06/12/2010 - 13:09

الفضيحة عربية والنكهة أمريكية واللذة إسرائيلية../ زهير أندراوس

-

الفضيحة عربية والنكهة أمريكية واللذة إسرائيلية../ زهير أندراوس
حتى ساعات الصباح الباكر من يوم الأربعاء، الفاتح من كانون الأول (ديسمبر)، حسب التوقيت المحلي في فلسطين، أشار محرك البحث (غوغل) إلى وجود 761 ألف ملفٍ باللغة العربيّة عن موقع التسريبات (ويكيلكس)، وهذا الرقم الطوفاني، يعكس حالة التعطش لدى أبناء الأمّة العربيّة للولوج في فضائح الحكام العرب، وتواطئهم وتخاذلهم وجهودهم الحثيثة والمكثفة المبذولة ضدّ مصالح الأمّة من محيطها إلى خليجها، وخصوصًا حض الولايات المتحدة الأمريكيّة على توجيه ضربةٍ عسكريةٍ للبرنامج النووي الإيرانيّ.
 
 وهذا التوجه العربيّ الرسميّ في علاقاته مع إيران ليس نابعًا، لا سمح الله، من حسابات قومية مبنية على العداء التاريخي بين الأمتين العربيّة والفارسيّة، إنّما مرده خشية أنظمة الدمي، أوْ بكلماتٍ أكثر تدقيقًا ودقّةً، خوف المحميات الطبيعية في الشرق الأوسط، المسماة مجازًا بالدول العربيّة، من رأس حربة الإمبرياليّة العالميّة، أمريكا. فها هو وزير الدفاع الأمريكيّ، روبرت غيتس، يظهر يوم الثلاثاء (30.11.2010) على شاشات التلفزيون ويقول بصراحةٍ غير معهودة من صنّاع القرار بواشنطن إنّ الدول التي تتحالف مع بلاده لا تفعل ذلك حبًا بها، بل أنّها تُقْدم على توطيد علاقاتها مع أمريكا، لأنّها تخاف منها، وفي توصيفه للحالة الأمريكية قال الوزير غيتس بوقاحةٍ وصلافةٍ إنّ العالم وصل إلى درجةٍ لا يُمكنه فيها العيش بدون أمريكا.
 
 هذه النظرة الاستعلائية والفوقية، ونحن نتحدث عن الحالة العربيّة، تُشكّل صفعة مجلجلة في وجوه الملوك والأمراء والسلاطين والحكام العرب، بعد انكشاف أمرهم من خلال الوثائق التي تمّ نشرها، والتي شرحت بالبنط العريض مدى الشرخ القائم بينهم وبين الكرامة والانتماء والكبرياء، وتصريح الوزير غيتس يُضيف زخمًا جديدًا للفضيحة العربيّة، خصوصًا وأنّ ظلم ذوي القربة أشّد، أي أمريكا.
 
*السعودية: وبما أننّا نتحدث عن الفضيحة، فليُسمح لنا بالتخمين بأنّ العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحق له الحصول على لقب البطل بجدارةٍ وامتياز، فالرجل توسّل واشنطن لضرب "البرنامج النووي الإسلاميّ-الشيعيّ". السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي سُميّت على اسم العائلة الحاكمة، آل سعود، السعودية هي الدولة الوحيدة على وجه البسيطة التي يمنع فيها القانون النساء من قيادة السيارات، حفاظًا على شرفهن، والمملكة وقعّت مؤخرًا على صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بموجبها تحصل على أسلحة متطورة مقابل المبلغ الزهيد الذي يصل إلى 62 مليار دولار فقط، ونحن نقول من حق ومن واجب السعودية الحفاظ على أمنها، ولكنّ المنطق يدفعنا إلى التساؤل: لماذا لا تجرؤ السعودية على إطلاق برنامج نووي إسلاميّ سنيّ لدرء الخطر القادم من البرنامج الشيعيّ في إيران؟ هل ينقصها المال؟ ألا يُعاني العالم العربيّ من فائض في عدد العلماء، الذين ينتقلون مع قدراتهم الفائقة إلى الغرب بسبب قمعهم في بلادهم؟ وبما أننّا لا نريد سبر أغوار عالم الرياضيات والإحصائيات، فنترك الساحة مفتوحة للقارئات والقراء لإجراء تمارين في العصف الذهني: ماذا كنّا سنفعل بالمبلغ المذكور لو تمّ رصده لصالح الأمّة العربيّة، التي وللأسف الشديد، وفق المعطيات الرسمية، تصل نسبة الأميّة فيها إلى أكثر من خمسين بالمائة.
 
*مصر: بعد رحيل القائد والمعلم جمال عبد الناصر جسديًا عن هذا العالم في الثامن والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1970، تمكن الرئيس المصري السابق، أنور السادات، وخليفته مبارك، وهو خير خلف لخير سلف، من تحويل مصر العروبة من بلد كل العرب إلى دولة جميع المصريين، وتمكنّا أيضًا من إخفاء هذه الدولة العظيمة عن الأجندة في المنطقة، وبعد أنْ كانت بعهد عبد الناصر دولة الريادية، باتت اليوم دولة لا وزن لها ولا ثقل في العلاقات الدولية، أوْ الإقليمية أوْ حتى العربيّة، وينبري وزير مخابراتها، الجنرال عمر سليمان، بحسب الوثائق التي نُشرت هذا الأسبوع، ليقول للأمريكيين: إسرائيل ليست عدو مصر، بل حزب الله وإيران.
 
 أمّا الحزب الحاكم، فيحق له الحصول على المرتبة الأولى في التزوير والتزييف، على ضوء نتائج الانتخابات المصرية، التي جرت الأحد الماضي، والتي أسفرت عن فوزه بالأكثرية الساحقة، وعن فقدان جماعة (الإخوان المسلمين) جميع مقاعدهم (88 مقعدًا في مجلس الشعب في انتخابات 2005)، فهنيئًا لفخامة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي وصفه الرئيس المصري، ورئيس الحزب الحاكم، حسني مبارك، بأنّه خارق الذكاء وممتع ولبق، وما إلى ذلك من تعبيرات ضجّ منها حتى القاموس العربيّ الخاص بشؤون النفاق والرياء والاستجداء، وتلقى السيّد مبارك الرد من نتنياهو، الذي قال الاثنين (29.11.10) إنّه يتحتم على الزعماء العرب التحلي بالجرأة والتصريح علنًا بدعمهم لضرب برنامج إيران النووي، والكف عن المطالبة بذلك في الغرف المغلقة وراء الكواليس، على حد تعبير نتننياهو، خارق الذكاء.
 
 وبشكلٍ استثنائي، نضطر في هذه العجالة، إلى التوافق مع رئيس وزراء "دولتنا" ونضم صوتنا إلى صوته، ونناشد العديد من الحكام العرب بالإعلان عن مواقفهم من إيران، مثل سورية مثلاً، لأننّا نميل إلى الترجيح بأنّ الخجل والوجل والاحترام الذاتي، ليسوا من شيمهم وصفاتهم الموروثة أوْ المكتسبة، أوْ الاثنتين معًا.
 
*السلطة الفلسطينيّة: "بعد 10 سنوات من محاولة التوصل إلى حلٍ دائمٍ مع السلطة الفلسطينية لم يتم إنجاز أيّ شيء، فقط العمل العسكري ضد حماس في الضفة الغربيّة منعها من توسيع سيطرتها خارج قطاع غزة، وبدون العمل العسكري الإسرائيلي فإنّ فتح ستسقط خلال شهر، وينضم أبو مازن إلى ابنه الثري الغامض، مضافًا إلى ذلك، فإنّ استثمار 6 مليارات دولار في السلطة الفلسطينية منذ العام 1994 لم يؤد إلا لإضافة بضعة أشخاص إلى قائمة أغنى 500 شخص في العالم"، الكلام هو لرئيس الموساد، مئير دغان، في لقائه مع السيناتور الأمريكي بينجامين كاردين، حسب ويكيليكس، حيث عرض تقديرات متشائمة من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
 
 وبحسب المحلل السياسي في صحيفة (هآرتس)، ألوف بن (29.11.10) فإنّ أفكار وسياسة ورؤية رئيس الموساد للنزاع مع الفلسطينيين تتطابق تمامًا مع رؤية وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان. وبعد مرور 24 ساعة على نشر أقوال دغان، تبيّن أنّه في برقية أرسلت في شهر شباط (فبراير) من العام 2009 من قبل عضو الكونغرس كاردين، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن تأييده لمبدأ تبادل الأراضي ضمن اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، وهذا المبدأ يتماشى مع طرح ليبرمان العنصري، الذي يريد أيضًا التبادل السكاني، وبما أنّ أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا تؤيد مسألة التبادل، من حيث المبدأ، فيُمكن القول والفصل أيضًا إنّه يحظى بإجماع مما يُطلق عليه المجتمع الدولي، وبالتالي لا يستغربن أحدٌ إذا طوّرت الدولة العبرية هذا المبدأ المقبول عالميًا، وباتت تطرح شمل السكان في عملية التبادل.
 
 من هنا، نرى أنّ أقوال دغان المؤكدة، وتصريحات نتنياهو غير القابلة للتأويل، تضع عرب الـ48 وبقوةٍ على طاولة المفاوضات بين من يُسمون أنفسهم قادة الشعب الفلسطيني وبين إسرائيل وأمريكا.
 
 المفرح في الأمر أنّ سلطة عبّاس-فيّاض، لم تُرغ ولم تُزبد، ولم تُهدد ولم تتوّعد، ولم تُعلن رفضها لهذا الأمر، مع أنّها كما نقول بالعامية لا تحل ولا تربط، ولكنّها بحاجةٍ ماسةٍ إلى ربطٍ لحلّها. وإذا قمنا بتركيب الصورة الكاملة، فنصل إلى المعادلة التي قد تبدو خياليّة في هذه الأيام: عرب الـ48 سيتحولون إلى سلعة للمقايضة على طاولة المفاوضات، ولا نستبعد بالمرة أنّ يتحول الفلسطينيون الذين يرابطون داخل ما يُسمى بالخط الأخضر إلى لاجئين مع وقف التنفيذ في الضفة الغربيّة المحتلة وقطاع غزة، مقابل إعادة قطعان المستوطنين في المناطق الفلسطينيّة المحتلة إلى الدولة اليهودية النقيّة من العرب، وهذه الدولة تحظى بإجماع شبه كاملٍ في جميع روافد المجتمع اليهودي الإسرائيلي وفي دوائر صناعة القرار في دولة الاحتلال والانطواء، أوْ التوسع.   

التعليقات