20/12/2010 - 10:31

استراتيجية لمواجهة الفشل / كلوفيس مقصود

-

استراتيجية لمواجهة الفشل / كلوفيس مقصود
في أعقاب قرار لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير وقرارها بأن لا تعود السلطة الفلسطينية إلى “المفاوضات” مع “إسرائيل”، ومن ثم قرار السلطة القيام بحملة “دبلوماسية” بهدف تأمين اعتراف دولي بدولة فلسطين ضمن حدود حزيران/ يونيو 1967، صار لزاماً الاعتراف بفشل “مسيرات السلام” التي استولدتها اتفاقيات أوسلو وما تبعها من محادثات برعاية أمريكية فقط، كون “إسرائيل” كانت ولا تزال تصّر على أنها لن تقبل بأية مشاركة دولية كونها (أي الولايات المتحدة)، كما أكد الرئيس الراحل أنور السادات، تملك تسعاً وتسعين بالمئة من الأوراق.
 
كانت هذه القناعة الراسخة عند الرئيس السادات هي التي بدورها أنتجت معاهدة الصلح مع “إسرائيل” عام 1979 والتي بدورها أيضاً أنتجت عبثية “مفاوضات أوسلو”، حيث كان سحب إدارة أوباما مطالبة “إسرائيل” بتجميد لمدة ثلاثة أشهر للمستوطنات مقابل 20 طائرة “اف 35” وتعهد اللجوء إلى حق النقض في مجلس الأمن ضد أي مطلب عربي أو فلسطيني للاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 67 وعاصمتها “القدس الشرقية”.
 
لذا، وقبل الإبحار في “الحملة الدبلوماسية” التي تنوي السلطة الفلسطينية القيام بها في الأسابيع والأشهر القادمة لا مفر من معالجة نقدية للمنهج الذي اتبعته السلطة أو هل هي “منظمة التحرير”، والتي أوقعها في المصيدة التي كادت أن تؤدي إلى إجهاض القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مسلسل من المشكلات المتصاعدة وتحريفها عن المستلزمات الأساسية لأي حركة تحرير وطني ما أفقد منظمة التحرير الفلسطينية كونها إطاراً للشعب الفلسطيني بكل شرائحه وبالتالي مرجعية نضاله ومقاومته.
 
إزاء هذه الخلفية التي دفعت بالمنظمة باتجاه قناعة مستجدة لديها بأن حصر التعامل عملياً مع الإدارات الأمريكية المتتابعة هي الوسيلة الأنجع إن لم تكن الوحيدة لانتزاع أية حقوق كانت “إسرائيل” تعتبرها “تنازلات” وأحياناً “أليمة”، إضافة إلى أن ما آلت إليه سياسات التطبيع من إضعاف لقدرات الردع في مواجهة تمادي “إسرائيل” في تصعيد الاستباحة للحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني، كما ضمها لهضبة الجولان واعتداءاتها المتكررة على لبنان وغيرها من الاختراقات ومحاولات التحريض على دول صديقة ومتعاونة مع العديد من أقطار الوطن العربي.
 
في ما تقدم لا مفر بادئ ذي بدء من التعرف إلى دلالات المعنى في المصطلحات التي تعامل معها الفريق الذي كان مكلفاً المحادثات وتأمين استضافتها حتى لا تكرر الحملة المنوي القيام بها الوقوع في المغالطات والتشويهات التي استعملت أثناء المحادثات العبثية التي أعطت آمالاً مغلوطة وأجازت لـ“إسرائيل” أن تبقى منفلتة من المساءلة ناهيك عن المعاقبة. لذا سوف أعطي بعض الأمثلة لمفردات ومصطلحات جعلت معظم المحادثات وخاصة منذ اتفاق أوسلو لغاية الآن مجرد تمرينات في العبث إذ تآكلت في هذه الأثناء المزيد من الأرض الفلسطينية وسقط الآلاف من الضحايا والشهداء، كون الشطط في استعمال المفردات جعلها عرضة لفقدان الخطاب الفلسطيني استقامته ويتلعثم في خطابه تجاه الشعب الفلسطيني والعربي من جهة والعالمي من جهة أخرى.
 
ويكفي التذكير بمصطلحات تم تداولها وأوجدت آمالاً مغلوطة فتاهت البوصلة وساد القلق والإحباط، ولعل كما أكدنا مراراً أن استعمال “مفاوضات” كان خطأ فادحاً في توصيف محادثات كانت بدورها عبثية كما اكتشفت الإدارة الأمريكية الحالية، فالإمعان باستعمال “المفاوضات” بدلاً من المحادثات جعلها مجرد سبر غور لاكتشاف حقوق بدل من أن تكون عملية تفاوض ناتجة عن اتفاق مسبق على نتيجة، بمعنى مثلاً أن التفاوض كان مستنداً إلى إنجاز الحل الذي انطوت عليه قرارات قمة بيروت والتي أعيد تكرارها في جميع القمم اللاحقة.
 
إذاً أين الخلل؟ إنه يكمن بأن “إسرائيل” اعتبرته إحدى الوثائق المرجعية لا كما أرادتها القمم العربية المتتالية كحل نهائي، أي “الانسحاب الكامل مقابل المصالحة”. لكن حتى هذا الحل المبتور أصلاً لم يكن ليحصل، لأن التباساً آخر ساد “المفاوضات”، بحيث إن “إسرائيل” لم تعترض مطلقاً أنها سلطة احتلال خاضعة لتنفيذ بنود اتفاقيات جنيف الرابعة، بمعنى آخر، الاحتلال هو مؤقت ولو دام طويلاً وهو يفترض عدم تغييره للتركيبة السكانية ولا لمعالم الأراضي التي تحتلها دولة الاحتلال، أي “إسرائيل”، لهذا عندما تغاضت السلطة الفلسطينية عن ضرورة انتزاع إقرار من “إسرائيل” بأنها دولة محتلة، ما كان منها إلا التصرف وكأنها سلطة فاتحة مغتصبة، وبالتالي تستعمل كل وسائل الاغتصاب لتؤكد رسوخ حقها في الملكية.
 
لذا، لأن الفريق الفلسطيني “المفاوض” لم يؤكد استقامة معادلة التفاوض، فقد تحولت مسيرة “المفاوضات” إلى الحالة الراهنة، التي تجد القضية الفلسطينية نفسها فيها.
 
استتبع انعدام استقامة المعادلة المناط بها إيجاد الحل المعلن أن “إسرائيل” اعتبرت أن أية مقاومة أكانت سلمية أو مسلحة بمثابة تمرد انفصالي عن “إسرائيل” القادمة، إلا أن “إسرائيل” تصرفت على هذا الأساس من دون الإعلان إلا في السنوات الأخيرة عن نواياها، كون وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان كان يعلن بوضوح ما يفكر به ويخطط نتنياهو. هذا في ما يتعلق بالضفة الغربية والقدس الشرقية، أما بخصوص قطاع غزة فقد تعاملت معه “ككيان عدائي” ما يجيز الاعتداء عليه بارتكاب جرائم حرب، كما حصل في أواخر 2008. وفي هذا الصدد تسوّق “إسرائيل” أنها انسحبت من غزة، في حين أن كل ما حصل هو إعادة تموضع وليس انسحاباً، فالانسحاب من أرض محتلة يعني استرجاع السيادة، بينما إعادة التموضع تجيز لـ“إسرائيل” العودة متى تشاء، كما يدل عليه الحصار وما قامت به في غزواتها المتقطعة وجرائم حروبها على هذا “الكيان العدائي”.
 
بعد التجاهل الذي ميّز المحادثات المسماة خطأ بالمفاوضات منذ اتفاقية أوسلو وحتى الآن، وبعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العنصري، وبعد تهديد الولايات المتحدة باستعمال حق الفيتو في حال الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، إضافة إلى الافتراق القائم بين حكومتي رام الله وغزة، فإن واقع الحال يستدعي المزيد من الحيطة ودراسة الخيارات بشكل دقيق وصارم وذلك بعد إتمام مصالحة قابلة للتصديق بين جميع الفصائل، ومن ثم تأمين مشاركة عناصر المجتمع المدني الفلسطيني وممثلي اللاجئين ومؤسسات بحثية ودراسية وكبار المفكرين وذلك من أجل وضع استراتيجية مدروسة لتوفير فرص أكثر للنجاح في كل خطوة يأخذها الاجماع الفلسطيني تكون على شكل استراتيجية مجابهة، لا أن يبقى الوضع الفلسطيني يرتجل اقتراحات وحملات “دبلوماسية” أو غيرها.
 
لقد عانى الشعب الفلسطيني العربي بما فيه الكفاية، ولعل ما حصل في الأيام الأخيرة يوفر فرصة الوحدة باتجاه تحقيق مرجعية موثوقة توجه النضال وسط تعقيدات متزايدة. وكل ذلك يتطلب سرعة المبادرة واجتناب التسرع.
"יالخليج"

التعليقات