلة سيادية وفقا للقانون الدولي، وينطلق من أن الفلسطينيين هم مجرد "مجموعات سكانية غير يهودية تعيش على أرض إسرائل اليهودية الكاملة". وبدوره، يحيل هذا الفكر السياسي إلى أيدولوجيا صهيونية جامعة للتفرعات، إنطلقت من أكذوبة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" المنطوية منذ البداية على نية مبيتة لممارسة سياسة التطهير العرقي، جرى تنفيذها بسفور عام 1948 كما وثّق بالمعطيات المؤرخ الإسرائيلي النزيه إيلان بابيه، وظلت، وما زالت، مع تعديلات شكلية، إستدعتها تغيرات الواقع، سياسة إسرائيلية ثابتة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وللتدليل، يقول رابين في خلاصة مذكراته:
 
"إن القضية الفلسطينية المعقدة غير قابلة للحل حلاً مثالياً، فهذه المأساة الإنسانية قد خلقتها الدول العربية قبل 32 عاماً عندما رفضت مشروع التقسيم الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، وواصلت النضال ضد وجود دولة إسرائيل، ولكن مهما كانت الجهة المسؤولة عن هذه القضية، فإنه يتوجب على إسرائيل أن تشارك بصورة فعالة في البحث عن حل للمشكلة التي إن لم يتم التوصل إلى حل لها، فإن من المستحيل التوصل إلى سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط".
 
بعد تأكيد أن إسرائيل غير مسؤولة عن القضية الفلسطينية، وأن تعاملها معها ناجم عن كونها مشكلة تعيق التوصل إلى السلام الشامل في الشرق الاوسط، ليس إلا، يؤكد رابين:
 
"هنالك ثلاثة خيارات لحل القضية الفلسطينية، الأول الذي يدعو إليه المتطرفون الفلسطينيون، وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والثاني الذي تدعو إليه حكومة بيغن، وهو يقضي بمنح العرب المقيمين في الضفة والقطاع الحق في إدارة شؤون حياتهم في ظل سلطة للحكم الذاتي على أن يمنح هؤلاء السكان الاختيار بين الجنسية "الإسرائيلية" أو الاحتفاظ بالجنسية الأردنية.....وبموجب هذه الخطة ستكون الضفة والقطاع جزءاً لا يتجزأ من دولة "إسرائيل" ذات السيادة، أما الخيار الثالث الذي أؤيده ويتمسك به حزب العمل فهو أن الحدود الأصلية "لأرض إسرائيل" الانتدابية (التي تضم "إسرائيل" والضفة الغربية وقطاع غزة والمملكة الأردنية) يجب أن لا تضم أكثر من دولتين هما "إسرائيل" ودولة أردنية- فلسطينية تضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وقطاع غزة، وخاصة المناطق المزدحمة بالسكان، وأن الدولة الأردنية- الفلسطينية يجب أن تمنح الفلسطينيين حقوقاً خاصة بالشكل الذي يختارونه ليعبروا عن حقهم في تقرير المصير".
 
 أما حول المشترك في خياري "العمل" و"الليكود" ودوافعهما لحل القضية الفلسطينية، فيقول رابين:
"على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين حزبي الليكود والمعراخ حول موضوع حل القضية الفلسطينية، فإنهما يعارضان بشدة إقامة "دويلة" فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة......".
 
 قصارى القول، خلف حيلة "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، هنالك فكر سياسي، أنجبته أيدولوجيا توحد تفرعاته، وتمايزاته الحزبية النسبية، لا يجوز مجاراتها (الحيلة)، بل يجب التمترس خلف رفضها، فلدغاتها قاتلة، وجرى تجريبها على مدار سبعة عشر عاما، وأظن، وليس كل الظن إثما، أنها كافية ويزيد.

التعليقات