13/12/2010 - 13:03

مأزق مفاوضات بلا مستقبل../ كلوفيس مقصود

-

مأزق مفاوضات بلا مستقبل../ كلوفيس مقصود
قرار الإدارة الأمريكية سحب مطالبتها “إسرائيل” بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر مقابل ضمانات بأن الولايات المتحدة سوف تمدها بطائرات “ف 35” ووعد بممارسة حق النقض (الفيتو) إذا لجأت السلطة الفلسطينية أو المجموعة العربية إلى مجلس الأمن لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967، يشكل فصلاً جديداً يدل على أن “إسرائيل” تصرفت وكأنه من المستحيل أن يقنع نتنياهو معظم أعضاء حكومته بهذا الاقتراح.
 
* أولاً: كان هناك شرط “إسرائيلي” بأن تأتي هذه الضمانات مكتوبة، ما دل على أن “إسرائيل” تظهر في العلن تشكيكاً في صدقية الموقف الأمريكي في هذا الصدد، وهذا أحرج الإدارة الأمريكية وخاصة الرئيس أوباما، بأن مجرد الوعد الذي نتج من محادثات بين الوزيرة كلينتون ونتنياهو في نيويورك لمدة سبع ساعات لم يكن كافياً “لإقناع” أعضاء في حكومته بالتجاوب مع المطلب الأمريكي، وحتى يستمر “نتنياهو” بالإمعان في ابتزازه للإدارة الأمريكية فإنه من خلال تصريحات مستشاريه “عجز عن إقناع العديد من أعضاء حكومته”.
 
بمعنى آخر، لجأ نتنياهو إلى التنصل من موقف هو من صلب سياسته، حتى يشكل التنصل العلني مدخلاً لاستمرار الاتصال مع الإدارة الأمريكية.
 
* ثانياً: يتبين لنا أن مطالبة الرئيس أوباما سابقاً “بتجميد المستوطنات لمدة عشرة أشهر” كانت خطأ في التقدير وفي التحليل السياسي، وتقليلاً من شأن ضبط المصطلحات القانونية التي تنطوي عليها مفردة “التجميد” كونها تشكل إقراراً بأن الاستيطان مقبول كحق لـ“إسرائيل” وأن التجميد هو مجرد جذب للسلطة الفلسطينية إلى “التفاوض”، فيما الواقع يتطلب كما أكدنا مراراً أن يطالب الرئيس أوباما بتفكيك المستوطنات حتى يتم التعامل مع “إسرائيل” كدولة محتلة للأراضي الفلسطينية، لا كدولة لها حق الملكية في المستوطنات.
 
يستتبع ذلك أن كل السلوك “الإسرائيلي” ينطوي على اعتراف منها بأنها ليست سلطة محتلة. كان على الإدارة الأمريكية وخبرائها وسياسييها أن يعترفوا بأن حق الملكية الذي تدعيه “إسرائيل” وعدم إقرارها بأنها محتلة وبالتالي عدم امتثالها لاتفاقيات جنيف الرابعة غير قانوني حتى تستقيم المرحلة التالية من المباحثات غير المباشرة التي ستدير المسيرة التفاوضية في الأسابيع المقبلة وألا تبقى هذه المسيرة عبثية كما في السابق. وهذا ما يفسر ممارساتها واستمرار تمددها الاستيطاني وسياسات التمييز التي تمارسها داخل الأراضي المحتلة وضد عرب 48، وهذه الممارسات هي من مقومات ومعالم المشروع الصهيوني.
 
* ثالثاً: إن الطلب من السلطة الوطنية و”إسرائيل” إرسال مندوبين عنهما ليقوموا بمحادثات غير مباشرة برعاية أمريكية واستجابة الطرفين لهذا الطلب الأمريكي بعد الإخفاق لمدة عامين وقبلها منذ اتفاقيات أوسلو، ما هما إلا دليل على مسلسل من الإخفاقات التي تتابعت منذ معاهدة الصلح بين مصر و”إسرائيل” مروراً بـ“أوسلو”.
 
* رابعاً: خلاصة القول إن خطاب الرئيس أوباما في القاهرة وأنقرة في أعقاب انتخابه كان واعداً ولكن عندما وضع منطلقات سياسته في التعامل مع القضية الفلسطينية انطلق من مسلمات راسخة في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي “الإسرائيلي”، واصطدمت لاحقاً بحقائق على الأرض أفرزتها حالة فلسطين المطوقة بالدولتين العربيتين المطبعتين، ما أخرج عنصر الردع العربي لوقف تمادي “إسرائيل” واستباحتها الحقوق الفلسطينية والاستمرار من دون عرقلة جادة. ساعد “إسرائيل” في ذلك مضي “السلطة” في محادثاتها رغم معرفتها بعدم جدواها وتخليها عما يعرف بثقافة المقاومة، وأيضاً تحول الوضع الفلسطيني إلى انقسام معيب وضار بين المنظمتين الأكثر تمثيلاً. كل ذلك أدى إلى تحويل مرجعية المقاومة إلى سراب والأخذ بوجود حركة تحرير وطني ومقاومة بعدم الجدية، رغم أنها تعبر عن الوحدة الوطنية الفلسطينية بكل شرائحها داخل الأراضي المحتلة وخارجها. كل ذلك أدى إلى تلعثم الخطاب الفلسطيني بعد أن كان ملهماً بسبب الإسقاط المتعمد من قبل “فتح” لخيار الكفاح المسلح، بعد استنفاد كل وسائل المقاومة المشروعة كالمظاهرات والعصيان المدني واللجوء إلى الأمم المتحدة. كما أن السلطة في غزة التي تحولت بدورها إلى “سلطة” اعتبرت المقاومة مختزلة باستمرار إطلاق الصواريخ بين الحين والآخر، رغم صدق النوايا على حساب ثقافة المقاومة ووضع استراتيجية لها ما يستدعي مصالحة فورية تعيد الوحدة الوطنية ونجاعتها تقليصاً للأضرار وتمكيناً لاستئناف مقاومة مدروسة.
 
* خامساً: إن قضية فلسطين التي طالما عبأت الثقافة والمشاعر والمواقف الوجدانية والعمل السياسي على كافة المستويات تاريخياً، اختزلتها الأحداث الأخيرة بأن يدير دفتها رغم مركزيتها لدى الأمة أجهزة مخابرات.
 
هذا الخلل أفقد العرب التوازن وقدرة التخطيط ومكّن “إسرائيل” من استباحة الحقوق العربية وعطّل احتمال التنسيق العربي الملزم ناهيك عن الاتحاد والوحدة، كما أسهم في ازدواجية ما يقوله النظام العربي في العلن وما يضمره في السر كما نقل مركز “ويكيليكس”.
 
عند كتابة هذا المقال أشير إلى أنني لست مطلعاً بعد على ما ستقوله وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلينتون في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول. المفارقة أن يوم الجمعة الواقع العاشر من ديسمبر يصادف الذكرى ال 62 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنذ ذلك الحين و”إسرائيل” تستبيح حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي وحقوقه الوطنية.
"الخليج"

التعليقات