21/02/2011 - 10:33

مرجعية الثورة المصرية../ كلوفيس مقصود

الآن اتضحت الدوافع التي جعلت العقيد معمر القذافي يندد بثورتي تونس ومصر اللتين أسقطتا النظامين فيهما لكونه أدرك أن سقوطهما من شأنه إفقاد نظامه المناعة، وهو ما أدى إلى شراسة تعامله مع الانتفاضات الحاصلة في العديد من مدن الجماهيرية الليبية

مرجعية الثورة المصرية../ كلوفيس مقصود

الآن اتضحت الدوافع التي جعلت العقيد معمر القذافي يندد بثورتي تونس ومصر اللتين أسقطتا النظامين فيهما لكونه أدرك أن سقوطهما من شأنه إفقاد نظامه المناعة، وهو ما أدى إلى شراسة تعامله مع الانتفاضات الحاصلة في العديد من مدن الجماهيرية الليبية.

بمعنى آخر، من كان عيّن نفسه وريثاً لإرث الرئيس عبدالناصر القومي تحوّل إلى داعم لمن استمر في دعم أحد أركان «الاعتدال» العربي الذي تم التعريف عنه إما بالصلح مع "إسرائيل" أو التلاقي في المصالح الضامنة لأولوية المصالح الاستراتيجية الثابتة للولايات المتحدة، أي ضمان «أمن إسرائيل» كما تعرّفه نفسها، لا كما يحدده القانون الدولي أو القرارات الدولية، وكذلك استمرار تدفق النفط بأسعار مرضية للاقتصاد الأميركي خاصة وللدول الغربية عامة، لكن ليس من المستغرب أن شراسة القمع الحاصلة تماثلت مع ما تقوم به هذه الدول من توفير حضور لقيادة الأسطول الخامس الأميركي في البحرين وحضور عسكري كان سرا ًوصار علناً في اليمن، التي دفعت شرائح كبيرة من شعبي اليمن والبحرين إلى مزيد من التجرؤ على النظامين في كل من اليمن والبحرين بما يحرج بشكل واضح الخطاب السائد للرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي شرحت مضمونه في محاضرة ألقتها مؤخراً في البحرين قبل ثورة شباب مصر.

لذا إن ما حصل ولا يزال في كل من اليمن والبحرين خاصة بعدما حصل في كل من تونس ومصر يجعل الخطاب الأميركي المتميز بالتزام الحريات الديموقراطية نقيض مستلزمات الاستراتيجية الأميركية ومصالحها في المنطقة العربية، خصوصا أن استعمال «الفيتو» في مجلس الأمن بشأن المستوطنات اليهودية أيده كل الأعضاء ما أدى إلى إفشاله. هذه الاعتبارات الاستراتيجية يبدو أنها لا تزال تشكل مفاهيم وأولويات إدارة أوباما على الرغم من الخطاب الموضح للقيم الضامنة لحقوق وحاجات الإنسان كما ورد في خطاب أوباما في أنقرة والقاهرة بعد انتخابه.

يستنتج أن الانتفاضات الشعبية تعي أن التناقض أو بالأحرى التلعثم في بلورة السياسة الأميركية في الحالة العربية الراهنة يشجع على إجهاض ثورات التغيير من خلال استمرار تكثيف عملية إقناع الأنظمة بأخذ إجراءات تهدئة والابتعاد عن ممارسات القمع وتجاوب نسبي مع بعض المطالب الإصلاحية التي قد تردع عمليات تحدي الأنظمة، ومع تقديم «تنازلات» للمنتفضين كي يزول التلعثم في السياسة الأميركية، بما ينزع فتيل ما يهدد مصالح الولايات المتحدة التي يفترض أن تبقى منسجمة مع رغبة عارمة في التغيير، أدت لغاية الآن إلى نجاحات تنطوي على إعادة النظر بسياسات داخلية ودولية تنطوي على ما يفترض أنها أولويات لأهداف العرب الوطنية، ما يستوجب على العالم أن يتعامل مع أصواتهم المشروعة بجدية، وباحترام مصداقية التزاماتهم.

يستتبع ذلك أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الثورة تشكل تحدياً مصيرياً لا لمصر وحدها، بل لأن إنجازات ثورة الشعب فيها تصبح مرجعية لتمكين قوى التغيير على المستوى العربي إجمالا وبالتالي التحول إلى بوصلة مضيئة لها كما لشعب مصر.

هذا ما يجعل المرحلة الانتقالية الحالية بمنتهى الأهمية ومتابعة خطواتها حاجة ملحة للشعب المصري من أجل تسريع مسيرة ثورات التغيير في ما تختبره العديد من الأقطار العربية، والمتوقع أن تشمل كل أقطار الأمة. صحيح أن لكل قُطر أوضاعه الخاصة، لكن ما حصل في كل من تونس ومصر أثبت أن اعتماد اللاعنف منهجاً في ممارسة الثورة أنجع في الإقناع، لكن من دون التخلي عن حق الرد على عنف ممارسات وشراسة أساليب «البلطجية» والقمع حماية لاستمرار الثورة من استبداد وشمولية أنظمة تعتقد أن بإمكانها أن تبقى عصية على إلحاح الجماهير على التغيير.

إذن، المرحلة الانتقالية الحالية في مصر مفصلية بالمعنى الأعمق والأشمل لما تنطوي عليه كلمة المفصلية.

بادئ ذي بدء يجب أن تتوافر ضمانات باعتراف المؤسسة العسكرية في مصر بشرعية ثورة الشباب، لأن هذا يحمي الثورة ويسرّع في إنجاز أهدافها المباشرة. المرحلة الانتقالية واكبها بعض الإجراءات الأولية وإن كان ليس بالسرعة المرغوبة لكن بمواصلة إجراءات، كما في إلغاء مجلس الشعب والشوري وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، ومواجهة الفساد كما في تحديد مدة زمنية لانتخابات حرة وشفافة لرئيس الدولة ومجلس الشعب وأن الخطوات متسارعة ما يعني أن مؤسسة الجيش تتصرف كأنها جسر التواصل والانتقال من شرعية الثورة إلى نظام قانوني جديد يضمن تنفيذ سياسات وإصلاحات جذرية تطالب بها الثورة الشعبية. وكان من المتوقع أن تشمل المرحلة الانتقالية إيجاد حكومة انتقالية من خبراء وتكنوقراط ملتزمين، لكونهم أسهموا في بلورة العديد من سياسات وقناعات ثورة الشباب وذلك يمنح مسيرة المرحلة الانتقالية الاستقامة غير المتوافرة في حكومة تصريف الأعمال.

لذا صار لزاماً أن يتحول انبهار الشعب العربي في جميع أوطانه إلى التزام بأهداف ثورتي تونس ومصر، وأن تعي هذه الشعوب أن الخروج من الإحباط والتهميش يتحول من كونه كان حالة سائدة وطاغية إلى ثورة شبابية هي الواقعية الجديدة بدلا من الواقعية الملغية للكرامة: بمعنى آخر أمامنا فرصة استعادة حيوية لم تعد مكبوتة، ويبرهن التجاوب العارم الذي تبديه الجماهير العربية باستحالة استمرار "طبائع الاستبداد" التي تحدث عنها عبدالرحمن الكواكبي، وأن الكرامة لم تعد عاراً نكرره، بل أصبحت واقعاً مرشحاً أن نعيه كأمة.
الأهم بكثير أن نخرج من إطار "الاعتدال" المزور إلى نظام يستولد عدالة هي الامتثال لشرعية الثورة ومناقبيتها وما تنطوي عليه من تصويب للبوصلة العربية.
"الشروق"
 

التعليقات