03/01/2011 - 12:12

تعميم الاحتقان وإدارة الطاقة السلبية../ ظافر الخطيب

-

تعميم الاحتقان وإدارة الطاقة السلبية../ ظافر الخطيب
المنطقة الرمادية، حيث اللاوضوح في الماهيات والمسارات المبتورة، هي الحالة السائدة في المرحلة الراهنة، وهي منطقة خطرة جداً عنوانها تقاطع الأزمات والمآزق، وأسلوبها في العقل الافتراضي تمرير أو كسب الوقت، والهدف إما البحث عن ربح أكيد، أو الحد من الخسائر، بذلك تصبح هذه المعادلة قاعدة من قواعد اللعب التي تشبه إلى حد ما أسلوب الحرب الباردة، وإن بأشكال تحفظ للمواجهة عمقها ومسبباتها، فلا تلغيها من أبجدية العمل السياسي. التكتيكات الحالية المتبعة قائمة على ضبط إيقاع السير على حافة الهاوية غير مضمونة النتائج، لأنها تخلق في مسار تطورها، مرادفات قد تكون أصعب في النتائج، لأنها لا تترك ساحة المواجهة بل تعدل بأشكالها، فيتم التركيز على الحصار والتضييق من جهة وعلى عمل الأجهزة والمجموعات السرية من جهة أخرى.
 
إن مجمل الممارسات السابقة، خلقت مشاعر عاطفية حادة عززت من حالة الفرز والاستقطاب، أنتجت بدورها عصبيات متطرفة عند كل الأطراف، التحريض والشحن، الاستنفار وعمليات الإعداد، القمع، الكبت الحرمان، الظلم والقهر، الخوف والحذر، البث الإعلامي الموجه، أنتجت طاقة زائدة عن الحاجة، تحتاج إلى تصريف، فإما افتعال أزمات داخلية كما هو الحال في مصر، لتنفيسها (الطاقة) أو التحكم بها عبر توجيهها باتجاه يحفظ للنظام مكانته ومبرر استمراره.
 
القاعدة إذا أن الطاقة السلبية تتحرك و تتطور باتجاهات محددة في البداية، لكنها تنفلت من عقالها في حالتي عدم القدرة على التحكم بها أو عدم رصد تطورها بما يمنع من التدخل من قبل الجهة المسيطرة من أجل تنفيسها بآليات مختلفة، لذك فإن إدارة الطاقة السبية تتيح إما توجييها باتجاهات سلبية مفيدة للنظام، أو التدخل عند وصولها إلى الذروة بما يمنع انفجارها داخليا في النظام أو في المجتمع، خاصة في حالة عدم وجود عدو خارجي توجه إليه الطاقة السليية، وفي بعض الأحيان تعمل الإدارة على خلق عدو أو تغويل قوته لتوجيه الطاقة السلبية باتجاهه.
 
الطاقة السلبية –الاحتقان، تتراكم لدى كل شعوب المنطقة، وهي نتاج الممارسات التي يمارسها ثالوث السيطرة والاعتداء والقمع (الإدارة الأمريكية، الكيان الصهيوني –النظام الرسمي العربي)،لكن تكتيكات وأساليب إدارة الطاقة السبية تختلف بحكم اختلاف الإمكانيات والقدرات إن كان على مستوى الوعي أو على مستوى الأدوات. ولا شك أن المؤسسة الأمريكية هي الأكثر حيوية في هذا المجال، إذ أن ماكينة الرصد والدراسة والتعمق بالحالات البشرية تمكنها من بلورة اتجاهات، خطط وسياسات تحرك الطاقة المتراكمة بما يخدم إدامة حالة السيطرة، وفي الحد الأدنى بما يخدم الأمن القومي الأمريكي.
 
 الأكثر حساسية في هذه الثالوث هو الكيان الصهيوني، ذلك أن طبيعة هذا الكيان الإحلالية، الإحتلالية، العنصرية تفرض على إدارة هذا الكيان مراقبة هذه الحالة على المستوى الداخلي، فعمليات التحريض والاستنفار، الخوف والحذر، عقدة وعقيدة التفوق والردع، هي عمليات تعبئة هادفة ومتواصلة، إنما تفرض القيام بعمليات تنفيس دائمة عندما تتعدى التعبئة الحد الأقصى دون فعل أو تفاعل يستهلك الطاقة، ويتم تظهيرها دائما على أنها جزء من حماية "إسرائيل" في مواجهة المخاطر التي تتعرض لها، ومن الممكن أن يكون الاتجاه نحو غزة في المرحلة الراهنة، وإطلاق نفير الحرب على أنه جزء من هذه التكتيكات.
 
الحالة التي عاشها النظام في "إسرائيل"، في مرحلة ما بعد عدواني 2006 - 2008 في لبنان وغزة، اتسمت بالخوف والتردد من جهة والإعداد، الاستعداد والاستنفار شبه الدائم ترقبا لحرب ستأتي، يضاف إلى ذلك توفر الرغبة بالثأر وإعادة الاعتبار في عقلية عسكريي"إسرائيل"، ويمكن وضع مجمل القوانين، الإجراءات، التدابير المتخذة من قبل حكومة الكيان الصهيوني كانعكاس لهذه الحالة من عدم الاستقرار الداخلي التي يتم تظهيرها خارجيا برداء من العناد والثبات والتطرف في المواقف.
 
إعادة تعويم غزة وتغويل قوة حماس والمقاومة هي استراتيجية قديمة متجددة، وتشكل مقدمة لعدوان جديد على غزة، ربما ليس بنفس متسوى العدوان السابق، لكنه يمثل ضرورة حيوية للإدارة "الإسرائيلية"، ذلك أن من شأن هذه العملية، المدعومة بتغطية إعلامية تشيد بقدرات وإمكانيات الجيش، والنصر المؤزر بعد ذلك، أن تعطي عدة نتائج، منها إعادة تعويم الائتلاف الحكومي بعد سلسلة الضربات التي وجهت له من أحزابه ومن نتنياهو نفسه بسبب فرديته وأنانيته وميله لتسطيح المسائل، وثانيا وأساسا تنفيس الطاقة المتراكمة والاحتقان الناتج عن حالة الجمود، عند الجندي الصهيوني والمجتمع الصهيوني، ذلك أن أي تأخير في ذلك إنما سيؤدي حكماً الى انفجار هذه الطاقة السلبية في قلب "إسرائيل"، ويمكن الاستئناس ببعض الحوادث المتزايدة في الكيان الصهيوني للدلالة على ذلك.
 
هذه المؤثرات انما تعيشها شعوبنا ايضا، الاحتقان الحاصل هو حالة عامة، غير أن ثالث ثالوث العدوان والسيطرة (النظام الرسمي العربي)، يقدم صورة مختلفة عن كيفية التعامل معها، ويستند في أدائه دائما إلى أسلوبين مقيتين، خلق أزمات داخلية بين فئات المجتمع كحروب الطوائف والمذاهب و خلق أعداء وهميين (الفرس والشيعة)، أو ممارسة القمع الوحشي، فالهدف الدائم له في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية هو حفظ مصلحة التحالف الحاكم "العائلة الحاكمة، أجهزة المخابرات والجيش، الكمبرادور العميل".
 
إن أي عملية تغيير لا يمكن أن تتم بدون الاتكاء إلى الحالة النفسية والمعنوية والعاطفية التي يعيشها الفرد في المجتمع، وعليه فإن عمل قوى وأحزاب التغيير في العالم العربي، بما فيه قوى المقاومة، إنما يفترض تفسير هذه الحالة وامتهان القدرة على توجيهها بما بخدم برامج التغيير، غير ذلك إنما يظل عملا بلا عمق أو هدف، أو ممارسة "مكانك راوح"، وهي سياسة تدفع باتجاه التآكل، لذلك فإن بقاء وضعية الارتهان والاستسلام ليست ناتجة عن سياسات الثالثوث العدواني، بل هي ناتجة ايضا عن عقم ومتاهة أحزاب وقوى التغيير.

التعليقات