24/02/2011 - 11:57

محرّفو "قوس النصر"../ حسان كنفاني

مرحلة ما بعد الثورة في مصر وتونس ستكون البوصلة التي سيحدّد مؤشرها مسار الثورات العربية المنتظرة. بوصلة لا بد أن تكون بعيدة عن أصابع التحريف والشرذمة، ليتسنى لقوس النصر أن يكتمل ويتمدّد

محرّفو
 
مع دخول الثورة الليبية في مراحلها الأخيرة، واقتراب احتفائها بنصر جديد بإسقاط الطاغية، بات من الممكن الحديث عن "قوس نصر" ثوري يبدأ من تونس ويمرّ بليبيا ليصل إلى مصر. قوس كان لتونس قصب السبق فيه، حيث كان لجسد محمد البوعزيزي الفضل الكبير في إحراق جذوة الخوف المتقدة في نفوس الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. الفضل التونسي لا بد أن يبقى في الأذهان، وكلمة الشكر لروح البوعزيزي واجبة في كل زمان ومكان. ومع كل هبّة شعبية في هذه البقعة العربية أو تلك، لا بد من تذكّر بائع الخضرة الشاب الذي أوقد حركة عربية سيكون لها الأثر التاريخي الكبير لعقود مقبلة.

أثر سيحدّده مسار ما بعد النهاية الشكليّة للثورة، سواء في تونس أو مصر ولاحقاً ليبيا وغيرها من الدول التي تسير على الخط نفسه. فالثورتان المصرية والتونسية لم تنتهيا عملياً بعد، ودون إتمام أهدافهمها الكثير من العقبات للوصول إلى غاية التغيير الكامل. فما حدث إلى الآن هو تبديل الرأس، فيما باقي أعضاء الجسم، أو على الأقل الرئيسة منها، لا تزال على حالها.

التغيير الثاني يسير ببطء شديد، وبدأ بالتفرّع إلى مطالبات جانبية من شأنها أن تتطيح ما أُنجز بالصبر والدم. في تونس ومصر أمثلة واضحة على التفرّعات التي لا تخدم هدف التغيير الشامل، بل على العكس تدفع إلى ترسيخ "بقاء الوضع على ما هو عليه"، ولا سيما بالنسبة إلى الدول الغربية ومخاوفها السريّة والمعلنة من "النفوذ الإسلامي" وتمدّده في مرحلة الانتقال السلمي للسلطة.

من تونس جاءت الإشارة الأولى إلى مساعي حرف الثورة عن أهدافها. تظاهرة إسلامية في العاصمة تطالب بإغلاق بيوت الدعارة و"المواخير". التظاهرة لم تكن استثناءً، إذ سبقتها عمليات إحراق وإغلاق للعديد من المتاجر التي تبيع الكحول في أقاليم متفرقة من تونس، ولا سيما في سوسة.

"ثورة لإغلاق بيوت الدعارة؟"، هذا كان التساؤل الأول للعديد من المتابعين للشأن التونسي، وحتى الكثير من التونسيين، الذين استغربوا خروج مثل هذه المطالب، في وقت لا يزال العمل فيه جارياً لإزالة بقايا النظام السابق. هل قامت الثورة لوقف الكحول؟ وهل أولويتها حاليّاً إغلاق بيوت الدعارة؟ من المؤكد أن مثل هذه الأهداف لم تكن واردة في أذهان الذين تظاهروا واستشهدوا لخلع زين العابدين بن علي واقتلاع فساده هو وأسرته.

التظاهرة التي ردّ عليها العلمانيون بمسيرة مقابلة، إشارة إلى بداية التهاء الثوّار بمعارك جانبية قد تؤدّي في النهاية إلى صدام داخلي، يلغي مساعي المضي قدماً لإتمام مهمات إسقاط النظام. التهاء يحرص عليه الكثير من أنصار هذا النظام لوقف أي أشكال مرتقبة من المحاسبة التي بدأت على خجل. الجيّد أن الثورة لم تصل إلى مرحلة الانحراف هذه بعد، والدليل أنها مستمرة باعتصام إسقاط الحكومة، لكن لا شك ستكون مستهدفة بمزيد من محاولات الشرذمة.

شرذمة جاءت إشاراتها أيضاً من مصر، حيث لم تقم للثورة قيادة موحدة، أو "أب شرعي". ففي اليوم التالي لإسقاط حسني مبارك، كان الانفصال، الذي تكرّس في احتفال "جمعة النصر" الأسبوع الماضي في ميدان التحرير، حيث لم تتوحّد المنابر، بل تعدّدت على حسب التوجّهات. بداية قد لا تكون مبشّرة في هذه المرحلة التي تتطلب إبقاء الخطاب على النغمة نفسها، والابتعاد عن الصدام السياسي، على الأقل إلى أن يحين موعده، الذي بالتأكيد ليس الآن.

صدام أيضاً له أنصاره في الداخل المصري، ولا سيما إذا كان الإسلاميون أحد أطرافه. فالرسالة التي حاول مبارك إيصالها قبل رحيله ستجد لها أصداءً في الداخل والخارج. أصداء لا تزال في مراحلها المبكرة، غير أن استمرار "الانقسام" قد يمثّل عاملاً لانفضاض العديد من المشاركين في تظاهرات ميدان التحرير عن ثورتهم، ولا سيما أن الثورة لم تقم ليستأثر هذا الطرف أو ذاك بالبرنامج أو الخطاب السياسي.

مرحلة ما بعد الثورة في مصر وتونس ستكون البوصلة التي سيحدّد مؤشرها مسار الثورات العربية المنتظرة. بوصلة لا بد أن تكون بعيدة عن أصابع التحريف والشرذمة، ليتسنى لقوس النصر أن يكتمل ويتمدّد.
"الأخبار"

التعليقات