06/02/2011 - 12:20

هواجس الأجندة الخارجية لنظام "أم الأجندات"؟!../ نزار السهلي

تأتي التصريحات والنصائح الغربية، للمنطقة العربية في غياب ردة فعل رسمية عربية على مسار الأحداث وتطورها في ثورة الشارع المصري، مع تمنيات البعض أن ينام ويصحو وعقارب الساعة قد عادت للوراء، وأن تعود الأمور كما كانت. إن عدم وجود موقف رسمي عربي من تلك الأحداث، يتيح للسياسات الأمريكية والغربية أن تتصرف وكأنها حامية الديمقراطية في العالم العربي، مع تكرار معزوفة النفاق الغربي لمشهد "الديمقراطية" المنتشرة في فلسطين والعراق وأفغانستان

هواجس الأجندة الخارجية لنظام
تأتي التصريحات والنصائح الغربية، للمنطقة العربية في غياب ردة فعل رسمية عربية على مسار الأحداث وتطورها في ثورة الشارع المصري، مع تمنيات البعض أن ينام ويصحو وعقارب الساعة قد عادت للوراء، وأن تعود الأمور كما كانت. إن عدم وجود موقف رسمي عربي من تلك الأحداث، يتيح للسياسات الأمريكية والغربية أن تتصرف وكأنها حامية الديمقراطية في العالم العربي، مع تكرار معزوفة النفاق الغربي لمشهد "الديمقراطية" المنتشرة في فلسطين والعراق وأفغانستان.
 
استعادة الشارع العربي في مصر لزمام المبادرة، يبعد معزوفة التدخل الخارجي الذي أولته مؤسسة النظام في مصر هرم عملها طيلة العقود الماضية، بعد تحول السياسة العربية ممثلة "بأم الأجندات" الخارجية وتحويل وتطويع دور مصر الذي عمل نظام مبارك على تسهيل التدخل الخارجي بكل تفاصيل السياسة العربية وتشكيل حائط صد في السياسة العربية ضد مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة العربية، جعل من الدولة الأكبر في العالم العربي تأتمر من أعتى دولة خارجة عن القانون في العالم "إسرائيل" وتتبنى أطروحات الغرب السياسية والاقتصادية والأمنية تحت مسميات مكافحة الإرهاب تنفيذا لأجندات لا تتصل ومصلحة مصر القومية والوطنية، بحيث ترى كل من يغرد خارج السرب الأمريكي والإسرائيلي متعلقا بأجندات غير وطنية لتعكس الصورة المزيفة له من خلال خلق ثقافة قطرية ضيقة، تجعل كل من ينادي لمحاربة الاحتلال ومقاومة المشاريع الأمريكية في المنطقة مرتبطا بأجندة خارجية. أما السياسات الداخلية فهي التي تصب في خدمة المشروع الإمبريالي، ولهذا تكون الثورات على الاحتلال ومقاومته مرتبطة بأجندات وطنية أصبحت غريبة ومغربة في قاموس بعض السياسة العربية، التي لم تفهم إلى الآن أن الثورة في مصر وتونس واليمن وفي كل بلد عربي ارتبط وارتهن للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية تقوم أساسا ضد الحكومات لأنها ارتهنت لأجندة غير وطنية ولا تحقق إلا الخنوع والاستسلام للشعب العربي.
 
الصدمة التي تعرض لها، بعض النظام الرسمي العربي، بعد ثورة الشعب العربي في مصر وتونس، أظهرت العجز المفضوح لخصوصية العلاقة التي تمتع بها هذا النظام مع الولايات المتحدة طيلة فترة الحكم، وتحديدا في مهمة النظام المصري وخدماته الجليلة والميمونة للغرب وإسرائيل، التي ربط بها دور مصر بعجلة السياسة الغربية في المنطقة العربية، بحيث أصبح الدور الذي لعبه النظام المصري المتخاذل والمتواطئ مع من يطلقون على أنفسهم " المعتدلين " لإنضاج الطبخات على نار هادئة.
 
العودة "الميمونة" للنظام المصري "للحاضنة" العربية بمكاسب كامب ديفيد، والسعي بشكل هادئ دون إثارة ضجة كبيرة في استقطاب بعض النظم الرسمية العربية، أحدث انقلابا في مفاهيم وشعارات التضامن والوحدة والمصير المشترك والأمن القومي العربي، بحيث أصبح الهجوم والتهكم على كل ما من شأنه أن يقود لإعادة نهوض الأمة عاملا ثابتا في أجندة النظام المصري، ومن يدور في فلكه تحت مسميات الواقعية والعقلانية برؤية القطري المبتعد عن الوطني والقومي. لكن تلك الثورة التي أشعلها نظام كامب ديفيد ومحاولته دفن كل المعطيات التي تفيد أن الشعب العربي يلتقي عند نقطة رفض الهيمنة الاستعمارية والفساد كلها باءت بالفشل، وكل جهود تبييض صفحة بعض النظام الرسمي العربي لدور أمريكا وحليفتها إسرائيل لم تنجح في دق الوعي العربي.
 
الثورة في الشارع المصري، انتبه لها النظام، على أن لها أجندات خارجة عن المألوف، الذي سوق طيلة عقود ثلاث أجندته السياسية والاقتصادية والأمنية لخدمة المصالح الغربية في المنطقة العربية، فأجندة الثورة الشعبية في مصر المرتبطة بمصالحه الوطنية وانقلابه على مفاهيم الفساد والانهيار لدولة تعتبر قلب العالم العربي لا تستقيم ورؤية النظام الذي أحدث خللاً، في طرق مواجهة الأزمات والتهديدات التي تحيط بالمنطقة العربية وبمستوياتها المتعددة في المجال الأمني والاقتصادي والسياسي، كذلك حالة الانكفاء والتراجع والانغلاق للدور المصري وحصره بدور "الوسيط "في القضية المركزية للعالم العربي "فلسطين"، لم تكن ناجعة على الإطلاق فبدا دور "الوسيط" متواطئا في كل القضايا التي تهم المواطن المصري أولا ووصولا لكل القضايا العربية المتصلة بفلسطين والعراق ولبنان وسوريا.
 
محاولة النظام المصري دق الإسفين بين الشعب العربي في مصر وبين أشقائه في العالم العربي من خلال الدور الذي لعبه في تلك القضايا، وجعل منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي تحت النفوذ الأمريكي - الإسرائيلي، العسكري والسياسي والاقتصادي، مع تقويض النظام المصري لحركة التحرر والنهوض ضد الاحتلال في فلسطين ولبنان والعراق معتقدا أنه يساهم في ترسيخ دعائم الهيمنة على المنطقة العربية، لكن تلك البدائية في تمييع الشخصية الوطنية للشارع العربي جعلت من جهود الحركات الثورية في العالم العربي والنظم الداعمة لها، وأقصد بالتحديد العلاقة الراسخة والإيمان العميق الذي أولته سورية للمقاومة في فلسطين ولبنان أجهض كل الأحلام الغربية لترسيخ الهيمنة وقلع الإسفين من البناء الإمبريالي في المنطقة العربية.
 
الحديث عن الأجندات الخارجية للثورة، من نظام لم يهدأ طيلة فترة حكمه في تنفيذ أجندة لا وطنية ولا قومية، يستدعي السخرية المفرطة فالأجندة التي يتحدث عنها النظام المصري وبعض مريديه في العالم العربي تعني أن الثورة تستلهم تجاربها من هذا النظام الذي دمر بأجنداته طموحات الشارع العربي في مصر بسياسة الإخضاع والاحتواء والخنوع المطلق لسياسات البنك الدولي، والعمل على تقزيم مصر كدولة تشكل هرما في المنطقة العربية لتبدو حذاء في السياسة الأمريكية والغربية، ونشاطه المحموم في تبني سياسات قادت إلى الانهيار الكبير لدور مصر والعرب على الساحة الإقليمية والدولية.
 
لقد أدخل النظام المصري لقاموسه مصطلح الأجندة الخارجية، التي من شأنها منع تدعيم الصف الوطني وإبراز مصر كدولة تنهض بالأمة. فحصار الشعب الفلسطيني والإسهام بالضغط على الفلسطينيين للقبول بمشاريع التسوية لا يعتبر تنفيذا لأجندة خارجية، بل دعم الضغوط والعدوان على الشعب العربي حالة طبيعية في وظيفة النظام الذي وجد نفسه في ثورة الشارع مرتبكا ومفضوحا دوره ومشلولا في مواجهة الحقيقة. فإذا كان الشعب الفلسطيني محاصرا في قطاع غزة منعا لعبور الأجندة الخارجية وتسهيل مرور الأجندة الإسرائيلية والغربية لفرض الأمر الواقع في استباحة الحقوق العربية يعتبره النظام في صلب مهامه فليس غريبا أن يصف تحرر الشعب اللبناني ومقاومته للعدوان والاحتلال مغامرة لتنفيذ أجندة خارجية كما في الوضع الفلسطيني حالة الصمود والمواجهة للمشروع الصهيوني والانقسام الفلسطيني يعتبر تنفيذا لأجندة خارجية، والسبب في كل ذلك أن الاعتدال العربي يجد أنه من الطبيعي أن تستباح الأمة في اقتصادها وأمنها، وطالما أن الأجندة الخارجية توفر له الحماية لبقائه وبقاء نظامه في سدة الحكم.
 
الثورة في الشارع المصري، تنفذ أجندتها الوطنية التي يرى فيها النظام غربة مستدامة في سياسته، فالوطني والقومي استبدل في ذهنية بعض النظام الرسمي العربي، لتحويل بعض الأوطان "لمواخير"، لا يفهم النظام الرسمي العربي طبيعة الأجندة التي ينطلق منها الشعب العربي الذي راقب أنظمة الحكم وأجنداتها، فحالة الارتعاد الشديد والقلق والخوف التي ميزت الموقف الإسرائيلي من ثورة الشارع المصري هي قلق على إستراتيجية الأجندة الإسرائيلية والغربية في المنطقة العربية. والإطاحة بالنظام المصري تعني إطاحة بكل الأجندة الكارثية التي انتفض عليها الشعب العربي في مصر وقبله في تونس، وبعيدا عن أية إيديولوجيات تصيب الثورات فإن الثورة كشفت عن أجندتها المطالبة بانقلاب على تلك المفاهيم التي حاول ترسيخها النظام المصري عنوة في وعي الشارع المصري مبتعدا عن أجندته الوطنية ولهذا استحق التحية من كل الشعوب العربية التي تجد أن الثورة قامت لأن النظام ارتهن لسياسات لا وطنية.

التعليقات