03/03/2011 - 13:31

العالم يتغير.. إلا نحن../ نصري الصايغ

من يجرؤ على تسمية عشرة فاسدين من أصل عشرات الألوف من الفاسدين. أنا لا أملك جرأة تهجئة اسم واحد من هؤلاء.

العالم يتغير.. إلا نحن../ نصري الصايغ

صدقت مجلة «تايم» الأميركية: «جيل يغير العالم». وصدقت الصحافة الفرنسية أخيراً: "ثورة الشباب العربي تطيح بوزيرين فرنسيين".

جميل هذا الاعتراف. شعروا أن أوروبا ستتغير. وأن أميركا ستتغير. وليس كثيراً أن يقال: فرنسا بعد الثورة ليست كما قبلها. لقد جبت مرحلة وأزمنة. وأن يقال أيضاً، روسيا مع لينين لا تشبه امبراطوريتها. وأن يقال كذلك، إن صين ماو ليست صين تشان كاي تشك. وليس مفاجئاً، بعد 14 شباط تونس، و25 يناير مصر، أن يقال: العرب بعد هذا التاريخ، لا يشبهون عرب ما قبل.. عصر الأنوار العربية، فاز بثورته الخاصة جداً، التي تشبه شعبه ومطامحه وأحلامه، ولا تقلد سواها من الثورات. ثورة بكرٌ، لا هي طبقية ولا هي دينية ولا هي قومية كلاسيكية، ولا هي منتمية إلى آخر ليس منها. هي ثورة، فكرها صنع يديها، لم يأت من عقيدة أو مذهب أو كتاب. هي اختمار ذاتي، تلقح بالمعاناة واستسقى من الفكر ما يروي ظمأه إلى الحرية والديموقراطية واحترام الانسان.

وعليه، فعرب ما قبل 25 يناير، عرب أهل الكهف العربي، ليسوا كعرب الأنوار العربية، عرب «البعثة» الوطنية، لبناء دولة، تحتضن مجتمعاً متنوعاً، وتصون حقوقاً ومصالح وتدافع عن سيادة الأرض والعرض والثروة.

ولقد بدأت المسيرة. تونس تغيرت. مرحلة إقالة النظام برمّته، تشهد خواتيمها. مصر تتغير بحسم سريع، مرحلة إلغاء البلطجة السياسية والأمنية والمالية والفنية... توشك على النهاية، فيما بدأ القضاء ينظف الجسم السياسي والاقتصادي والإداري، من حثالات قيادية.

القضاء في مصر، بدأ معركة الأيادي البيض، لقطع الأيدي السود.
من مشاهد التغيير، ما يدفعنا إلى الدهشة. من كان يصدّق ما يلي: "التحفظ على أموال حسني مبارك وعائلته ومنعهم من السفر، بتهمة الفساد والنهب؟" وقريباً، قد نشاهد عائلة مبارك وعلى رأسها جمال قد سلكت الطريق إلى قفص المحكمة، مع حماية خاصة لهم، لأن الجموع التي احتشدت حول سيارات الترحيل التي نقلت أرباب الفساد المنظم، أحمد عز وأحمد المغربي وزهير جرانة إلى محكمة شمال القاهرة في العباسية، انقضّت عليهم بالأحذية والقبضات... فيما حناجرها تصدح بالنشيد الوطني المصري.. هذه الجموع قد ترتكب انتقاماً أدبياً مناسباً لجمال وزمرته!

من كان يصدق أن ملصقاً في ميدان التحرير، رفع صوراً لرموز الفساد إلى جانب ملصق يسأل: "ماذا قدّمت عصابة مبارك لمصر: القهر، التزوير، الفساد، التضليل، الفقر، الجهل؟ ماذا كانت تفعل المجالس غير إدارة الفساد والنهب؟".

وصف لواء من جهاز الأمن المصري، يوميات وزير الداخلية العادلي: «لا يجتمع إلا بمدراء الشركات ورجال الأعمال ومنظمي حفلات النصب والاحتيال، وبعد أن يكون قد ريّض نفسه في النادي، يدلف إلى مكتبه ليتناول الفطور (عند الظهر تقريباً) وبعدها يرتاح في قيلولة، تعقبها لقاءات مع تجار وسماسرة عقارات وصفقات ومخرجي أفلام، ويصار فيها إلى الاتفاق على العمولة والحصص، فيهرّب قسما منها إلى بيروت وقسم آخر إلى باريس.

وما كان يقوم به العادلي، بما كان يرتكبه 16 وزيراً سابقاً وعدد من الرتب العسكرية العالية. فاللواء عدلي فايد مثلاً، مدير الأمن العام، يتقاضى مكافأة شهرية إضافية على راتبه وعمولته، 500 ألف جنيه. واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة، يتناول نصف مليون جنيه، واللواء أسامة المراسي (أمن الجيزة) له إلى جانب عمولاته عن تجهيز وتأهيل فيلات شرم الشيخ، نصف مليون جنيه، واللواء علاء صلحي يكافأ شهرياً بـ300 ألف جنيه، ويملك شقتين في برج اللؤلؤة في القاهرة بقيمة 5 ملايين جنيه، وشقتين في برج النوس بـ4 ملايين جنيه. وعدد الألوية العسكريين الفاسدين، يكاد يؤلف ثكنة من الحرامية.

إن مصر تتغير بالكامل: القضاء استقلّ عن السياسة. لم يعد خاضعاً للإرهاب والابتزاز. وها هو الآن، يتصرف وكأننا في أعرق البلاد الديموقراطية.

من كان يصدق أن تكون استجابة القضاء، كأنها في عصمة امرأة قيصر؟ شبان مصر أمسكوا ملفات الفساد، وقدّموها وفق الأصول إلى المراجع القضائية المختصة. فتصرفت وفق ما يمليه القانون وما يفرضه الضمير؟
أين كنا وأين صرنا؟ لقد تغير العالم. ها هي الدمى السياسية، من رؤساء وملوك وأمراء وقادة ورجال أعمال ومروضي أسهم ولاعبي بورصة وقادة ألوية أمنية وعسكرية يعيشون خوف السقوط من الأبراج العالية إلى القاع الأخير.
تونس تتغير... والعالم كذلك.
مصر تتغير.. والعالم كذلك.
ماذا عن لبنان؟

الفساد في لبنان منتشر. دين السياسة اللبنانية، مؤلف من أقانيم الفساد والطائفية والوراثة. من يتجرأ على المساس بهذه الأقانيم الثلاثة؟ نكاد نصدق أن لبنان بلد مغشوش من أساسه. والفاسدون فيه يمشون بكامل فسادهم أمامنا، ويستعرضون سرقاتهم في كل مناسبة. أصحاب مليارات مفاجئة، أصحاب عقارات لا يعرف كيف تم شراؤها وتسجيلها. أملاك بحرية سائبة لأصحاب ليست لهم. سوليدير لمن؟ الكهرباء الخاصة لمن؟ النفط لمن؟ النقل المشترك أينه؟ المشاريع الكبرى، كبّرت ثروات الأثرياء! المصارف تبتلع مالنا ومال غيرنا. الجامعة اللبنانية، كيف حالها؟ المستشفيات الحكومية، كم مريضاً؟ القضاء اللبناني، ألا يشبه الجحيم؟ الديون من ارتكبها؟

من يجرؤ على تسمية عشرة فاسدين من أصل عشرات الألوف من الفاسدين. أنا لا أملك جرأة تهجئة اسم واحد من هؤلاء.
من كان مستعداً لذكر واحد... فليكن مستعداً أيضاً للنحر أو للانتحار، إلى أن تحين ساعة التغيير.
"السفير"
 

التعليقات