24/02/2011 - 10:48

ثورة شعبية بنكهة مصرية../ ماجد كيالي

أعادتنا هذه الثورة إلى مصر، أو عرفتنا عليها من جديد، كي نجّدد معرفتنا لذواتنا المكبوتة ولإمكاناتنا المهدورة ولأعمارنا الضائعة

ثورة شعبية بنكهة مصرية../ ماجد كيالي
لم تغيّر الثورة في مصر النظام فقط، وإنما هي غيّرت شعبها، أيضا، الذي بات يتنشق نسيم الحرية، ويتذوّق طعمها، فيظهر أفضل وأجمل وأغلى مافيه من مزايا وطاقات.
 
فوق ذلك فإن هذه الثورة المجيدة، العفوية والسلمية والشعبية، والتي أعادت لمصر عزّتها وكرامتها ومكانتها، أعادت معها العالم العربي إلى مصر، إذ كانت الأسابيع الماضية مصرية بامتياز، مبيّنة كم أن الشعوب العربية بحاجة إلى مصر، الحضارة والثقافة والفنون، وليس الدور فقط.
 
نعم لقد أعادتنا هذه الثورة إلى مصر، أو عرفتنا عليها من جديد، كي نجّدد معرفتنا لذواتنا المكبوتة ولإمكاناتنا المهدورة ولأعمارنا الضائعة.
 
 فمن خلال هذه الثورة، مثلا، تعرّفنا على جيل الشباب، الذي طالما نظرنا إليه بعقلية أبوية ("بطركية")، متخلفة ووصائية، معتقدين أنه مجرد جيل تائه، نفعي، وسطحي، ولا يأبه للقضايا العامة. لكن شباب مصر من أمثال وائل غنيم وإسراء عبد الفتاح وأسماء محفوظ ونوارة نجم وأحمد ماهر، وكل رفاقهم، ردوا علينا، وتبين أنهم يرثون لأحوالنا، وأنهم لا يثورون من أجل أنفسهم فقط، أي من أجل حريتهم وكرامتهم ومستقبلهم، وإنما من أجلنا، أيضا، كي يبعثوا فينا بعضا من الحيوية، بعد أن أخذ منا الإحساس بالموات والخواء وعدم الجدوى، وكي نتنفس معهم بعضا من نسيم الحرية، قبل أن نغادر هذه الدنيا.
 
ناحية ثانية يمكن إضاءتها هنا، وتتمثل بأن هذه الثورة عمّدت في معمعانها الوطنية المصرية، وأتاحت لشعب مصر اكتشاف ذاته من جديد، هكذا كنا نسمع شعارات تحيا مصر.. وكلنا مصريون، بحبك يامصر، و"دلوقتي إحنا مصريين"، وارفع رأسك فأنت مصري.
 
ففي مصر قالوها بكل جلاء إذ لا يمكن أن تكون شيئا آخر إن لم تكن مصريا، فلايمكن أن تكون قوميا أو عروبيا إن لم تتحقق وطنيتك ومواطنيتك. ولا يمكن أن تناصر قضايا غيرك إن لم تناصر قضاياك، وإن لم تتمتع بالحرية والكرامة والعدالة والعيش الكريم في بلدك. هكذا لم تشهد ثورة شعب مصر حرقا لأعلام دول، ولا محاصرة لسفارات، ولا إطلاق تصريحات عدائية، ولا حربية، ولم ترفع شعارات عابرة للحدود.
 
بعد ذلك لقد أدخلت هذه الثورة الإعلام المصري، بعد أن شرعت أبواب الحرية أمامه، إلى البيوتات العربية، أو أخذتها إليه، وباتت الأقنية الفضائية المصرية، من مثل قنوات دريم والحياة والمحور والنيل والمصرية وغيرها، تنافس قريناتها من الفضائيات الإخبارية العربية، بعد أن نحيت جانبا فترة طويلة من الزمن.
 
وعلى الأرجح فإن هذه الفضائيات، وغيرها من أخواتها المصريات، سيكون لها في المرحلة القادمة شأن كبير، في الفضاء الإعلامي العربي، وفي الحض على إشاعة مناخ الحرية في العالم العربي.
 
أيضا، ولكن بعيدا عن السياسة، فقد أضفت خفّة دم المصريين، وحلاوة روحهم، ولهجتهم المحببة، نوعا من نكهة خاصة على هذه الثورة، لم تعرفها غيرها من الثورات، وهذا ما تجلى في الشعارات واليافطات التي رفعها المتظاهرون في ميدان التحرير، وفي عموم ميادين وشوارع مصر.
 
هكذا كنا نتابع يوميات هذه الثورة بخليط من التخوف والترقب والتحفز، ولكن بكثير من التعاطف والشغف، لا سيما أن شعارات المتظاهرين ويافطاتهم المرفوعة لم تأت على شكل كليشيهات سياسية محفوظة ومتوارثة، وإنما جاءت على شكل شعارات خفيفة، واضحة وملموسة وهادئة، استطاعت تطويع السياسة لروح النكتة، ما جعلها في متناول الملايين في مصر وخارجها.
 
خذ رأينا وسمعنا شعارات من مثل: "ارحل يعني امشي.. إنت ما بتفهمش".."الشعب بقولك امشي هو أنت ما بتفهمش".. أو لافتات كتبت عليها عبارات من مثل: "ارحل.. الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك". "ارجع ياريس ..كنا بنهزّر معاك".. "ارحل عاوز أتجوز." "ارحل مراتي وحشتني".."ارحل بقى عاوز استحمّى". وثمة من كتب على بطنه الفارغة: "عاوز حقي".
 
وقد تناقل المصريون على شبكتي "تويتر" و"فيسبوك" النوادر التالية:
ـ نداء من أحد تلاميذ المرحلة الابتدائية: "إلى الثوار فى ميدان التحرير والحكومة: لا تنسوا أن تلك الأحداث ستدخل فى مادة التاريخ وإحنا اللى هنتعب فى مذاكرتها اختصروا من فضلكم.. حدّدوا مطالبكم من بعض وخلصونا.. كده المادة هتبقى صعبة أوى.
 
ـ محشّش يفكر بالسياسة قبل 25 يناير.. يتساءل: ليه الرئيس اسمه مبارك والشعب منحوس؟ ليه رئيس الوزراء اسمه نظيف والتلوث قاتلنا؟ ليه رئيس مجلس الشعب اسمه سرور والغم راكبنا؟ ليه وزير المالية اسمه غالي والشعب رخيص؟ ليه وزير الداخلية اسمه العدلي والشعب مظلوم؟ ليه وزير التربية والتعليم اسمه زكي والعيال أغبياء؟
 
ـ عقد الرئيس مبارك جلسة عاجلة مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وقال له: منعت الحشيش يا فالح.. اهو الشعب فاء (استيقظ).
 
- عمر سليمان قال: حسني مبارك ده هو أبونا كلنا.. فرد عليه واحد محشّش: ده إحنا طلعنا ولاد حرام يا رجالة.
 
- أمنية لواحد مصري: يا ريت مبارك كان ضربنا إحنا الضربة الجوية، وراح حكم إسرائيل 30 سنة، كان زمانهم بيشحتوا دلوقتي.
 
وحتى التكنولوجيا تم تطويعها للنكتة، مثلا: قال "بلطجي" لقناة العربية: العيال بيرموا علينا قنابل "بلوتوث". ويروى أن مبارك ذهب لعند عبد الناصر والسادات فسألاه: سمّ ولا منصّة؟ فأجاب: لا دي ولا دي.."فيسبوك"!
 
أخيرا يجدر لفت الانتباه إلى النداء التالي الموجود على "فيسبوك"، والذي جاء فيه: "من ميدان التحرير إلى الأخوة الأشقاء العرب، في حد مضايقكم تاني نخلعه قبل ما نترك الميدان؟

التعليقات