29/01/2011 - 09:55

الحمد لله أنني عشت حتى اللحظة../ زكريا محمد

لست سَهّيرا. أنام باكرا، وأصحو باكرا. أمس صمدت حتى الثانية عشرة، أتابع ما يجري في شوارع المدن المصرية منذ الصباح. ذهبت إلى النوم منتصف الليل بعد أن تأكد لي أن الأمر قد حسم.

الحمد لله أنني عشت حتى اللحظة../ زكريا محمد
لست سَهّيرا.
 أنام باكرا، وأصحو باكرا.
 أمس صمدت حتى الثانية عشرة، أتابع ما يجري في شوارع المدن المصرية منذ الصباح. ذهبت إلى النوم منتصف الليل بعد أن تأكد لي أن الأمر قد حسم. 
 
 خلال أربعة أيام فقط أنجز المصريون ما أنجزه التوانسة في شهر. إنها سرعة الضوء. وخلال ست ساعات تمكن الشباب المصري من تحطيم أكبر جهاز قمعي في المنطقة. بصدورهم العارية حطموا مباحث أمن الدولة، والأمن المركزي، وجهاز البلطجية. فهناك جهاز فعلي في مصر، جهاز لا يعلن عنه، لكنه موجود ومشكل من عناصر وضباط الأمن السابقين المدمنين على المخدرات، الذين لا يحكمهم نظام ولا قانون، والذين هم على استعداد قتل الأنبياء أنفسهم.
 
خلال ست ساعات تحطم جهاز القمع الأول في المنطقة. ذهبت إلى النوم وقد تأكدت أن نظام مبارك قد انتهى، رغم المحاولات الأمريكية المتواصلة للمحافظة عليه. انتهى عميد الطغاة، عميد القتلة، ورئيس الخونة. انتهى نظام كامب ديفيد، حليف إسرائيل وصديقها وحبيبها. 
 
 ذهبت للنوم وأنا أتذكر قول أبو الغيط، وزير خارجية مبارك، قبل أسبوعين: "كلام فارغ من يعتقد أن ثورة تونس سننتقل إلى مصر، مصر غير تونس". لكن ثورة تونس انتقلت إلى مصر، وانتقلت بأسرع مما قدرنا، وهتف المصريون في شوارع القاهرة: الحقوها إلحقوها التوانسة ولّعوها 
 
 لقد ولّع التوانسة الشعلة فأمسكها المصريون، وأحرقوا عرش الطاغية. 
 
 أما الإسرائيليون، فقد بدوا مثل كلب مبتل بعد أن تهاوت تحليلاتهم. هيرتسوغ، ذو الكرش الكبير، أعلن أنه مبارك سيقمع التظاهرات وأنه لن يسقط. رئيس الشاباك السابق كذلك، المدعو فركش أكد ذلك. لقد صدقوا ما قاله لهم مبارك. ثم إنهم أقنعوا الأميركيين بهذا في ما يبدو. ذلك أن السيدة كلينتون أعلنت في ثاني أيام الغضب أن الحكومة المصرية مستقرة. تمام.. مستقرة مثل استقرار أفكار فركش وهيرتسوغ.
 
هؤلاء ناس لا يفهمون مصر ولا يفهمون العرب. إذ أن كل أبله راقب كيف اندفع الشباب المصري إلى الشوارع يوم الخامس والعشرين من يناير كان سيدرك أن الوقت قد حان. لم يكن بحاجة إلى معلومات استخبارية ولا غيرها. كان عليه أن ينظر إلى وجوه الشباب لكي يدرك أن عصر مبارك قد انتهى. لكن فركش وليفني ونتنياهو لا يستطيعون أن يفهموا وجود الشباب العرب. يستطيعون أن يفهموا وجه مبارك وصفوت الشريف وأحمد عز، وليس أكثر من ذلك. 
 
 الكل كان يقول: نحن غير تونس. النظام في مصر، النظام في اليمن، النظام في الأردن، وحتى هنا في رام الله. فقد وقف عضو لجنة تنفيذية، مضاف إضافة إليها، وقال: واهم، واهم، واهم، من يتوقع أن ما حدث في تونس يمكن أن يحدث هنا!! الغريب أن هذا العضو وضع (نظامه) في خانة واحدة مع الأنظمة العربية، رغم أننا لسنا دولة. وهو لم يفعل ذلك عبثا. فقد بات لدينا (نظام!!) تحت الاحتلال يعتقد أنه يمكن أن يستمر عبر الأجهزة الأمنية وعبر البلطجة والبلطجية. نأمل أن ما حصل في تونس ومصر لن يحصل هنا لأننا لسنا دولة، ولأننا تحت الاحتلال. لكن الإصرار على بناء أجهزة أمن مركزي يمكن أن يوصلنا إلى ما وصلت إليه مصر وتونس.
 
خذوا العبرة يا سادة، ولا تتصرفوا كما تصرفت الأنظمة. خذوا العبرة يا أصدقاء! على كل حال، فنحن نتحدث عن مصر. لقد انتهى نظام كامب ديفيد. وإن لم يكن قد انتهى فإنها بداية النهاية. والأيام القادمة ستثبت ذلك. إذن، فحن عند بدء جديد، عند زمن جديد. وكل شيء سيعاد النظر فيه؛ السياسات، النظريات، الأشخاص، الحسابات. إنها لحظة تكوين جديد. والحمد لله أنني عشت هذه اللحظة. الحمد لله أنني كنت هنا..

التعليقات