14/12/2010 - 11:21

اتفاق انتقالي جديد أم تغيير قواعد اللعبة؟ / هاني المصري

-

اتفاق انتقالي جديد أم تغيير قواعد اللعبة؟ / هاني المصري
أعترف بأنني أخطأت التقدير،عندما رجحت أن حكومة نتنياهو ستقبل في نهاية الأمر صفقة دنيس روس حول التجميد الجزئي المؤقت للاستيطان، الذي سيكون للمرة الأخيرة ويستثني القدس مقابل مكاسب إستراتيجية تقدمها الإدارة الأميركية لإسرائيل.

الخطأ كان تكتيكياً ولا يمس الاتجاه العام الذي تسير الأحداث به، وهو حتى الآن يشير إلى السعي إلى استئناف المفاوضات أو انتظار استئناف المفاوضات دون بلورة بديل حقيقي.

لم أكن أتصور أن جنون التطرف الإسرائيلي سيصل إلى حد رفض مثل هذه الصفقة السخية جداً، ولكن هذا ما حدث فعلاً ويحتاج إلى تفسير، إن الذي دفع الحكومة الإسرائيلية إلى رفض الصفقة هو أنها:

أولاً: وأساساً لا تريد حكومة نتنياهو أن تقدم سابقة تجعل فيها الدعم الأميركي الإستراتيجي لإسرائيل، الذي من المفترض أن يكون مفروغاً منه وتحصيل حاصل، مشروطاً، الأمر الذي يفتح الطريق مستقبلاً لتقديم شروط إضافية مقابل هذا الدعم الذي تحتمه المصالح والأهداف الأميركية الإسرائيلية المشتركة والعلاقة العضوية الإستراتيجية التي تربط البلدين.
 
ثانياً ــ الحكومة الإسرائيلية تخشى إذا وافقت على هذه الصفقة أن تخرج من تحت "الدلف" (تجميد مؤقت للاستيطان) لتقف تحت المزراب (تركيز المفاوضات القادمة على الحدود)، وهذا ما اتضح من خلال تصريحات صادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن إسرائيل ترفض مبدأ التفاوض حول الحدود أولاً وإنما تريد التفاوض حول القضايا الجوهرية كافة بالتزامن لكي تضمن عدم حشرها بزاوية رسم الحدود قبل أن تستكمل تطبيق مخططاتها الاستيطانية والتوسعية والعنصرية خصوصاً في القدس التي تضمن من خلالها أن أي حل يتم التفاوض عليه أو تجري محاولة فرضه سيتضمن الشروط الإسرائيلية. إن الحكومة الإسرائيلية تريد اتفاقاً ينهي الصراع من كافة جوانبه وبما يصفي القضية الفلسطينية مرة وإلى الأبد.
 
ثالثاً ــ الحكومة الإسرائيلية هي أكثر حكومة تطرفاً منذ تأسيس إسرائيل ولا تريد أن تسجل على نفسها "تنازلات مبدئية" لمتقدم عليها حكومات سابقة أقل تطرفاً منها. فيكفي ما أقدمت عليه حتى الآن من مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، على الرغم من أنه استثنى القدس وآلاف الوحدات قيد البناء والمرافق العامة.
 
السؤال القديم الجديد الذي يطرح نفسه هو: ما العمل الآن بعد أن أعلنت الإدارة الأميركية وقف مساعيها لتجميد الاستيطان وانتقالها إلى دعوة الطرفين إلى مباشرة مفاوضات تستهدف التوصل إلى اتفاق إطار؟

إذا لم تستطع إدارة أوباما إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان فكيف تستطيع إقناعها باتفاق يشمل جميع القضايا الجوهرية، بحيث تنسحب من القدس وتحل مشكلة اللاجئين وترسم الحدود وتزيل الاستيطان.

إذا كانت إدارة أوباما لم تحمّل إسرائيل مسؤولية الفشل، وأكدت هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة لن تفرض حلاً على الطرفين وتدعم حلاً متفاوضاً عليه، وترفض الخطوات الأحادية الجانب. وقامت الإدارة الأميركية لتأكيد موقفها بانتقاد البرازيل والأرجنتين وأورجواي على إقدامها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتبرت أن هذه الخطوة ضارة ولا تساعد على تقدم عملية السلام.

الآن إذا وافقت القيادة الفلسطينية على المشاركة بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة دون تجميد الاستيطان أولاً، وقبل الاتفاق على مرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات تضع نفسها تحت شروط صعبة جداً، وتقدم على انتحار سياسي.

الدليل على ذلك أن المغزى الرئيس لتراجع الإدارة عن سعيها لتجميد مؤقت وجزئي للاستيطان لا ينحصر بتفضيلها الذهاب إلى المفاوضات المباشرة من أجل تناول القضايا الجوهرية، وإنما أن الإدارة الأميركية بعد الانتخابات النصفية للكونغرس، وفي ظل ضغوط اللوبي الصهيوني والمؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، ومع عدم وجود موقف فلسطيني أو عربي موحد وفاعل يجمع ويستخدم أوراق القوة والضغط في ميزان العلاقات الأميركية ــ العربية ويكتفي بالانتظار والاستجداء وتقديم التمنيات والطلبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع،  تسير نحو المزيد من الانحياز لإسرائيل.

هناك طريق واحد لإنجاز الحقوق والمطالب الفلسطينية والعربية هو طريق رفع كلفة الاحتلال، الذي وصفه الرئيس أبو مازن بأنه أرخص احتلال في التاريخ، فدون أن تخسر الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أكثر مما تربحان لا يمكن أن يتحقق السلام.

إن هذا الأمر لا يتأتى من خلال طرح خيارات بديلة عن المفاوضات تكون متعارضة مع بعضها البعض، وتركز على الاستمرار بإستراتيجية المفاوضات الثنائية المباشرة نفسها، مثل خيار التهديد باللجوء للولايات المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على الرغم من أنها ساهمت دائماً في إفشال عملية السلام من خلال دعمها لإسرائيل ورفض مقاطعتها أو ممارسة أية عقوبات عليها. ومثل خيارالتهديد باللجوء إلى مجلس الأمن (على أهميته) إلا أنه وحده لا يكفي على الإطلاق، لأن الفيتو الأميركي يقف بالمرصاد لأي مشروع عربي أو غير عربي يعترف بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن أن صدور قرار دولي بالاعتراف بالدولة لا يحل شيئاً على أرض الواقع، فلدينا قرار التقسيم الذي قامت إسرائيل على أساسه وهو يعطي الفلسطينيين أكثر بكثير مما يطالبون به حالياً، وهناك غيره عشرات القرارات التي تنتصر لفلسطين ولم تنفذها إسرائيل.

ومثل خيار التهديد باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على وصاية دولية على الأراضي المحتلة، الأمر الذي يتناقض مع الخيار السابق الساعي للاعتراف بدولة فلسطينية، أو لتفعيل بند "الاتحاد من أجل السلام "الذي يعطي للجمعية العامة صلاحيات مجلس الأمن عندما يكون هناك تهديد للأمن والسلام الدوليين ويعجز مجلس الأمن عن معالجته، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى وقت طويل تتوفر فيه إرادة دولية حقيقية لفرض السلام على إسرائيل.

ومثل خيار التهديد بحل السلطة، الذي لا يأخذه أحد على محمل الجد، لأن السلطة لا يمكن أن تحل نفسها، وإذا فكر أحد من داخلها أن يحلها، سيقف الكثيرون داخلها وخارجها ضده. المطلوب الآن ليس حل السلطة ولا التهديد بحلها وإنما تغيير شكلها ووظائفها وعلاقتها بإسرائيل بحيث يتم وقف تطبيق التزاماتها الأمنية ما لم تلتزم إسرائيل بالتزاماتها، والكف عن لعب دور سياسي بحيث تعود السلطة إلى مكانها الطبيعي كأداة لخدمة البرنامج الوطني وفي يد منظمة التحرير، ومجرد مرحلة على طريق دحر الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة وعاصمتها القدس.

إن البديل الحقيقي يبدأ أولاً: بتعزيز الصمود وإعادة الاعتبار للمنظمة والبرنامج الوطني، برنامج إنهاء الاحتلال، وحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، ويمر بإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنية ديمقراطية تضمن شراكة سياسية كاملة، وتنظيم مقاومة شاملة مثمرة واستعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية وتفعيل حركة التضامن الدولي والقرارات الدولية بحيث تحدث أزمة داخل فلسطين تجعل إمكانية نشوء دعم عربي ودولي ينعكس على الأسرة الدولية أمراً ممكناً وليس مجرد هروب من المأزق الراهن الذي تواجهه المفاوضات.

على الفلسطينيين أن يختاروا:
إما الاستمرار بالمفاوضات الثنائية المباشرة أو انتظار استئنافها مهما كان شكلها للحصول على اتفاق إطار يكون عملياً غطاءً لاتفاق انتقالي طويل الأمد هو أقصى ما يمكن تحقيقه ويعيد إنتاج أوسلو بشكل أسوأ، ويؤجل قضايا القدس والحدود واللاجئين والاستيطان إلى إشعار آخر، أي إلى الأبد.
أو استخلاص الدروس والعبر من مسيرة المفاوضات العقيمة ورفض العودة للتفاوض الثنائي المباشر والإصرار على الالتزام بأسس ومرجعية للمفاوضات تضمن أن تكون مفاوضات ناجحة، وهذا لا يكون إلا بالسعي إلى تغيير الوضع الراهن، فالوضع الراهن لا يعطي للفلسطينيين سوى دولة ذات حدود مؤقتة، فهل يقبلون بالمتاح أو يغيرون قواعد اللعبة؟. هذا هو السؤال. هنا الوردة فلنرقص هنا!

التعليقات