02/03/2011 - 16:08

الثورات العربية: دروس في التاريخ والجغرافيا واللغة العربية/ د. قصي حاج يحيى

الثورات العربية التي بدأت تجتاح العالم العربي في الآونة الأخيرة ساهمت وتساهم في تعزيز الوعي القومي عند الشباب العربي قاطبة الذين كانوا وما يزالون تواقين إلى تذوق طعم الحرية ومشتقاتها والتي حرموا منها من قبل، إن كان ذلك من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة أو من خلال وسائل الإعلام

الثورات العربية: دروس في التاريخ والجغرافيا واللغة العربية/ د. قصي حاج يحيى
الثورات العربية: دروس تعليمية إضافية في التاريخ والجغرافيا واللغة العربية

الثورات العربية التي بدأت تجتاح العالم العربي في الآونة الأخيرة ساهمت وتساهم في تعزيز الوعي القومي عند الشباب العربي قاطبة الذين كانوا وما يزالون تواقين إلى تذوق طعم الحرية ومشتقاتها والتي حرموا منها من قبل، إن كان ذلك من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة أو من خلال وسائل الإعلام.
 
فبالإضافة إلى مدلولات وإسقاطات الثورات العربية على الأنظمة السياسية والإدارية والعسكرية وسقوط الكثير من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الحرية، فإن للثورات العربية الحالية إسهاماتها للشباب العربي في موضوع التنشئة الوطنية والإحاطة بتاريخ وجغرافية الدول التي حدثت وما زالت تحدث فيها تلك الثورات. فوسائل الإعلام المرئية المختلفة وشبكات الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أضحت وسائل تنشئة وطنية بالإضافة لكونها وسائل وأساليب مشوقة لدراسة مواضيع تعليمية مثل التاريخ والجغرافية واللغة العربية.
 
هذه المواضيع التعليمية عانت وما تزال تعاني من التهميش والإقصاء من خلال سياسات تربوية خاضعة لسلطات سياسية مركزية وموجهة، بالإضافة إلى اعتماد هذه المواضيع التعليمية على أساليب تعليمية "شبلونية" قديمة، وأصبحت مواضيع تعاني من التذمر والملل من قبل التلاميذ والطلاب في المؤسسات التعليمية، ومتناولية التعليم العالي لها أصبح بنسب قليلة جدا في المؤسسات التعليمية العليا ومعاهد إعداد وتأهيل المعلمين.
 
إن الثورات العربية عبر الوسائل الإعلامية المتنوعة والمختلفة بدأت تدخل أساليب تعليمية افتراضية جديدة لطلابنا وتلاميذنا وللشرائح الاجتماعية الأخرى، ولو كانت هذه أساليب غير مباشرة وبعيدة عن رسميات التعليم الخاضعة لأنظمة جيليه وعمرية وتخضع لمناهج تعليمية مقررة.
 
الثورات العربية تركت معظم شرائح المجتمع تطرح أسئلة عديدة ومتنوعة في هذه المجالات بهدف جمع المعلومات عن تاريخ وجغرافية الدول التي حدثت وتحدث فيها الثورات والتي تبث أخبارها بالصوت والصورة لكل بيت ومقهى ومؤسسة في الريف والقرى والمدن العربية.
 
إن طرح هذه الأسئلة ومحاولة جمع المعلومات وفضول الشباب عامة لهو من أحسن وأفضل الدروس التعليمية عن تاريخ وجغرافية الدول التي حدثت وتحدث فيها تلك الثورات. وما يميز تلك الدروس التعليمية أنها غير جيليه وغير منهجية وترافقها الوسائل الإيضاحية المتنوعة وتحدث خارج الصفوف الدراسية. نحن هنا لا نريد أن نقلل من أهمية التعليم الصفي للمواضيع المذكورة آنفا وهي ما زالت العنصر الرئيسي من عناصر التنشئة التعليمية وعنصر من عناصر تعزيز الوعي الوطني والقومي والوعي الثقافي العام والتي لا غنى عنها، بل نريد أن نظهر مساهمة "دروس الثورات العربية" غير المباشر في مجال التعليم والإحاطة بتلك المعارف كقيمة تعليمية إضافية يمكنها أن تحرك القائمين على هذه المواضيع "المهمشة نسبيا" إلى الاستفادة من عبر ودروس هذه الثورات عبر وسائل الإعلام المختلفة. ولنضرب أمثلة على مساهمة الثورات العربية لمواضيع الجغرافيا والتاريخ واللغة العربية،إضافة إلى إسهاماتها الرئيسية في التحرر من أنظمة فاسدة ومستبدة بحق شعوبها :
 
في ثورة تونس وأمام شاشات التلفزة كنت أجلس مع أطفال وفتية وشباب يشاهدون أحداث الثورة التونسية منذ اندلاعها وحتى رحيل الرئيس التونسي وانتهاء نظامه. في كل ساعة وفي كل يوم طرحت أسئلة كثيرة ومتنوعة من قبل جمهور المشاهدين عن تاريخ وجغرافية تونس. من هذه الأسئلة التي سمعتها:
 
لماذا سميت تونس بالخضراء؟ متى استقلت تونس؟ كيف وصل الرئيس المخلوع إلى سدة الحكم؟ ما هو نظام الحكم في تونس؟ كم استمر استعمار تونس؟ ما هي عاصمة تونس؟ كم يبلغ عدد سكانها؟ ما هي المدن الكبيرة؟ ما هي أهم مصادر الموارد الطبيعية في تونس؟ وووو.....
 
ثم اندلعت ثورة مصر في 25 يناير وأمام شاشات التلفزة واصلت الجلوس مع الأطفال والفتية والشباب نشاهد أحداث الثورة المصرية منذ اندلاعها وحتى تنحي الرئيس المصري وانتهاء نظامه. هذه المرة كانت الفرصة متاحة أكثر للأسئلة وخصوصا بسبب التغطية الإعلامية المكثفة لأحداث الثورة المصرية. طرحت أسئلة كثيرة ومتنوعة من قبل جمهور المشاهدين عن تاريخ وجغرافية مصر. من هذه الأسئلة التي تداولها المشاهدون:
 
من هم الضباط الأحرار؟ متى حدثت هذه الثورة؟ هل كان الرئيس المصري واحدا من الضباط الأحرار؟ من هم الإخوان المسلمون؟ ما وظيفة شيخ الأزهر؟ لماذا سمي ميدان التحرير بهذا الاسم؟ متى حدثت ثورة احمد عرابي باشا؟ ما معنى الخديوي؟من هو سعد زغلول؟ متى توفي جمال عبد الناصر؟ لماذا كان جمال عبد الناصر محبوبا؟ متى ولد القرضاوي؟ لماذا يعيش في قطر؟متى بدأت فترة مبارك؟ لماذا قتل أنور السادات؟ ما معنى "ربيع الشعوب" ووووو.....
 
ثم تم الانتقال إلى الجغرافيا: من حفر قناة السويس؟ كم يبلغ طول قناة السويس؟ متى بنيت الإسماعيلية؟ كم يبلغ طول نهر النيل؟ من أين ينبع نهر النيل؟ ما هي الدول التي تحد مصر؟ ماذا يوجد في متحف مصر؟ كم عدد سكان القاهرة؟ هل ميدان التحرير في مركز القاهرة؟ ما اسم الجسر الفاصل القريب من ميدان التحرير والذي يتصل مع الضفة الأخرى لنهر النيل؟ وووو...
 
ثم اندلعت ثورة ليبيا وتوالت الأسئلة: من هو عمر المختار؟ متى تم إعدام عمر المختار؟ ما هي ألوان العلم الليبي ؟ ما هو الكتاب الأخضر؟ كم عدد سكان عاصمة ليبيا؟ متى استقلت ليبيا؟ متى قصف الأمريكان مدينة بنغازي؟ ما هي مساحة ليبيا؟ هل هي اكبر دولة في أفريقيا؟ ما هي موارد لبيبا الطبيعية؟وووووو.....
 
والأجوبة على جميع الأسئلة المطروحة حصل عليها المشاهدون عن طريق "التعلم التعاوني". فمرة تجيب وسائل الإعلام عن هذه الأسئلة مباشرة وبرفقة وسائل إيضاح إما بالصورة أو عن طريق عرض فيلم أو عن طريق عرض خارطة. وفي أحيان أخرى يتم الإجابة عن الأسئلة عن طريق طالب أو معلم أو مثقف من المشاهدين ممن لهم علم ومعرفة مسبقة في تلك المواضيع. ومرات كثيرة تم إحضار الحاسوب النقال وتم الولوج في محركات البحث مثل غوغل لمعرفة الإجابة. وهناك أمام التلفاز يحدث الجدال والحوار بين المشاهدين حول موضوع معين لم يتم الإجابة عنه بصورة كاملة. وتنتهي ليلة وتبدأ ليلة أخرى من طرح الأسئلة ومشوار أخر من التعلم التعاوني في ظل الثورات العربية.
 
لا ننسى الثورات ومساهمتها في تعزيز اللغة العربية. فالجميع يسمع اللغة العربية عبر وسائل الإعلام. الكل يقرأ "الخبر العاجل" أكثر من عشر مرات يوميا. يتم تذويت مصطلحات لغوية عربية ذات سياق قومي ووطني وذات صلة مع "ترمنولوجيا" الثورات وسقوط الأنظمة. تتغلغل الكلمات الدخيلة بين الفينة والأخرى في تقارير المراسلين كما يفعل بعض المعلمين أحيانا بإدخال كلمة دخيلة في شرحه أمام طلابه. فنسمع حكومة "تكنو قراط" ونسمع "الكولونيل" وآخر يضيف لكلامه التحليلي كلمة "ثيوقراطية".
 
 وللعامية واللكنات واللهجات دورها في دروس الثورات اللغوية. فكلمة "البلطجية" في ثورة مصر كسرت الرقم القياسي بترددها في الوسائل الإعلامية واخذ يرددها الشباب مرارا وتكرارا. ثم اجتاحت كلمة "زنكة" في ثورة ليبيا واحتلت المرتبة الأولى بعد كلمة "البلطجية". وآخر ما سمعته وكان جذابا وممتعا كان التلاعب الحرفي في كلمة "ليبيا". ففي ثورة ليبيا نادى المحتجون بالوحدة بين الشرق والغرب (بنغازي في الشرق وطرابلس بالغرب) وشبه محلل رائع هذه المطالبة بالوحدة بكلمة "ليبيا"، حيث إذا قرأتها من الشرق، أي من اليمين، فهي ليبيا، وإذا قرأتها من الغرب، أي من اليسار مقلوبة، فتبقى أيضا ليبيا، دلالة على وحدة البلاد وصدق مطالب الثوار الليبيين.
 
هذه كانت دروس تعليمية من الثورات العربية تعتمد على أساليب التعليم التعاوني والفعال ومدعمة بوسائل الإيضاح. إضافة إنها دروس رئيسية في "علم التحرر والحرية" من أنظمة قمعت التعليم الممتع وأقصت التعليم الوطني والقومي. كنا نفضل أن تكون هذه الدروس بأجواء تعليمية أفضل، ولكن بفضل درس الحرية الرئيسي ودرس التضحية لأجلها ستكون دروسنا الصفية ممتعة أكثر. انتهى الدرس الأول وانتهى الدرس الثاني وما زلنا في خضم الدرس الثالث وننتظر الدروس المتبقية على خير.

التعليقات