17/01/2011 - 07:08

مفاجأة لن تجعلنا نستقيل../ كلوفيس مقصود

-

مفاجأة لن تجعلنا نستقيل../ كلوفيس مقصود
البديهي الاستنتاج بأنّ ما قامت به جماهير تونس دلّ على أن الاستبداد والنظام الذي يستولده من دون مشاركة شعبية فاعلة في صناعة القرارات والمصير للوطن وللمواطنين، يصبح سريع العطب عند ممارسة القمع، إذ يلغي حق المساءلة ويستأثر بالسلطة، ثم الاستئثار بثروات الوطن وإخضاعها لمقتضيات "الاستقرار" ومن ثم يتفشى الفساد ويتم تهميش القوى الحية ويخرس مختلف شرائح الشعب، حتى يعم ترسيخ النظام الشمولي المنغلق والمستشري، ويبقى منفلتاً من أي عقاب، لذا جاءت حركة الشعب التونسي في إطار انتفاضة أصيلة، جعلت ما كان يعتبر مستحيلاً، ممكنا.

رغم أن هذا الاستنتاج صار بمنتهى الوضوح والشفافية، وأن الأيام المقبلة سوف تكون حافلة بدراسة وتوثيق واستخراج المعاني، وبالتالي جعل الدروس النقدية خميرة من شأنها أن تؤسس للتغيير الديمقراطي والتنموي الذي يوفر الحرية والمساواة، لا الواحدة على حساب الأخرى.

هذا يعني أن الكبت الذي واكب النظام التونسي طيلة الربع القرن الماضي سوف يتحول إلى إسهام مبدع للطليعة الفكرية والثقافية ومكونات المجتمع المدني، ويثري فرص توعية الجماهير بحقوقها التي يجب أن تكون غير قابلة للتصرف.
 
ومادامت تجربة تونس النضالية سوف تبقى عرضة للدراسة المعمقة، فإن أحد أهم ما مثلته هذه الانتفاضة الرائعة هو التجاوب الفوري والتلقائي الذي تجلى في مرافقة وتجاوب الجماهير العربية مع حركة الجماهير التونسية، وذلك برهان على سلامة ونجاعة وحدة الشعوب العربية، وكيف أن هذه الشعوب يمكن في لحظة أن تغير الواقع بشكل غير متوقع، بل هي قادرة على صناعة مستقبل جديد.

هنا يبدو أن انتفاضة تونس الشعبية شكّلت جواباً واضحاً وقاطعاً على جميع الشكوك بوحدة الأمة العربية برغم التفكك القائم في النظام العربي الحالي، فالتجاوب الذي أبدته جماهير الأمة العربية مع ما حصل في تونس لا يكمن في تلقائيته فحسب بل في الإجماع بمضمون المصطلحات وتشابهها الذي نطق به كل مواطن عربي في كل دولة، حيث انطوى على مناعة الوحدة على مستوى شعبي، وأن القيم التي تسود لدى المجتمعات المدنية العربية استشعرت أن الحدث التونسي هو اسهام في توفير مزيد من القدرة، وبالتالي فإن المجتمعات العربية شريكة في الاستفادة، وبالتالي غير عاجزة عنه.

آنياً أو مرحلياً صارت فرص إنجاز حقوقه القومية والمرحلية أكثر وفرة، ولعل ما تشير إليه وحدة المصطلحات التي رافقت عفوية التأييد، والتجاوب هو الشعور بأن المواطن العربي يشعر بمناعة تطمئن وبحصانة ضامنة لأمنه وأمانه.

ما حدث في تونس تراجع في حيثيات النظام العربي وخطوة متقدمة باتجاه وحدة طال انتظارها.

كانت انتفاضة تونس مفاجأة، لكن لو كانت قناعتنا أكثر رسوخاً لما كنا نفاجأ، وهذا بمنزلة تحريض على ضرورة أن ندرك أن ما هو قائم أمنياً لن يكون دائماً، برغم ذلك فالمفاجأة كانت سارة للغاية، ومن تونس الخضراء بالذات.

هذا العطاء وفّر لنا أن في الأيام والشهور القادمة لن نفاجأ بحصول أي إنجاز مماثل، لذا لن نستقيل.
"الخليج"

التعليقات