17/02/2011 - 19:04

من مصر إلى البحرين واليمن وليبيا والبقية.. بلطجة ونفاق غربي../ ناصر السهلي*

من يدقق في المشهد المصري بعد سقوط النظام لن يكتشف سوى حقيقة واحدة: الالتفاف على أهداف الثورة والإبقاء على النظام بخطوات توضح ذاتها

من مصر إلى البحرين واليمن وليبيا والبقية.. بلطجة ونفاق غربي../ ناصر السهلي*
فجر الخميس 17 فبراير وجدت عاصمة البحرين، المنامة، نفسها أمام حالة "طبيعية" من القمع المعبر عن طبيعة التعاطي الأمني العربي مع الشعوب.. فكذبة واضحة سبقت هذا الهجوم الهمجي على دوار اللؤلؤة تمثلت في "اعتذار" حكومي عن سقوط شهيدين من الشباب قبل يومين من الهجوم، وخرجت المواقف الرسمية مؤكدة على "المحاسبة" و"التحقيق" فيما جرى.. لكن، الديمقراطية وحق التظاهر السلمي الذي أظهره التلفزيون البحراني لم يكن مقصودا به هؤلاء المحتجين والمطالبين بملكية دستورية وإصلاحات سياسية في البلاد، بل هو حق لأتباع "الملك" الذين جالوا بسياراتهم حاملين الأعلام وصور "المفدى" بينما استحق الشعب "صاحب الأجندات الخارجية دائما" قنابل الغاز الأميركي الحديث وطلقات انشطارية تذكر تماما بطلقات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة ( راجعوا صور حصار المقاطعة ونوع الطلقات التي استخدمها جيش الاحتلال وقارنوها بمشهد ما تستخدمه أدوات القمع العربية).. حسم "الملك المفدى" أمره، بعد كلمة متلفزة، فأنزل جيشه وميليشيات نظامه.. ستلاحظون القاسم المشترك بين عمليات القمع التي تستخدمها الأنظمة العربية المرعوبة من تجربتي تونس ومصر.. المليشيا هي القاسم المشترك.. ففي مصر "بلطجية" وفي ليبيا "لجان ثورية" وفي تونس "عصابات الحرس الجمهوري" وفي اليمن "ميليشيا ومؤيدو نظام لا يريد ترشيح نفسه ولا ابنه"..
 
بعد 11 فبراير المصري لهث الأميركي، ومعه دول أوروبية، باحثا عن أجوبة لأسئلة "كيف أخفقت مخابراتنا عن توقع ما يجري".. وبالتأكيد درست الأنظمة العربية الملتهبة ساحاتها الكيفية التي يجب التعامل بها مع شعوبها.
 
لم يتوقف النفاق الغربي عند حد الاشتعال فيما جرى بطهران من ناحية، واستخدامه كل الوسائل لإجهاض ثورتي مصر وتونس من الناحية الأخرى، بل تجاوز الأمر افتضاح هذا النفاق إلى حد تقديم المساعدة والمشورة للأنظمة العربية للطريقة المثلى للقمع وإجهاض أي ارتداد وتأثير لثورة مصر.
 
من يدقق في المشهد المصري بعد سقوط النظام لن يكتشف سوى حقيقة واحدة: الالتفاف على أهداف الثورة والإبقاء على النظام بخطوات توضح ذاتها من خلال البطء الشديد في تنفيذ مطالب تلك الثورة.. لتكون مثلا لبقية الشعوب بأن أمل التغيير صعب التحقيق.. وربما إيصال الشعوب إلى الاقتناع بأنها "غير مؤهلة بعد لنظام ديمقراطي" ( على لسان من كان نائبا لمبارك ورئيس حكومة مبارك الحالي وعدد من السياسيين المحليين والغربيين)..
 
في اليمن استبق نظام علي عبد الله صالح الحركة الشعبية بمجموعة من الخطوات البدائية التي لا تختلف عن بلطجة مبارك ورجال السمسرة وزبانيته بالجمال والبغال، فأخرج هؤلاء ومخبريه ليحتلوا ساحة التحرير في صنعاء مسلحين بالخناجر والسيوف والعصي وصور "الزعيم" وبقية عدة البلطجة لمنع المتظاهرين من التحرك.. طلاب الجامعة تقفل الأبواب عليهم ويُرمون بالحجارة.. ويتم في المدن اليمنية الاعتداء المسيل للدماء على أي تحرك غير مترددين في استخدام الرصاص الحي للقتل وإدخال الرعب في نفوس الشباب الثائر.
 
لم يختلف المشهد الليبي عن اليمني كثيرا.. بكل بساطة تخرج "الجماهير" تصدح شتما بمحطة الجزيرة ومتوعدة بروحها ودمها فداءا "للقايد".. لا يهم من يفدي البلد.. الوطن.. المهم أن يعيش القائد للأبد.. كيف للأبد هو غير مفهوم، إذ لا أحد بعد كشف لنا لا في كازاخستان ولا في دول قمعستان عن إكسير الأبدية في الحياة..
 
هذه الأنظمة العربية لم تفهم بعد أن المجتمع العربي لا يعيش لحظات القبلية والعشائرية.. ولم تفهم بأن الترقيع والرشاوى المالية ليست الحل عندما يقرر الشعب المناداة بحقوقه المشروعة في حياة لا تشبه تلك التي يعيشها حكامهم ومافيا الفساد والإفساد.. ولم تستوعب أن تأخير التغيير والإصلاح الجذري بديله سيكون المزيد من الثورات التي كلما تأخر اندلاعها كلما كان سقف مطالبها يتجه نحو رؤوس هؤلاء الحكام.
 
صحيح أن البحرين تحتضن مقر الأسطول الأميركي الخامس.. وصحيح أن أدوات القمع الأميركية وغير الأميركية توضع في خدمة "الملك المفدى".. ويلعب الإعلام المحلي، والغربي، لعبة التقسيم الطائفي والتخويف من الأجندات الخارجية ( بالمناسبة هؤلاء الذين يطلقونها ينسون أنهم يجلسون في حضن الأجنبي الأميركي والبريطاني والفرنسي، وقد باتت نكتة سمجة في ميدان التحرير بالقاهرة).. فالبعبع الإيراني يعني القبول بالخنوع وفتات ما تقدمه العائلات الحاكمة للمحكومين.
 
أمر مثير للسخرية حقا أن نرى كل هذا التكالب على الشعوب العربية التواقة للحرية بتهديد بالفوضى التي يخترعها الحكام بأدوات مكشوفة ومدعومة بشكل واضح وجلي من غرب يتنفس نفاقا وكذبا.. فهؤلاء يتعقدون أن قوة البطش ووجود الأميركي في البحار والموانئ والسماء العربية قادرة على إخافة هذه الشعوب.. فاليمن الذي يتفاخر نظامه بـ"العروبة" لا يتردد بالسماح لطائرات القتل الأميركية باستباحة دماء اليمنيين.. ونظام الحكم البحراني لا يتردد في هز السيوف والرقص على النغمة الأميركية في تحد سافر لمشاعر وتوجهات شعبه.. وفوق هذا وذاك تلهث الأنظمة للتضامن مع بعضها البعض عبر تبادل الخبرات القمعية وتحويل البلاد إلى مسالخ تعذيب لوكالات استخباراتية غربية وعلى رأسها الأميركية.
 
لقد اتضح أي نوع من السيادة التي يتفاخر بها بعض حكام العرب في لغة التمويه على استباحة تلك السيادة، فمن المخجل أن يمر 30 عاما قبل أن تكتشف "النخب" التي كانت تدافع عن كامب دافيد بأن انتشار جنود مصر فوق أرضهم في سيناء يحتاج لإذن إسرائيلي.. ومن المخجل والعار أن تتضح صورة المساعدة التي قدمتها واشنطن سنويا منذ كامب دافيد كرشوة لخدمات "لا تقدر بثمن" لنظام همه الوحيد خلق وهم خطر "معبر رفح" على الأمن القومي المصري بينما انكشفت كذبة حبيب العادلي وأجهزة أمن مبارك.
 
نحن أمام مشهدين متناقضين على امتداد البلاد العربية التي تسعى فيها الشعوب لتقرير مصيرها بعيدا عن ثقافة الأبوية التي تسمح للحاكم أن ينظر إلى شعبه كقاصر على امتداد عقود تتجاوز عمر أجيال ولدت وهي ترى التزوير واعتبار البلاد إقطاعيات ومزارع للحاكم وزبانيته.. مشهد يتضح فيه وعي ورقي وثقافة الشعوب، ومشهد يقابله همجية وبدائية في القمع وتذويب أي صوت معارض لمصلحة دغدغة مشاعر وعواطف الشعوب عن "التدخلات والأجندات" بينما هم يحكمون بأجندات قوة الأميركي ودعم رأسمال الشركات العابرة للقارات ووسائلها المحلية الفاسدة فساد الوسائل المافيوزية.. فهل يراد للشباب أن يتوجهوا نحو العنف لتبرير القتل وإراقة دماء الشعوب في سبيل الحفاظ على أنظمة العصابات والمافيا الحاكمة؟
 
هؤلاء الحكام تجدهم يتحدثون عن "الحرية والديمقراطية" في بلادهم وكأنهم ما زالوا يعيشون عصر الجاهلية الإعلامية والتغريب والعزلة.. فالسلطة "الشعبية" كما يدعي منظرو "القايد" لا تمنع من قتل الشعب.. والرئيس الذي يحصر طلبة الجامعات بعصاباته يدافع عن ممارساته بقوة "العفوية" المؤيدة له أبد الدهر..
 
هذان المشهدان يقودان وفق عقلية القمع الممتدة من بنغازي إلى صنعاء وتعز وعدن والمنامة ومحاولة الالتفاف ببرنامج أميركي على ثورة شعب مصر إلى المزيد من الدفع نحو مواجهة أعنف مما يتخيله هؤلاء الذين يلطفون ما يجري من خلال وسائل إعلام متخلفة. أمر إن ظلت حالة الإنكار مسيطرة على العقلية الحاكمة بدون أن تقوم بالاستفادة الحقيقية من حراك شارعها وجماهيره الشابة سيؤدي في النهاية إلى مزيد من الاشتعال لثورات لا يمكن أن توقفها لا الأسلحة القمعية الأميركية ولا ميوعة ونفاق المواقف الغربية والنصائح الإسرائيلية، فجدران الخوف تتهاوى وإن راهن عليها بقية نظام عربي يتهاوى والشعب العربي يتلمس بوصلته التي لن يسلمها لأي كان بعد 25 يناير المصري..
 
ملاحظة أخيرة
 
لاحظوا أن لسان حال الأنظمة التي تواجه ثورات شعبية: المتظاهرون يستخدمون الحجارة والمولوتوف ضد مصالح الدولة.. أمر عجيب أن تنزل آلاف قوات القمع لتطلق النار والغاز وتقتل وتبطش وتطلق بلطجيتها وعصاباتها بينما المطلوب من الشعب أن يذبح بصمت، ويقبل أن يقتل مع شكر الزعيم والملك والقايد على قتله واعتقال وتعذيب شباب ثائر.. إننا أمام أكبر عملية نصب واحتيال إعلامي وصحفي في تحالف النخب المستفيدة من بقاء الحالة العربية تحت جناح "الآباء" وما يمنون به على شعوبهم.

التعليقات