21/01/2011 - 11:23

في جنازة حزب العمل/ د. جمال زحالقة

حين أعلن ايهود براك الانشقاق عن حزب "العمل" وتأسيس كتلة برلمانية جديدة تحت اسم "الاستقلال"، بات واضحاً بأنه دقّ المسمار الأخير في نعش حزب "العمل" كحزب سلطة.

في جنازة حزب العمل/ د. جمال زحالقة

حين أعلن ايهود براك الانشقاق عن حزب "العمل" وتأسيس كتلة برلمانية جديدة تحت اسم "الاستقلال"، بات واضحاً بأنه دقّ المسمار الأخير في نعش حزب "العمل" كحزب سلطة.

لم ينه براك حياة حزبه، بل عجّل في موت حزب يحتضر، فقد دوره التاريخي وأصبح مجرد وكيل لخصومه في الأمس من اليمين الإسرائيلي.

هرب براك ومجموعته من حزب العمل، بعد أن تبيّن له أنه على وشك أن يطرد من رئاسة الحزب، وأن يجبر على ترك الكرسي الوزاري، فقرر الهرب قبل الطرد. كانت هناك مفاجأة في المشهد الدرامي، لكن النهاية نفسها كانت متوقعة ومعروفة سلفاً.  

لقد انتهى حزب العمل، عملياً، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، حين أعلن براك انه "لا يوجد شريك فلسطيني". كانت تلك أقوى دعاية لحزب "الليكود"، وكانت بمثابة انتحار سياسي لحزب العمل، الذي حاول طيلة الوقت أن يقنع الجمهور الإسرائيلي أنّه بديل "الليكود". انتهى حزب العمل بعد أن تبيّن نهائياً أنه لا يتميز بشيء عن "كاديما" و"الليكود"، ولم يستطع أربعة رؤساء تولوا قيادته في العقد الأخير إخراجه من أزمته، وبدل أن ينتشلوه غرقوا معه. هكذا فشل عمرام متسناع وبنيامين بن إليعزر وعمير بريتس وإيهود براك، في ترميم حزبهم، وبدت محاولتهم كالنفخ في الرماد.

لعل المستفيد الأكبر من تفكيك حزب العمل وانسحاب ثمانية من أعضائه من الائتلاف الحكومي هو افيغدور ليبرمان، الذي بيده الآن أن يسقط الحكومة الإسرائيلية متى شاء. حكومة نتنياهو اليوم أكثر اعتمادًا على ليبرمان، وبالتالي أكثر استعدادًا لدعم مشاريع قوانين ومبادرات عنصرية وفاشية تأتي من حزب "إسرائيل بيتنا". المستفيد الثاني هو بنيامين نتنياهو، الذي "طبخ" مع براك تحرّكه الأخير، والذي حظي بمزيد من الاستقرار لحكومته وأبعد عنها شبح الانتخابات المبكرة، التي لوح فيها حزب "كاديما" في الأشهر الأخيرة.

في جنازة حزب "العمل"، قد يشعر بعض أيتام حزب العمل في الوسط العربي بأنهم أكثر يتماً، إلا أن الجمهور العربي في الداخل لا يذرف الدموع. 

هذا الحزب كان المهندس والمقاول والمنفذ للمصادرات الثلاث: مصادرة الأرض ومصادرة الهوية ومصادرة الحقوق. وهو الحزب الذي قاد الحروب الكبرى وارتكب الجرائم الكبرى بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.  لقد كان حزب العمل أخطر حركة سياسية في تاريخ الصهيونية، فهو لم يحمل أفكارًا متطرفة فحسب، بل قام بتطبيقها على أرض الواقع، وما من فكرة جهنمية حملها إلا وعمل حتى نجح في تطبيقها، من تهجير الأغلبية الساحقة من أهل البلاد الأصليّين، حتى احتلال البلاد وتهويدها، ومن مصادرة الأغلبية الساحقة من أراضي فلسطينيي 48، حتى فرض نظام التمييز العنصري ومحاصرة الوجود على جماهيرنا العربية في كل مجالات الحياة.

حين جاء اليمين الليكودي إلى الحكم عام 1977، لم يجد ما يضيفه على ممارسات وسياسات ومخططات ما يسمي بالتيار العمالي، لا بل وجد نفسه يستمر في تنفيذ نفس السياسات، مع تغييرات طفيفة للأفضل أو للأسوأ. قد تكون لهجة اليمين متطرفةً، إلا أن ممارسات حزب العمل أكثر تطرفًا ويكفي أن نذكر أنه كان مسؤولا عن مجازر كفر قاسم ويوم الأرض وهبة القدس والأقصى في أكتوبر 2000.

في جنازة حزب العمل لا نذرف الدموع، ولكننا محرومون من الفرح المشروع، لأن البدائل الموجودة والمطروحة هي من نفس البضاعة وحتى أسوأ.  المهم أن ننتبه جيداً، ولا نسمح لبدائل حزب العمل أن تتسلل إلى قرانا ومدننا مرة أخرى، حتى لو لبست ثوباً يساريًا جديدًا، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

التعليقات