19/02/2011 - 15:26

مستقبل معاهدة السلام الإسرائيلية-المصرية../ باتريك سيل

تشكل الثورة المصرية مجرد التجلي الأخير فقط للتغير في بيئة إسرائيل الاستراتيجية. فقد "خسرت" إسرائيل إيران عندما تمت الإطاحة بالشاه في العام 1979. وتبع ذلك ظهور محور طهران-دمشق-حزب الله الذي سعى إلى تحدي هيمنة إسرائيل الإقليمية. وخلال السنتين الأخيرتين، "خسرت" إسرائيل تركيا أيضاً، وهي حليف سابق ذو وزن حقيقي. وهي تواجه الآن خطر "خسران" مصر. ويحوم عليها خطر الخضوع لحالة من العزلة الإقليمية

مستقبل معاهدة السلام الإسرائيلية-المصرية../ باتريك سيل
أصيبت إسرائيل بحالة من التوتر العالي بسبب الثورة المصرية. والسبب بسيط: إنها تخشى على بقاء معاهدة السلام للعام 1979 -وهي معاهدة عملت من خلال تحييد مصر على ضمان هيمنة الجيش الإسرائيلي على المنطقة طوال العقود الثلاثة التي تلت.
 
عن طريق إخراج مصر من الصف العربي -وهي الأقوى والأكثر سكاناً من الدولة العربية، أقصت المعاهدة إمكانية قيام تحالف عربي، والذي ربما كان سيحتوي إسرائيل أو يقيد حريتها في التصرف على الأقل. وكما لاحظ وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان في ذلك الوقت: "إذا تمت إزالة عجلة، فإن العربة لن تسير مرة أخرى".
 
ويصف المعلقون الغربيون بشكل روتيني تلك المعاهدة على أنها "عمود مهم للاستقرار الإقليمي"، و"حجر زاوية للدبلوماسية في الشرق الأوسط"، و"جزء مركزي من دبلوماسية الولايات المتحدة" في العالمين العربي والمسلم. وهذه بالتأكيد هي الكيفية التي نظرت بها إسرائيل وأصدقاؤها الأميركيون إلى المعاهدة.
 
أما بالنسبة لمعظم العرب، فقد كانت كارثة. وعلى النقيض من إنتاج الاستقرار، عملت المعاهدة على جعلهم مكشوفين أمام القوة الإسرائيلية. وبعيداً عن جلب السلام، ضمنت المعاهدة غياباً كاملاً للسلام، وقد رأت إسرائيل المهيمنة أنه ليس ثمة حاجة للتآلف ولا للتسوية مع سورية والفلسطينيين.
 
بدلاً من ذلك كله، فتحت المعاهدة الطريق أمام الغزوات الإسرائيلية، والاحتلالات والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل في كل من لبنان والمناطق الفلسطينية، ولتوجيه ضربات ضد كل من المواقع النووية العراقية والسورية، والتصريح بتهديدات جريئة ضد إيران، ولاحتلال عمره 44 عاماً للضفة الغربية، ولإدامة الحصار الوحشي على قطاع غزة، ولسعي المستوطنين الإسرائيليين المتشددين والقوميين المتدينين نحو تحقيق أجندة "إسرائيل الكبرى".
 
وفي المقابل، تمكن الدكتاتوريون العرب، متذرعين بالتحدي الذي يواجهونه من إسرائيل العدوانية والتوسعية، من تبرير الحاجة إلى إدامة السيطرة المحكمة على المواطنين باستخدام الإجراءات الأمنية القاسية.
 
وبطريقة أو بأخرى، أسهمت المعاهدة الإسرائيلية-المصرية بشكل هائل في خلق عدم الاستقرار الخطير والتوتر العصبي الذي وسم الشرق الأوسط حتى هذا اليوم، إلى جانب زيادة حدة المعاناة الشعبية، والانفجارات الحتمية التي أعقبت ذلك.
 
ويكفي القول إن إسرائيل، التي تشجعت بالمعاهدة، قامت بسحق المفاعل النووي العراقي النووي في العام 1981، وقامت بغزو لبنان في السنة التالية في مسعى رمى إلى تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية، وطرد النفوذ السوري وجلب لبنان إلى الفلك الإسرائيلي. وقد أفضى الغزو الإسرائيلي في العام 1982 وحصار بيروت إلى قتل ما يقارب 17,000 لبناني وفلسطيني. وفي فعل من اللاأخلاقية الهائلة، قدمت إسرائيل حينذاك الغطاء لحلفائها المارونيين بينما يقومون بارتكاب مذبحة طوال يومين ضد الفلسطينيين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. وأبقت إسرائيل على احتلالها لجنوب لبنان طوال السنوات الثماني عشرة التالية، حتى قامت قوات حزب الله بطردها منه في العام 2000. وهذا كثير على إسهام معاهدة السلام في سلام الشرق الأوسط واستقراره.
 
يمكن تعقب أصول معاهدة السلام إلى دبلوماسية هنري كيسنغر، مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون في زمن حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973. ولما كان تواقاً فوق كل شيء لحماية إسرائيل ومزدرياً للتطلعات السورية والفلسطينية، فقد ناور كيسنغر الزعيم المصري أنور السادات ليخرجه من تحالفه مع سورية والاتحاد السوفياتي معاً، باتجاه بناء علاقة مريحة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
 
ومع اتفاقية فك الارتباط في سيناء في العام 1975، استطاع كيسنغر إخراج مصر من ميدان المعركة، وهو قرار مصيري أفضى مباشرة إلى اتفاقيات كامب ديفيد في العام 1978، وإلى معاهدة السلام في العام 1979. وربما يكون السادات قد أمل في تحقيق سلام شامل، والذي يشمل الفلسطينيين وسورية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن تغلب عليه في الدهاء، وهو صهيوني مخلص ومتحمس كان مصمماً على تدمير القومية الفلسطينية ومنع عودة الضفة الغربية إلى العرب. وكان بيغن سعيداً بإعادة سيناء إلى مصر من أجل الاحتفاظ بالضفة الغربية.
 
وبعد أن تم إضعافه داخلياً على يد القوى المؤيدة لإسرائيل، شهد الرئيس جيمي كارتر بدوره، وبما يدعو للأسف، اختزال جهوده لتحقيق السلام لتتحول عن أهدافها الأصلية متعددة الأطراف إلى مجرد ناتج ثنائي -سلام إسرائيلي مصري منفصل. وفي نهاية الأمر، ابتلعت واشنطن أطروحة إسرائيل القائلة إن المعاهدة استبعدت خطر نشوب حرب إقليمية، وأنها كانت بذلك تصب في المصلحة الأميركية. وتم منح الجيش المصري 1.3 مليون دولار على شكل مساعدات أميركية سنوية –لا لجعله أكثر صلاحية للحرب، وإنما على العكس من ذلك: من أجل جعله يتعامل بسلام مع إسرائيل.
 
يبقى تعريف "معاهدة الدفاع عن السلام" هو المقولة السائدة في واشنطن. وقد نقل عن إدارة أوباما أنها أخبرت قادة الجيش المصري بأن عليهم الإبقاء على المعاهدة. وفي المقابل، قال المجلس الأعلى للجيش المصري إن مصر سوف تحترم المعاهدات القائمة. وهكذا، سوف لن يكون هناك أي إلغاء للمعاهدة كما يبدو. ولا يفضل أي طرف في مصر أو في العالم العربي العودة إلى العمل العسكري، ولا هو مستعد له، لكن المعاهدة ربما توضع في التجميد.
 
لا نعرف بالضبط الآن كيف سيكون لون الحكومة المصرية المقبلة. وستكون مشغولة على أي حال بحل المشاكل المحلية في المستقبل المنظور. لكن هذه الحكومة إذا كانت لتضم مكوناً مدنياً قوياً، كما هو متوقع على نطاق واسع، والذي يأتي من المواقف المختلفة وحركات الاحتجاج، فإنه ينبغي توقع حدوث تعديلات في سياسة مصر الخارجية.
 
من غير المرجح إلى حد كبير أن تستمر مصر في انتهاج سياسات حسني مبارك -المحرجة بعمق للرأي العام المصري- والقائمة على التواطؤ مع إسرائيل في حصار غزة. كما لا يرجح أن تبقى مصر الجديدة مقيمة على عداء مبارك تجاه جمهورية إيران الإسلامية وحركتي المقاومة؛ حماس وحزب الله. وسواء دامت المعاهدة أم لا، فإن تحالف مصر مع إسرائيل لن يكون على شكل العلاقة الحميمية التي كان عليها.
 
وبشكل عام، تشكل الثورة المصرية مجرد التجلي الأخير فقط للتغير في بيئة إسرائيل الاستراتيجية. فقد "خسرت" إسرائيل إيران عندما تمت الإطاحة بالشاه في العام 1979. وتبع ذلك ظهور محور طهران-دمشق-حزب الله الذي سعى إلى تحدي هيمنة إسرائيل الإقليمية. وخلال السنتين الأخيرتين، "خسرت" إسرائيل تركيا أيضاً، وهي حليف سابق ذو وزن حقيقي. وهي تواجه الآن خطر "خسران" مصر. ويحوم عليها خطر الخضوع لحالة من العزلة الإقليمية.
 
وبالإضافة إلى ذلك، يعمل استيلاء إسرائيل المستمر على أراضي الضفة الغربية، ورفضها الانخراط في أي مفاوضات جدية مع الفلسطينيين وسورية على أساس مبدأ "الأرض مقابل السلام" إلى خسرانها العديد من داعميها السابقين في أوروبا والولايات المتحدة. وهي تدرك جيداً أنها تواجه خطر نزع الشرعية عنها.
 
فكيف ستستجيب إسرائيل للثورة المصرية؟ هل ستقوم بتحريك القوات إلى حدودها مع مصر، وتقوي دفاعاتها، وتسعى يائسة إلى البحث عن حلفاء في عصبة مصر العسكرية التي تتولى المسؤولية الآن، وتلتمس المزيد من المساعدة الأميركية؟ أما أنها ستسعى أخيراً إلى بذل مساع جدية نحو حل صراعاتها على الأراضي مع سورية ولبنان، وتسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية؟
 
إن إسرائيل في حاجة ملحة إلى إعادة مراجعة عقيدتها الأمنية. وهذا هو الدرس الواضح من الأحداث الدراماتيكية في مصر. إن الهيمنة على المنطقة بقوة السلاح -وهي عقيدة إسرائيل منذ قيام الدولة- تصبح خياراً أقل صلاحية باطراد. وهي لا تخدم سوى إثارة مقاومة شرسة ومتنامية، والتي يتحتم أن تنفجر في النهاية في شكل عنف. ويبدو أن إسرائيل في حاجة إلى إحداث ثورة في تفكيرها الأمني، لكنها لم تصدر أي إشارات إلى الشروع في ذلك بعد.
إن السلام وحده، وليس الأسلحة، يمكن أن يضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل.

التعليقات